بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قد تعرض على المؤمن حالة رغبة واشتياق للعبادة فلا يقنع بالإتيان بالواجبات فقط ، بل لا يقنع بالبعض اليسير من المندوبات أيضاً ، فيرغب إلى الازدياد عنها كما وكيفاً ، وتسمى هذه الحالة « شِرّة » في الشرع وهي قد تنتهي إلى ترك بعض الملاذ للاشتغال بالعبادة ، بل إلى ترك بعض ما يجب عقلاً وشرعاً من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح ، وقد تعرض له حالة سأم وكسل عن العبادة بحيث يصعب عليه الإتيان بالفرائض فضلاً عن السنن ، فيقنع بالفرائض في الكم وينقص عنها أيضاً في الكيف ، وتسمى هذه « فتوراً » ، بل قد تغلب على الإنسان حالة يترك أغلب ما كان عاملاً به أو جميعه حتى الفرائض ولو مع بقاء الإيمان في الجملة ـ ونستعيذ بالله من الكسل والفشل والغفلة والغرة ـ وحيث أن كلتا الحالتين لا تخلوا عن الخطر في الدين بالنسبة لأصوله وفروعه فقد ورد عن أهل بيت-----------------------------------------------------------
الوحي عليهم السلام : التنبيه على الحالتين وكيفية حفظ النفس عن شرهما وتسويل الشيطان عند عروضها ، فبين فيها خطر الشرة بأنه قد يبتدع الإنسان في هذه الحالة من نفسه أعمالاً وأوراداً وينسبها إلى الشرع بعنوانها الخاص ، مع أن العبادات توقيفية لا يجوز لأحد الأقتراح فيها من نفسه ، فكل قول أو فعل ينسب إلى الشرع فلابد له من دليل معتبر من آية أو رواية معتبرة ، وإلا فيخرج عن الحق ، ويدخل تحت عنوان البدعة ، فيقع العامل في معصية البدعة عند طلب الطاعة. كما أنه في الفتور يترك بعض ما فرضه الله تعالى أو كلها ، وقد ينتهي إلى الكفر وهو خطر الفتور.
ففي النصوص الوارادة أنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ألا إن لكل عبادة شرة ، ثم تصير إلى فترة ، فمن كانت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن خالف سنتي فقد ضل أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي ، فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني (1) ، والشرة بالكسر فالتشديد : شدة الرغبة والميل. كما ورد : أن لهذا القرآن شرة ، ثم إن للناس فيه فترة ، وهذا إشارة إلى اختلاف الأزمنة في رغبة الناس وإقبالهم عليه كما في صدر الإسلام وآخر الزمان. وقوله : « إلى سنتي » أي : كانت وفق سنتي ومطابقة لها من غير خروج عن الطريق المستقيم.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : وأن هذا الدين متين ، فأوغلوا فيه برفق ، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك ، فإن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع (2) ، والمتين : صفة بمعنى : القوي الشديد ، من : متن يمتن من باب : نصر ، أي : اشتد وصلب وقوي. وقد يوصف به المركوب إذا صعب ركوب متنه ، والكلام هنا تشبيه به لمشقة القيام بشرائط الدين وأداء وظائفه. فأمر الإنسان أن يدخل أبوابه مترفقاً ويصعد مرقاه متدرجاً حتى
1 ـ الكافي : ج2 ، ص85 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص209.
2 ـ بحار الأنوار : ج71 ، 218.
يتمرن ويعتاد ، ولذا ورد : « عليكم هدياً قاصداً ، فإنه من يثابر هذا الدين يغلبه » (1). وانبت الرجل كاشتد : انقطع في سفره وهلكت راحلته ( وهذا مثال من أوقع نفسه فيما فوق وظيفته من العمل ).
وورد : أنه لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة (2).
وأن الله إذا أحب عبداً فعمل قليلاً جزاه بالقليل الكثير (3).
وأن الصادق عليه السلام قال : اجتهدت في العبادة وأنا شاب ، فقال لي أبي : يا بني : دون ما أراك تصنع ! فإن الله إذا أحب عبداً رضي عنه باليسير (4) ، ( والمراد بقوله : أحب أي : بصحة العقائد وترك المحرمات ).
وورد : أنه إقتصد في عبادتك وعليك بالأمر الدائم الذي تطيقه (5).
والدائم القليل على اليقين أفضل من الكثير على غير يقين (6).
وأحب الأعمال إلى الله مادام عليه العبد وإن قل (7).
وأن الاقتصاد في العمل هو الوسط بين الإفراط والتفريط فكأنه حسنة بين السيئتين (8) كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً ) (9) وقوله : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) (10) وقوله : ( والذين
--------------
1 ـ نفس المصدر السابق.
2 ـ الكافي : ج2 ، ص86 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص213.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص86 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص213.
4 ـ الكافي : ج2 ، ص87 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج47 ، ص55 وج71 ، ص213.
5 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص214.
6 ـ نفس المصدر السابق.
7 ـ الكافي : ج2 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص216.
8 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص216.
9 ـ الإسراء : 110.
10 ـ الإسراء : 29.
---------------------------------
إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) (1). فالطرفان في الجميع سيئة والوسط حسنة.
وأنه لا يرى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرّطاً (2).
وأن للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً ، فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها ، والقلب إذا أكره عمي (3).
وأنه إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها (4).
وأن الخير ثقيل على أهل الدنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة. وأن الشر خفيف عليهم كخفته في موازينهم يوم القيامة (5).
وأن قليلاً مدوماً عليه خير من كثير مملول منه (6).
1 ـ الفرقان : 67.
2 ـ نهج البلاغة : الحكمة 70 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص217.
3 ـ نهج البلاغة : الحكمة 193 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص217.
4 ـ نهج البلاغة : الحكمة 279 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص218.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص143 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص225.
6 ـ نهج البلاغة : الحكمة 444 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص218.