بقلم الأستاذ : حسن دخيل عباس الطائي
جامعة بابل / كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم اللغة العربية .
ولد فهمي عبد الرحمن المدرس في بغداد سنة 1873 في بيت علم وأدب فقد كان أبوه قاضيا شرعيا في إحدى محاكم بغداد درس علوم القرآن على يد أبيه ثم تتلمذ على علماء عصره الذين كانوا يدرسون في المساجد وأتقن إلى جانب العربية التركية والفرنسية الأمر الذي جعله ذا حظ ثقافي موفور شغل المدرس عدة وظائف منها مدير مطبعة الولاية التي أسسها الوالي مدحت باشا والإشراف على تحرير القسمين العربي والتركي في جريدة (الزوراء) وفي الوقت ذاته عهد إليه تدريس اللغات العربية والتركية والفارسية في المدرسة الإعدادية الملكية كما تولى الوعظ والإرشاد في جوامع بغداد ثم اختير عضوا في مجلس معارف بغداد وناظر مدرسة الصنائع .
نفي المدرس بسبب ميوله الوطنية ونزعته الإصلاحية إلى جزيرة (رودس) لكنه استطاع بذكائه ودهائه التقرب والتودد إلى الوالي وذلك بالتطوع لتدريس أبنائه فأحسن الظن به فعفا عنه فعاد إلى بغداد وشغل وظائفه السابقة وفي عام 1908 يسافر إلى الأستانة حيث يبدأ حياة جديدة ويلبس الزي الحديث وينخرط في سلك التعليم العالي إذ ينتخب أستاذا لأصول الكتابة في اللغتين العربية والتركية في كلية (الإلهيات) بجامعة الأستانة فأستاذ الآداب العربية في كلية الآداب وللغة العربية في كلية الألسنة ثم يصبح أستاذا للآداب العربية في جامعة الأستانة ويظل في التعليم العالي أثنى عشر عاما .
يترك المدرس الأستانة متوجها إلى الشام في عام 1920 بعد تسلمه خطابا من تلميذه فيصل بن الحسين يدعوه إلى الشام للإفادة من خبرته في شؤون التربية والتعليم في الحكومة الجديدة لكن الحكومة تسقط فيتوجه المدرس إلى أوربا حيث يمكث عاما ونصف عام متنقلا بين مدريد وباريس ترك المدرس مجموعة من المؤلفات باللغة العربية والتركية أهمها مقالاته التي صدرت في ثلاث أجزاء تناول فيها موضوعات سياسية واجتماعية ودينية وثقافية عامة كان ينشرها باسمه الصريح وبأسماء مستعارة منها الحارث والعراقي ويروى عن المدرس أنه كان شديد العناية بإعداد مقالاته إذ كان يقرأ موضوعات الساعة وآراء الصحافة ويستمع جيدا إلى مناقشات المجالس السياسية الخاصة بعد ذلك يشرع في كتابة المقالة مسودة ثم يبيضها ويعرضها على الأدباء والسياسيين فإذا رضوا عنها أخرجها إلى النور
ومقالات المدرس تمتاز بالثراء الفكري نتيجة لثقافته الواسعة بفضل إتقان عدد من اللغات ولانخراطه في النشاط السياسي والاجتماعي ورحلاته إلى عدد من الأقطار العربية والأوربية وجمعه بين الثقافة القديمة والحديثة كما تمتاز بالصدق لأنه لم يكتب إلا فيما يؤمن به وجاءت في أسلوب واضح سهل لا تعقيد فيه ولا تكلف ومن مزايا مقالات المدرس أناقة الألفاظ وتناسقها وانسجام تراكيبها واختيارها اختيارا موفقا كقوله ((تالله لقد سئمنا المعادات وذيولها والمقاولات وعقودها والمواعيد الخلابة والأساليب الانتدابية التي تجعلك تفكر وتنطق وتعمل نفسك فتقاوم وتكافح وتعادي وتطعن وتلعن نفسك وأنت لا تدري .....الاستعمار يريك الشيء ويرغمك على قبوله بالحديد والنار ..... والانتداب يريك الشيء بخلافه ويجعلك من تلقاء نفسك تدافع عنه دفاع المستميت معتقدا بأنه هو ..... فالاستعمار الصريح خير من الاستعمار المخلوع عليه خلعة الانتداب أو الاستقلال والعاقبة وإن كانت واحدة لأنك في دولة الاستعمار تموت أنت عارف بدائك ودوائك وفي دولة الانتداب تموت ميتة جاهلية بائسا وشقيا ولكنك معتقد بالسعادة والرفاه والأول يخلف غاندي والثاني يخلف ..... ولله في خلقه شؤون ... )) .1
وثمة ظاهرة تبدو بجلاء في مقالات المدرس وتتمثل في غلبة الاقتباس والتخمين عليها أي الاستشهاد بآيات القرآن الكريم وتزيين المقالة بأبيات من الشعر أو بالأمثال الشعبية ((أيها العرب الأمجاد إن العراق في هذه الساعة الرهيبة يخوض غمار معركة حاسمة أما الموت أو الحياة الحرة فجردوا سيوفكم وشدوا الوثاق تحت لواء الحق المغصوب والحرية المهانة والاستقلال المهضوم وأججوا نارا حامية تصلون بها طغيان الغرطسة والكبرياء والجبروت وبعزم قهار وإرادة جبارة وإيمان كامل واتكال على الله أحكم الحاكمين ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين))2