بعد أن سقطت طائرتهم وجد الأولاد الصغار الذين كانوا عليها أنفسهم على جزيرة منعزلة بعيدة بلا أحد من الكبار. كان (رالف) أول الواصلين إلى المنطقة القريبة من الغابة. وتقابل مع ولد آخر يلبس نظارة، سمين خجول لكن تبدو عليه علامات الصدق كان يدعى (بيجي). وكان رالف ولدا قويا واثقا يلوح في عينيه النشاط والانطلاق.
وجد رالف محارة لها جانب مفتوح كالفم فاستعملها كبوق ليستدعي الأولاد الناجين المتفرقين في أنحاء الجزيرة. ظل رالف ينفخ في البوق حتى تجمع أولاد كثيرون. جاء ولد أسود يدعى روجر صموت لا يتحدث كثيرًا.
وجاء توءَمان يسميان سام وإريك لا يكاد أحد يميز أحدهما عن الآخر، وجاء من بعيد مجموعة من الأولاد في زي موحد ومعاطف سوداء وقلنسوات، كانت جوقة مرتلين، وكان رئيسهم ولدا طويلا يدعى جاك. وجاء آخرون.. موريس، بيل، روبرت، هارولد، هنري، وسيمون الذي كان يصاب بالإغماء كثيرًا..
بعد أن تبين لهم أنهم وحدهم تماما بلا كبار يستطيعون التصرف قالوا جميعًا: يجب أن يكون لنا زعيم.
قال جاك: يجب أن يكون أنا إذن.. فقال الولد الصموت روجر: يجب أن نجري انتخابات لاختيار الرئيس.
في النهاية اختار الجميع رالف رئيسا لأنه كان يبدو هادئا في جلسته وكانت المحارة معه وقد ناداهم بها. ولما انتخب رالف قال: سيكون جاك رئيسا لجماعة المنشدين ويمكن أن يكونوا بمثابة الجيش. قال آخر: أو الصياديين.
قرر رالف أن يذهب ثلاثة من الأولاد الكبار نسبيا لاستكشاف المكان فإن كان متصلا باليابس فإنقاذهم سيكون سهلا، وأما إن كانت جزيرة فسوف نعتمد على أنفسنا. قال: سأنطلق أنا وجاك وسيمون وقال بيجي إنه قادم معهم فقال جاك: لا نريدك معنا ويكفي ثلاثة أشخاص فقال بيجي مشيرًا لرالف: لقد كنت معه عندما عثر على المحارة وكنت معه قبل أي شخص آخر. وسار الثلاثة من ورائهم بيجي ولكن رالف أعاده وهدأ نفسه وقال له: خذ أسماء الأولاد هذه مهمتك.
صعد الثلاثة على جبل صغير ورأوا أن المياه تحيط بهم من كل جانب. وكان من الواضح أن هذه الجزيرة ليست مسكونة. قال رالف: هذه الجزيرة تنتمي إلينا وتخصنا.
ظلوا بعض الوقت مستمتعين بحقوق الهيمنة، ولمعت عيونهم ودب الانتصار في أوصالهم وارتفعت روحهم المعنوية. قال رالف: سنعمل على الاصطياد والحصول على الطعام من الأشجار حتى يتمكنوا من العثور علينا.
في طريق عودتهم سمعوا صوتًا حادًّا بين الأحراش كان صيدًا صغيرًا صالحًا للأكل، اقتربوا منه وأخرج جاك سكينًا واستعد لطعنه لكنه حرر نفسه من النباتات المتشابكة وهرب مسرعا. كان تردد جاك راجعًا إلى أنه لم يفعل ذلك من قبل ولم ير اللحم الحي يقطع بيده ويسيل منه الدم. لكنه اعتذر وقال بوحشية: في المرة القادمة لن تكون هناك شفقة أو رحمة وطعن جذع شجرة في عنف..!
باستعمال النفخ في المحارة دعا رالف إلى اجتماع عاجل وأخبرهم أنهم لا بد أن يتدبروا أمرهم في هذه الجزيرة ولا بد أن يرتبوا من سيقوم بالصيد والبحث عن الطعام. ولا بد أن توضع بعض القوانين التي تنظم العيش هنا. وقاطعه بيجي وتناول المحارة من حجر رالف ثم تكلم قائلا: إننا وحدنا هنا ولا أحد يعلم بوجودنا. قال رالف: إن الجزيرة بها طعام وشراب وجو ساحر وسنقضي وقتا ممتعا حتى يحضر الكبار لإخراجنا. وظهر طفل في السادسة على استحياء ليقول إنه رأى وحشًا شبيهًا بالثعبان، ولا يدري ماذا سيفعلون معه.
واتفق على أن كل من أراد الكلام عليه أن يمسك بالمحارة وكأنه بذلك يأخذ الحق في التحدث. قال رالف: أؤكد لكم أنه لا يوجد أي وحش..! وبرغم عدم وجود برهان على ما يقوله إلا أن سلطة القيادة بعثت في نفوسهم الراحة والتصديق.
نحن نرغب في أن يتم إنقاذنا بالطبع سيتم إنقاذنا. ونشرت فيهم السلطة الجديدة الأمل. تابع رالف كلامه: إن والدي يعمل بالأسطول البحري وقد أخبرني أنه لا توجد جزيرة غير معروفة في العالم وسيصلون إلى جزيرتنا إن آجلا أو عاجلا..
ودوى التصفيق بعد كلام رالف بحماسة بالغة. ولكن..قال رالف: نحتاج أن نشعل نيرانا حتى يستطيع من يبحث عنا أن يصل إلينا.
تعاون الجميع في جمع الأخشاب في مكان عال ولما جاء وقت إشعال النيران نظر رالف وجاك أحدهما إلى الآخر وقد شعرا بالخجل إذ كيف سيشعلون النار. لكن بيجي جاء بنظارته واستعملها رالف لإشعال النار ولما رأى الأولاد ألسنة اللهب تتصاعد انفجروا بالهتاف والتهليل..
ولكن كان الحفاظ على النار مشتعلة على الدوام يحتاج إلى مزيد من الاخشاب ومزيد من العمل. وقال جاك موجها كلامه لرالف وبيجي: ينبغي أن تكون لدينا أنظمة وقوانين ونطيع هذه القوانين نحن لسنا همجيين.. نحن إنجليز والإنجليز هم أفضل الناس في جميع الأمور. وقسم جاك جوقة المنشدين لفرق للمحافظة على النار مشتعلة في النهار وإطفائها في الليل.
ولكن ما لم يلتفت إليه أحد وما كان يحاول بيجي أن يحذرهم منه هو أن النار قد انتشرت في الغابة ولم تعد نارا محدودة وبدأ الرعب يدب في قلوبهم واختلط صوت قرقعة النيران والأخشاب مع قرع بعيد كصوت الطبول.
قال بيجي: تلك هي ناركم الصغيرة.. كان ينبغي أن نبدأ أولا ببناء أكواخ على البلاج حيث الجو معتدل ليلاً ولكن ما إن قال رالف: النار، حتى انطلقتم في صراخ وعواء.. يجب أن نضع الأمور بالأولويات.. إننا لا ندري عن هؤلاء الأطفال شيئًا (وأشار للأولاد الأصغر سنا) هذه الحشرات الصغيرة..
فقال رالف: سبق أن طلبت منك أن تحصيهم. فقال بيجي: كيف أفعل ذلك وهم ينطلقون في كل مكان بمجرد أن تنطق بكلمة بل من الممكن أن يكون هناك أطفال بأسفل عند النيران الممتدة إلى الغابة ويكونون في خطر..
اتفق بعد ذلك على بناء أكواخ للمبيت. بنى رالف وسيمون كوخين للإيواء لكن الكوخين كانا في غاية من الضعف وقد يتداعيان سريعا وكان بقية الأولاد يلعبون على الشاطئ ويتلهون وبالجملة لم تكن ترجى منهم فائدة. وكان جاك وفريقه قد ذهب ليحاول أن يصيد صيدا لكنه عاد بعد فترة دون أن يفلح في ذلك. كان كل ما يريده جاك هو أن يصيد لحما بينما كان رالف يريد الإسراع في بناء الأكواخ.. كانا مختلفين تتنازعهما مشاعر متناقضة بين الحب والإعجاب، والكره والنفور، ولكن كانت السباحة والصياح والضحك واللعب في الماء أسبابًا كافية لعودة التقارب بينهما.
قال جاك إنه كان يشعر في أثناء تجواله في الجزيرة كأن أحدا يراقبه وأنه ليس وحده.
بعد فترة تميز الأولاد إلى صغار وكبار. كان الكبار أمثال رالف وجاك، والصغار من كانوا في سن السادسة وما حولها. وكان أمثال سيمون وروبرت وموريس يلحقون بالكبار أيضًا طالما ليسوا بهذا القدر من الصغر..
اعتاد الصغار على آلام المعدة والإسهال المزمن لأنهم كانوا يلتقطون الفاكهة الساقطة طوال الوقت ويتناولونها من كل نوع وبأي طريقة.. وكانوا يلعبون طوال الوقت ويبكون حنينا حين يتذكرون أمهاتهم، وأصبحت بشراتهم داكنة وعلت أجسامهم القذارة.
وكان بعض الأولاد يبنون على البلاج قلاعا صغيرة فيأتي الأولاد الأكبر سنا ويهدمونها بأرجلهم أو يتراشقون بالحجارة لكن كان الواحد منهم يعلم أنه لا ينبغي أن يصيب الآخر. كان هناك (تابو) يمنعهم من ذلك.. الحضارة القديمة التي خلفوها: حماية الوالدين، المدرسة ورجال الشرطة والقانون. كانت هذه الأشياء مازالت في الأذهان تمنعهم من أي فعل مؤذ.
فكر بيجي في عمل ساعة شمسية وأخبر رالف لكن رالف ابتسم ساخرا منه وقال: نعم ونصنع طائرة وتليفزيون. وظن بيجي أن هذه ابتسامة صداقة فتشجع لشرح وجهة نظره. كان من المتعارف عليه بين الأولاد الصغار أن بيجي لا ينتمي للأولاد الكبار ودخيل عليهم بسبب بدانته ونظارته وعدم مشاركته في العمل اليدوي وأفكاره الغريبة الواقعية. قال البعض يوما إنه رأى سفينة من بعيد لكن حين أرادوا إشعال النيران للفت نظرها كان الوقت قد فات وانطلق رالف سريعًا وهو يصرخ على شبح لا يراه: لا.. ارجعي إلينا عودي. وبينما رالف ومن معه في يأسهم رأوا موكبا من الأولاد وجاك يتقدمهم ومن ورائه التوءمان سام وإريك يحملان وتدا وقد تدلى عليه رأس مذبوح لصيد اصطاده جاك وفريقه وقد نزعوا أمعاءه وهم يرددون أنشودة..
اقتل الصيد.. واقطع حلقه.. وأرق دمه..
لقد اصطاد جاك أخيرًا الصيد الذي كان يريده وكان سعيدا للغاية بحيث لم يهتم بموضوع انطفاء النار الذي تسببوا هم فيه بذهابهم للصيد وتركهم القيام عليها. وحدث اضطراب بين الجميع لإحساسهم بتفويت فرصة إدراك السفينة. وصاح بيجي في جاك واتهمه بأنه هو المسئول فضربه جاك بيده فسقط وكسرت الضربة عينا زجاجية من نظارة بيجي فازداد غضبه وألمه لأنها كانت وسيلته الوحيدة للإبصار، لكن جاك في النهاية اعتذر عما حدث وعن التسبب في انطفاء النار.
أمر رالف بجمع الأخشاب مرة أخرى لإشعال النار وأخذ الجميع يجمع الخشب في حماس وسرعة واستخدموا العين الباقية من نظارة بيجي لإشعال النار في حين كان جاك يقطع لحم الصيد ويجهزه للشواء وأكل الجميع اللحم وأخذ جاك يذكرهم بأنه هو الذي أحضر لهم اللحم وأخذ يحكي كيف اصطاد صيده..
نفخ رالف في المحارة داعيا إلى اجتماع فحضر الجميع. تحدث رالف عن تنظيم العمل وإعداد الأكواخ جيدا حتى تقاوم المطر ونبه على أن الأولاد الصغار عليهم أن يتبرزوا بعيدا حتى لا تنتشر القاذورات في المكان الذي يقيمون فيه أو عند أشجار الفاكهة حيث طعامهم المتاح دوما، وأنهم لا بد أن يتعاونوا معا حتى لا تنطفئ النار التي أشعلوها فوق الجبل الصغير ومن أراد أن يطهو شيئًا فعليه أن يذهب إلى جوار النار حتى يطهو ما يريد. وأخيرًا قال رالف قبل أن يدع المحارة لمن يريد أن يتكلم: لا بد أن نقضي على موضوع الخوف الذي انتشر بين البعض خاصة الصغار فهذا الخوف يرتكز على أسس واهية.
وتناول جاك المحارة وتكلم موافقا وجهة نظر رالف وقال إنه طاف كل أرجاء الجزيرة ولا يوجد أي وحش أو حيوان مفترس. تناول بيجي المحارة وقال: لا ينبغي أن نخاف من الوحوش وإنما الخوف الممكن هنا هو الخوف من الناس..ولكن يمكننا أن نستمع لشكاوى الأطفال ونحاول إزالة خوفهم. وتقدم ولد صغير وحكى عن كابوس رآه في منامه وتقدم ولد أخر صغير يدعى برسيفال وبكى لما تذكر حياته السابقة وحنينه لبيته وبكى الأولاد الصغار لبكائه ولكن سيمون أخذ يقلد حركات الصيد ويلعب ويرفه عنهم ويضحكهم وكان برسيفال يقول: إن هناك وحش يخرج من الماء..!
وأخذ الجميع يتناقشون حول الوحش المزعوم وماذا يمكن أن يكون وهل يمكن أن يخرج من الماء أم لا.. وأدرك رالف أن هذه هي بداية التصدع في هذا المجتمع الصغير.
أخذ رالف ينهى عن الخوض في ذلك ونهر جاك الذي كان يتحدث عن الأشباح ونبه على ضرورة الالتزام بقوانين ونظام فغضب جاك وقال: تبا لك ولقوانينك إن كان هناك وحش فسنصطاده.. نحن أقوياء. وقفز هابطا فوق الرمال وعلا الضجيج وانفض الاجتماع. وبقي رالف وبيجي معا فقال رالف وهو حزين: ينبغي أن أتخلى عن الرئاسة فقال بيجي راجيا: لا تفعل لو أصبح جاك هو الرئيس لانطلق للصيد وأهمل النار ولظللنا هنا إلى الا بد. ظهر سيمون الذي لم يكن قد انصرف بعد وأيد كلام بيجي الذي زاد الأمر وضوحا فقال: إن جاك يكره رالف وينبغي لرالف ألا يتخلى عن الرئاسة وانصرفوا على ذلك.
في ظلام هذه الليلة هبط (باراشوت) حاملا هيكلا بشريا فوق الجبل واستقر هناك بلا حركة..!
في الصباح قام التوءمان سام وإريك برعاية النار حتى لا تنطفئ وأحضر أحدهما الأخشاب بينما ظل الآخر ينفخ في الخشب المحترق حتى عاد اللهب. كان على بعد ياردات قريبة ذلك الصوت الذي يشبه صوت الغطس في الماء وهو صوت الأقمشة التي تنفتح مع الامتلاء بالهواء. انطلق التوءمان مذعورين ليخبرا الجميع أنهم رأوا الوحش في الماء (وما كان إلا قماش الباراشوت) وسرى الخبر ومعه سرى الرعب في الجميع وانفجر بعض الأطفال الصغار باكين. وقام التوءمان بإيقاظ رالف وجاء جاك وكثر الكلام فيما ينبغي عمله وقال البعض ينبغي أن يظل أحدهم مع الصغار بينما يستكشف الآخرون الأمر واختاروا بيجي ليظل معهم فاعترض بيجي وقال: لا أستطيع وأنا أنظر بعين واحدة وربما تملكني الخوف. فقال جاك غاضبا: أنت دائما خائف وضعيف وكانت المحارة مع بيجي فقال لجاك: لا تتكلم أنت لا نمسك بالمحارة فقال جاك: لم نعد في حاجة إلى المحارة الكل يعلم الآن من الذي ينبغي أن يتكلم ومن لا يتكلم.
فغضب رالف من ذلك وقال لجاك: أنت لم تحصل على المحارة فليس لك الحق، اجلس.. لا يمكنك ان تقتفي أثر الوحش. فسكت جاك وشحب وجهه من شدة الغضب ولكن مر الموقف ولم يحدث صدام..
وسأل رالف جاك عن أماكن لم يذهبوا إليها فقال: إنه بقي مكان واحد.
قال رالف: سنتناول الطعام أولا ونذهب للبحث وسنأخذ معنا الرماح الخشبية ولما اقتربوا من المكان المنشود وكان لسانا صخريا يشبه قلعة صغيرة التفت رالف لجاك وقال صوت صادر منه لكنه لم يكن هو: أنا الزعيم سأذهب أنا ولا تجادلني.
كان فم رالف مزموما وشاحبا وأزاح شعره الذي كان يسقط على جبهته دوما وقال: حسنا إلى اللقاء. لكن جاك تبعه بعد قليل ولما وجده يتسلق الصخور وراءه لم يمنعه أو ينهره. وصلا لمكان يشبه كهفا صغيرا به بعض البيض الفاسد. قال جاك شاعرا بالانتصار والنشاط: ياله من مكان يصلح ليكون حصنا..
لم يكن هناك شيء لا وحش ولا شيء.. وتشجع كل الأطفال لما رأوا أنه لم يصبهما مكروه وأخذ الجميع يتعاون على إسقاط صخرة ضخمة من فوق الصخور وإيقاعها في الماء.
وصاح رالف وقد تملكه الحنين والشوق إلى موطنه: نريد دخانا وأنتم تدحرجون الصخور..!
عاد الجميع وتجهز جاك والصيادون للعودة للصيد والحصول على اللحم.
كان رالف يسرح متذكرا حياته ووالديه وبيته، وبينما هم يمشون ظهر صيد صغير يجري مهرولا فأطلق رالف رمحه الخشبي وأصابه في جنبه لكنه ظل يجري حتى فر هاربا.
لام البعض رالف على ذلك وجاء جاك وارتفع الصياح وأخذ روبرت يقلد الصيد وهو يهرب منهم وأخذ الأولاد يمثلون أنهم يضربونه ويؤدون حركات الإمساك بالصيد وبالغ رالف معهم فوخزه برمحه الخشبي فانقض الجميع وتحول الأمر إلى ما يشبه الصيد الحقيقي وأمسك البعض بذراعيه ورجليه وصاحوا: اقتلوه.. اقتلوه..!
وتحول روبرت إلى الصراخ الجنوني والمقاومة بكل ما أوتي من قوة وأمسكه جاك من شعره وأخذ يلوح بسكينه وتصاعدت النشوة وهم يرددون الأنشودة.. وبعد أن بلغت بهم النشوة والتعب مبلغا سقطوا على الأرض تاركين روبرت في بكائه المرتعب.
وصعد جاك وحده الجبل ورأى شيئًا منتفخا فهرع نازلا إلى أسفل حيث رالف وروجر وقاوم رالف خوفه وصعد ليرى ذلك الشيء الجالس واضعا خوذته بين رجليه وبقايا وجهه المحطم تنظر إليهم.
انطلق صوت غير خبير باستعمال المحارة داعيا لاجتماع كان جاك هو الذي دعا لذلك الاجتماع مع خيوط الفجر الأولى ومنذ بداية الكلام وضح أن جاك يريد الوقيعة بين رالف والأولاد ويريد خلع رالف من الرئاسة.
قال جاك: لقد رأينا الوحش ونحن قادرون على التصدي لأي شيء ولقد قال رالف عن الصيادين إنهم ليسوا شجعانا.. أنكر ذلك رالف فورا لكن جاك ظل يتحدث: إنه أصبح يتحدث مثل بيجي.. إنه لم يعد يصلح كزعيم..!!
تناقش الاثنان بغضب واتهم كل واحد منهما صاحبه بأشياء.. ورفع جاك سبابته وقال: من منكم يعتقد أن رالف لا ينبغي أن يكون رئيسا، من لا يريده يرفع يده.. لكن الكل كان قد تجمد، وكرر جاك مقولته، لكن أحدا لم يتحرك فرمى المحارة تحت قدمه وانصرف وهو يقاوم دموع الذل، ويقول: أنا لن أكون معكم ودخل الغابة وحيدا والدموع تنهمر من عينيه دون أن يدري..
تناول سيمون المحارة وتكلم لأول مرة وقال: ينبغي أن نفعل شيئًا.. أن نصعد الجبل..!
وترك الكلام بعده لبيجي الذي تحمس بعد غياب جاك وقال: سيقول لكم رالف إنه ينبغي أن نشعل النيران، فقال رالف: كيف وهذا الشيء يجلس فوق الجبل هناك..؟ فقال بيجي: نشعلها بالأسفل هنا ونطلق الدخان..
وفوق الرمال انطلق الأولاد يجمعون الأخشاب مرة أخرى ولأول مرة يقوم بيجي بإشعال النار باستعمال نظارته شخصيا.
بعد قليل تبين بيجي اختفاء بيل وروجر ولم يكن من الصعب أن يخمن أنهما ذهبا خلف جاك. وكان أفراد الجوقة قد لحقوا بجاك أيضًا الذي كان رئيسهم في الإنشاد يوما وقرر معهم أن ينسوا أمر الوحش وينشغلوا بالصيد.. وطاردوا في هذه الظهيرة قطيعا صغيرا وظفروا بصيد ذبحه جاك بسكينه باستمتاع، ولكنهم حين وصلوا للسؤال التالي: كيف يمكننا أن نشعل النار كانت الإجابة من جاك: سنغير عليهم ونحصل على النار.. هنري وأنت يا روجر وبيل وموريس سنحصل على النار منهم..
ووضع جاك رأس الصيد على الرمح وغرز الرمح في الأرض فكان الذباب يحوم حول الرأس القذرة وقالوا إنهم سيقدمونه هدية للوحش. كان مثل سيد الذباب بكل ما عليه من ذباب وقذارة.. بعد قليل وبينما رالف وبيجي يتناقشان عن أوضاعهم وخطر ما حدث على عيشهم في الجزيرة، إذا بأشكال شيطانية بوجوه مطلية تهجم عليهم فتفرق الأولاد وجرى بيجي واستعد رالف ليدافع عن نفسه. لم تكن هذه الوجوه المطلية إلا جاك وعصابته وقد جاءوا ليأخذوا أغصانا مشتعلة..
وصاح جاك في الجميع:
استمعوا إلى.. أنا والصيادون التابعون لي نعيش على البلاج عند صخرة كبيرة ونصيد ونأكل ونمرح إن أردتم الانضمام إلينا فلربما سمحت لكم بذلك.. وصاح اثنان معه: لقد تكلم الزعيم..!!
كان رالف قد تعرف على الأولاد الذين أغاروا عليهم وجلس ممسكا بالمحارة فنظر إليه بقية الأولاد وهو يمسك بهذا الرمز الذي له مكانة في النفوس ولم يساورهم شك في كفاءة رالف الذي قال: لا بد أن نحافظ على النار فهي مصدر قوتنا.
وكان سيمون قد مشى حتى وصل إلى الرأس المحاط بالذباب وأحس أن الرأس يكلمه ويأمره أن يكون معهم يلهو ويصيد.. أنا الوحش.. وبعد هنيهة سقط سيمون فاقد الوعي بينما الرعد يضرب فوق الجزيرة والريح تشتد.
استيقظ سيمون بعد فترة ليصعد الجبل ويجد ذلك الجسد المتحلل وقد أمسكت به السيور الجلدية وقماش الباراشوت وقد انتقل إليه الذباب هو الآخر..
كان قد مر على وجودهم في الجزيرة أيام طويلة لم يدر أحد عددها ولم ينشغل أحد بإحصائها اللهم إلا بيجي الذي لم يستمع إليه أحد.
كان غالب الأولاد قد انضم لجاك لحضور الحفل وأكل اللحم ولم يبق إلا رالف وبيجي يتحادثان. قال بيجي: ربما كان من الأنسب أن ننضم إليهم نحن أيضًا..
قال رالف: إنهم فقط يريدون أن يمرحوا ويطلوا وجوههم بالدهان..
كان صوت الحفل مسموعا لهما من بعيد، وحين وصلا لحافة الرصيف العشبي فما إن رآهم الأولاد حتى لاذوا بالصمت ونظر رالف إلى جاك وأحاط الأولاد برالف في عاصفة من الضحك فخف التوتر.
قال جاك: أعطوهما بعض اللحم.. كانت الوحشية بادية في نظرات جاك وعضلاته النافرة القوية. وبعد أن أكل الجميع قال جاك: لقد قدمت إليكم الطعام، وسيقوم الصيادون التابعون لي بحمايتكم من الوحش، فمن منكم سينضم إلى قبيلتي.
قام رالف وقال: أنا الرئيس لقد اخترتني رئيسا.. وكنا سنحرص على إشعال النار والأن أنت تجري وراء الصيد واللحم..
تبادلا حديثا متحديا وكرر جاك دعوته غير مبال بكلام رالف فقال بيجي لرالف: هيا بنا ننصرف. قصف الرعد وبدأت بعض قطرات تتناثر فقال رالف: سيهطل المطر بغزارة فأين أكواخكم؟ من هو الشخص الماهر الذكي الآن؟!
فقال جاك دون أن يلتفت لكلام رالف: هيا نرقص رقصة الصيد.. وبدأوا يمثلون تمثيلية الصيد وكونوا حلقة وأخذوا يتقافزون، وبدا وكأنهم يريدون شيئًا يغرسون فيه رماحهم ويمزقونه بأيديهم وأسنانهم وكان سيمون قد جاء ليخبرهم عما رأى ووجد نفسه فجأة داخل الحلقة وضاع صوته وسط صراخهم وأخذت الحلقة تضيق من حوله وبدأوا يطعنونه برماحهم وانقضوا عليه فحاول الهرب لكنهم تبعوه في جنون وأخذوا يخبطونه ويضربونه وينهشونه.. وفي ذلك الحين أوقعت الأمطار جثة الرجل صاحب الباراشوت من فوق الجبل وجرفها الماء بعيدا.. وبعد الضرب والطعن والنهش انقشع الأمر عن جثة سيمون التي التقطها البحر المفتوح فانسابت معه في خفة وسلاسة..!!
فزع رالف وبيجي وهربا مما حدث كان الأمر جريمة قتل وحشية اشترك فيها الجميع.. لم يبق مع رالف إلا بيجي والتوءمان سام وإريك. وقال رالف: لن نستطيع نحن الأربعة فقط أن نبقي النيران مشتعلة.
في الجانب الآخر كان جاك قد ربط أحد الأولاد ويدعى ولفريد بعد أن ضربه دون أن يدري أحد ما سبب ذلك. كان جاك راقدا عاري الصدر وحوله قبيلته المتوحشة في نصف دائرة، ذكر أحدهم ما حدث الليلة الماضية وقال: أنحن...؟! فقال بعضهم مستفظعا: لا...!
وعدهم جاك بالحصول على اللحم وإقامة وليمة كبيرة وقال: ولا بد أن نقدم هدية جديدة للوحش لقد ظهر مرة وربما يظهر ثانية، فقال أحد الأولاد: ومن أين سنحصل على النيران. فقال جاك: من الآخرين.
وكان رالف وبيجي يحاولان إشعال النيران وراح إريك ينفخ حتى تصاعد اللهب. شعر الأربعة بالإرهاق الشديد بعد جمع الأخشاب وإشعال النيران حتى إن إريك قال مرهقا: ماذا سيعود علينا من وراء النيران..؟
ومع دخول الليل أصبح الحفاظ على النار مشتعلة أمرا صعبا، فقرروا أن يتركوها ويعودوا لإشعالها في الصباح. رقد الجميع للنوم حتى الأولاد الصغار الذين بقوا في كوخهم معهم وأخذ رالف يحلم بالعودة. إذا أنقذوا من هذا المكان ماذا سيفعل وأين سيذهب..
أحس بيجي بأصوات خافتة خارج الكوخ، وفجأة ظهر العواء واللكم والضرب من هذه الكائنات الحية التي اخترقت الكوخ ودارت معركة وحشية تداعى على إثرها الكوخ وانهار وقاوم من بالكوخ مقاومة قوية حتى تراجع المهاجمون.
لكن المهاجمين كانوا قد حصلوا على بغيتهم التي جاءوا من أجلها: نظارة بيجي ذات العين الواحدة..!
اجتمع الأربعة معا وبعض الأطفال الصغار ليناقشوا هذا التطور الذي حدث بعد أن فقدوا أداة إشعال النار. في النهاية قرروا أن يذهبوا للأولاد الآخرين للتفاوض وجلب النظارة. وفي صمت انطلق الأربعة حاملين بعض الرماح الخشبية وكانوا يعلمون أنهم سيجدون الآخرين عند صخرة القلعة وكان بيجي يحمل المحارة وحين ظهر المتوحشون من بعيد فوق الصخور وهنا وهناك أخذ رالف المحارة ونفخ فيها وسط دهشة الجميع، وقال روجر: أنت معتوه ألا تدرك الموقف..
فقال رالف بصوت مرتفع: إنني أدعو لعقد اجتماع.. أين جاك؟
رد عليه روبرت: إنه يقوم بالصيد الآن، ونبهنا أن نمنعكم من دخول مكاننا. قال رالف: لقد جئت لبحث موضوع النيران ونظارة بيجي.
وجاء جاك ومن معه بوجوههم المطلية في ثقة وشراسة ورد علي رالف ردودا مؤذية، فقال رالف: لقد كنا على استعداد لإعطائكم النيران، ولكنك سرقت نظارة بيجي.. أنت لص..!! فتعاركا برمحيهما في غضب وشراسة، لكن بيجي نظر لرالف راجيا إياه أن يتوقف، فتوقف رالف لاهثا، وقال: استمعوا إلى.. لقد جئنا هنا لنقول لكم أولا ينبغي أن تعيدوا نظارة بيجي لأنه لا يبصر بدونها، ثم أنتم لا تتصرفون بطريقة مشرفة، ولا تلتزمون بالقواعد والقوانين.. وفيما يتعلق بالنار فقد قلت لكم مرارا: إن الأمل الوحيد أمامكم هو أن تظل النار مشتعلة باستمرار، ولكن ها أنتم تشعلون نارا لطعامكم وتهملون الأمل في إنقاذكم.
لم يلتفت جاك لكلام رالف وأمر أتباعه أن يمسكوا بالتوأمين ويربطوهما. انتفض رالف غاضبا وقال لجاك: أنت خنزير..متوحش.. دموي..!!
وتبادل رالف وجاك اللكمات في وحشية وغضب، ولكن بيجي أمسك بالمحارة وقال صارخا: أريد أن أتكلم..أيهما أفضل أن نكون مجموعة من الهمجيين مدهوني الأجساد أم تكونوا أناسا عاقلين مثل رالف..؟!
وكان روجر فوق الصخور ممسكا بعتلة مستعدا لإفلات صخرة كبيرة لتهوي وتؤذي من تقابله في طريقها..وتراجع جاك وقد تجمع حوله متوحشوه وكأنهم قد قرروا الهجوم. وسمع رالف الصخرة وقد أفلتها روجر في وحشية لتصيب بيجي وتقذفه بعيدا عند الصخور، ليُشج رأسُه قاذفا بعض ما بداخله، وجذب الماء جثته وهو يختلج اختلاجته الأخيرة ومعه تفتت المحارة - تلك الأيقونة الجميلة - إلى مئات القطع الصغيرة..!
وانطلقت الرماح من القبيلة باتجاه رالف، فأصابه أحدها، ولكنه انطلق مذعورا ليفر ويدخل إلى الغابة بين الأوراق والنباتات..!
أما التوءمان فقد تولى أمرهما روجر بوحشية وانضما للقبيلة قهرا.
مقاوما جروحه وخدوشه وآلامه ظل رالف مختبئا بين الأغصان، وبعد أن سار مسافة ليصل إلى مأمن أحس بالجوع الشديد فأخذ يأكل من الفواكه بلا تعقل حتى شبع وأحس بشيء ينظر إليه من خارج الأغصان فنظر فإذا هو رأس الصيد الذي تحول إلى جمجمة ترقبه كشخص مبتسم يملك كل الإجابات لكنه يرفض التكلم فضرب الجمجمة حتى وقعت على الأرض. وكان الليل قد أرخى عباءته ومن بعيد سمع إيقاع الأنشودة المعهودة الذي صار يلقي في قلبه الرعب.. اقتلوا الوحش.. اقطعوا رقبته.. اسفكوا دمه..!!
ولمح من بعيد إريك وسام وقد أمسكا برمحين وتوليا الحراسة، لقد أصبحا من القبيلة. دار في دورة وأتى إليهما من الخلف من فوق الصخور وهمس إليهما ليأتيا معه لكنهما قالا: انصرف يا رالف الجو خطر.. إنهم ينوون قتلك في الغد..!
قال: تستطيعان أن تأتيا معي فنكون ثلاثة. قالا: إن روجر وجاك دمويان ومثيران للرعب. أدرك أنه لا فائدة من الكلام وقبل أن يأتي أحد ليراه، قال محاولا الحصول على الفائدة الوحيدة الممكنة من هذا الحديث: سأذهب إلى مكان قريب إلى هذه الأدغال الموجودة هنالك، حاولا أن تبعدوهم عني..لن يخطر ببالهم أن يبحثوا في مكان قريب. وألقى إليه سام بقطعة من اللحم ثم قال قبل أن ينصرف: ولكن ماذا ينوون أن يفعلوا بي؟ وكانت الإجابة هي: إن روجر يعد رمحا قويا قد بري من الجانبين..!!
انصرف رالف وبحث عن مكان للنوم وأخذته سنة واستيقظ مع الصباح فزعا على صوت ولولة متوحشة تتجاوب معها ولولة أخرى من مكان آخر. وكان رالف قد اتخذ عصا مدببة كسلاح مرتجل فأمسك بها وشق طريقه نحو ذلك الدغل الكثيف. لكن خطة رالف افتضحت سريعا باستجواب أحد التوأمين وكان رالف قد اختبأ وراء الصخرة التي أوقعها روجر وقتلت بيجي ولم يبق إلا صخرة واحدة اختبأ خلفها وعض إصبعه حتى لا يصدر صوتا وانتظر لكنهم استخدموا الدخان حتى يخرجوه فانطلق ووجد أمامه ولدا من المتوحشين فطعنه برمحه واختبأ في مكمن آخر منتظرا وهو يفكر: هل يخترق دفاعاتهم أم يظل يفر أم يصعد فوق شجرة ويظل فوقها.. ولم يكن بيجي هناك حتى يعطيه آراءً سديدة وذهب وقار المحارة بذهابها، قال لنفسه: فكر في الأمر.. فكر. فقد كان يخشى أن ينطفئ ذهنه ويصير مغفلا مستسلمًا، وكان في هذه اللحظة قد قر قراره على خيار الاختباء.
لكنهم كانوا قد أشعلوا النيران في الغابة حتى يخرجه دخانها وظل يبحث عن المكان الأمثل للاختباء حتى عثر على ما ظن أنه كذلك. كانت هناك شجيرات ونباتات متسلقة على هيئة حصيرة على الأرض وتحتها فراغ بارتفاع قدم واحدة. استلقى ودخل تحت هذه النباتات التي تشبه الحصيرة وأرهف سمعه. كان يرى انعكاس ضوء الشمس على الأشياء من مكمنه، ولكن فجأة انطفأ ذلك بسحابة من الدخان هائلة.. وضع رالف خده على الأرض التي في لون الشيكولاتة ولعق شفتيه الجافتين وأغلق عينيه بينما كانت الولولات تنتقل هنا وهناك.. وارتفعت الصيحات فأدرك أن النيران تقترب..
الأغبياء! إن النيران تكاد تلتهم أشجار الفاكهة فماذا سيأكلون غدا.. الإنسان يخاطر من أجل شيء لا يستحق.. ترى ماذا سيفعلون.. يضربونه.. يقتلونه..؟ عصا مبرية من الطرفين..؟!
رأى قدمي ولد متوحش تقترب منه، لقد كان الولد على بعد خمس ياردات منه، لقد كشف مكانه، وقد انحنى لينظر وعيناه الآن في عيني رالف..!
انتفض رالف من بين النباتات ليركض بعيدا ومن ورائه كانت الولولات البشعة الهمجية المسعورة.. واندفع رالف متفاديا شجيرة انفجرت باللهب وتحولت إلى كتلة مشتعلة..
نسي رالف جروحه وجوعه وعطشه وتحول إلى كتلة من الخوف تجري بسرعة هائلة منطلقا نحو المنطقة المكشوفة عند البلاج لكنه تعثر في عنف ورفع يده مجتنبا ما سيأتيه من الضرب وحاول الصراخ طالبا الرحمة لكن كان الظل الواقف أمامه ليس ولدا ولا متوحشا، كان ضابطا بحريا يقف على الرمال وخلفه كان هناك زورق بخاري حكومي مسلح.. وتداعت الولولات وتلاشت تماما..
قال الضابط: مرحبا.. أيوجد أي أشخاص راشدين هنا معك..؟
وظهر بعض الأطفال الصغار.
قال الضابط: لقد شاهدنا الدخان الذي أطلقتموه. ماذا كنتم تفعلون أكنتم تشتبكون في قتال..؟ نظر الضابط لمجموعة الأولاد المدهونين بالطلاء وقال: من الرئيس هنا..؟ فأجاب رالف: أنا..!
قال الضابط: هل أصيب أحد ؟ قال رالف: نعم اثنان قتلا.. وكانت مجموعة من الأولاد بدأت تظهر.. قال الضابط: اثنان..؟! قال رالف: نعم سيمون و و..
وانخرط رالف في بكاء شديد وانخرط جميع الأولاد مثله في البكاء، وكان رالف يقف في وسط الأولاد بجسده المتسخ وشعره المتلبد..
كان يبكي بسبب انتهاء البراءة، وبسبب ظلام القلب، وبسبب سقوط الصديق الحكيم المخلص المثالي بيجي.. وتأثر الضابط ببكائهم فابتعد قليلا ليعطيهم الوقت ليستردوا رباطة جأشهم ووقف منتظرا السفينة الحربية التي كانت تلوح عند الشاطئ.