السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شـارع باريـسـي ذات يـوم ممطــر
للفنّان الفرنسي غوستـاف كايـّيـبـوت، 1877
في هذه اللوحة الجميلة يحاول غوستاف كاييبوت تصوير مزاج الناس في أحد أيّام باريس الممطرة، تماما كما كان يفعل معاصروه من كبار الفنّانين الانطباعيين مثل مونيه ورينوار وديغا وغيرهم.
اللوحة تظهر ساحة واسعة للمشاة، وفي مقدّمة المشهد إلى اليمين يظهر رجل وامرأة يرتديان ملابس عصرية وهما يمشيان على الرصيف وقد أمسك كلّ منهما بمظلة تقيه المطر المنهمر.
في العام 1851 قرّرت حكومة نابليون الثالث تحويل شوارع باريس القديمة والرثّة إلى منظومة متكاملة من الشوارع والطرقات الواسعة والحديثة.
ونتيجةً لاعمال التجديد والترميم تلك، تحوّلت باريس إلى عاصمة عالمية ومركز تجاري حيويّ. واللوحة تصوّر جانبا من جادّة سينت لازار التي نالت القسط الأوفر من عمليات التطوير وإعادة البناء.
وقد أنجز مانيه ولوتريك ومونيه بعض اشهر لوحاتهم الفنية في هذا المكان.
كاييبوت كان ينتمي إلى عائلة ثريّة كانت تمتلك هي الأخرى عقارات في هذه المنطقة وتعمل في تجارة الأقمشة والأراضي.
كان الفنان في الأساس مهندسا معماريا، غير أنه كان يعشق الرسم، وقد وظّف الدروس التي تلقّاها في الهندسة وطوّعها ليطبّقها على لوحاته.
البناء العام للوحة يعتمد على منظور رياضي، كما أن طابعها لا يخلو من بعض سمات الفنّ الأكاديمي.
ويبدو واضحا أن الفنان تعمّد تشويه حجم المباني وكذلك الأبعاد والمسافات التي تفصل في ما بينها بغية خلق فضاء أكثر رحابة كي يعكس التحديث الذي طرأ على المكان.
ُعرضت هذه اللوحة لاوّل مرّة في معرض الرسّامين الانطباعيين عام 1877، ونالت اهتماما وتقديرا كبيرين رغم ما قاله بعض النقاد آنذاك عن غرابة نظامها الهندسي وبعض تفاصيل بنائها العام.
كان الرسّامون الانطباعيون، ومنهم كاييبوت، يركّزون في أعمالهم على محاولة الإمساك باللحظة الراهنة في حركة الناس والغيم والمطر وغيرها من عناصر الطبيعة التي كانوا يهتمّون برسمها مثل الأنهار والأشجار والحدائق.
ورث كاييبوت عن والده ثروة ضخمة، وقد أنفق جزءا كبيرا منها على دعم أصدقائه من الفنّانين الانطباعيين حيث كان يشتري لوحاتهم بأسعار سخيّة ويتكفّل بالإنفاق على المعارض التي تبرز نتاجاتهم وأعمالهم الفنية.
قبيل وفاته عام 1894، أوصى كاييبوت بأن تنتقل مجموعته من الرسوم الانطباعية إلى ملكية الدولة على أن ُتعرض أولا في متحفي اللوكسمبور المخصّص لاعمال الفنّانين الأحياء وفي اللوفر.