Thursday 29 March 2012
ما يمكن أن تتعلمه الجامعة العربية من العراق
العراق يأمل أن تغير القمة صورته في العالم العربي
نحب جميعا أن نبدو بمظهر جيد عندما نستقبل ضيوفنا، وقد يقوم بعضنا بطلاء واجهات الحدائق وتزيين الأماكن المحيطة.لكن العراق ليس لديه الكثير ليتباهى به أمام ضيوفه في السنوات القليلة الماضية. ولذا فمن السهل أن نعذر حماس العراقيين وهم يرتبون الطرق المؤدية إلى مطار بغداد لاستقبال وفود القمة العربية التي تعقد في العراق لأول مرة منذ أكثر من عقدين.
والأهم من ذلك أن هذه القمة هي أول حدث كبير بهذا المستوى يعقد في البلاد منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويريد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يظهر للجميع أن بلاده يمكنها أن تقف الآن على المسرح العالمي بمفردها دون دعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
وسوف يصبح الشعب العراقي أكثر سعادة إذا استطاع أن يظهر للعالم أنه يستطيع الآن أن يواصل مسيرته ويعمل بمفرده.
لكن أحد العراقيين يسأل: "لماذا لا ينفقوا هذه الأموال على إصلاح مشاكل الكهرباء؟"
والحقيقة هي أنه بينما ستتكلف القمة مئات الملايين من الدولارات، فهذا لا يعد إلا نقطة في محيط مقارنة بمئات المليارات من الدولارات التي أنفقت خلال الأعوام التسعة الماضية من قبل الحكومتين العراقية والأمريكية في العراق.
ورغم كل هذه الأموال، لا تزال طرق وشوارع العاصمة بغداد سيئة، وتعاني المدينة من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، بالإضافة إلى شبكات مياه الشرب والصرف الصحي التي تعاني مشكلات كثيرة.
"لا توجد ديموقراطية"
وتقول شروق العبايجي ، الناشطة العراقية في مجال حقوق الإنسان، إن المشكلة بدأت بمجيء "كل جنرالات الجيش الأمريكي الذين أتوا إلى العراق ومعهم أموال تملأ حقائبهم، فقد كان الفساد موجودا قبل هذا، وكان من الممكن أن يعالجوه."
وتضيف: "وبدلا من ذلك، زادوا من فساد هذا النظام القائم، وأصبح الفساد الآن منتشر في كل مكان حولنا، حتى أصبح أسوأ من المافيا الإيطالية."
وكان حلم الأمريكيين الذين غزوا العراق في ذلك الوقت هو أن يصبح عراق ما بعد صدام نموذجا للديموقراطية تحتذي به بقية دول العالم العربي.
لكن بفضل الربيع العربي، تمكنت بعض شعوب المنطقة العربية بنفسها من التخلص من حكامها المستبدين، ويبدو أن الحكومات الجديدة في هذه الدول سيكون لها مستقبل أفضل من ذلك الذي تركته الولايات المتحدة خلفها في العراق.
ويقول عدنان حسين، رئيس تحرير صحيفة المدى بعد أن أمضى عدة ساعات في طريقه ليمر من خلال نقاط التفتيش التي أقامتها قوات الشرطة العراقية في قلب مدينة بغداد: " لا توجد ديموقراطية هنا، ومن الناحية النظرية، نحن لدينا حرية لأنه لا توجد لدينا قوانين تحد من الحريات، لكن من الناحية الواقعية، ليست لدينا حرية."
ويعد حسين واحدا من الصحفيين العراقيين الذين يتحلون بالشجاعة والذين يحاولون أن يسلطوا الأضواء على فساد المؤسسات التي تركها الإحتلال الأمريكي خلفه.
وقد كان ذلك سببا في تلقيه تهديدات بالقتل والتخويف من جميع الأطراف.
ويضيف حسين: "كل شهر تقريبا يُقتل صحفي هنا، وكل أسبوع يعذب صحفي آخر."
المسؤولون العراقيون يسعون لمنع وقوع هجمات اثناء اجتماعات القمة
ومع هذا فقد تحسنت الأمور بعد سنوات من الفوضى، ولكن هذا التحسن يقاس في العراق بمعايير مختلفة.
فيقول أحد الزملاء العراقيين: "لا يزال اختطاف الأطفال مستمرا، لكنه أصبح الآن من أجل المال فقط."
وإذا دفعت الفدية يمكنك أن تستعيد طفلك حيا، وهذا مقارنة بسنوات مضت حينما كان الناس يدفعون فقط لاستلام جثث أطفالهم، وأحيانا يدفعون ولا يحصلون على شيء.
معركة فرض النفوذ
ومنذ تسع سنوات مضت وفي مثل هذا الأسبوع، كنت من بين عدد قليل من الصحفيين الذين بقوا في العراق ليشهدوا اقتحام القوات الأمريكية لبغداد.
وقد بالغت القوات الغازية في تقدير حجم الانقسام الطائفي الذي كان موجودا في المجتمع العراقي قبل الحرب. ومن ثم بنت هذه القوات المؤسسات السياسية العراقية وفقا لهذا التقدير.
ويعيش العراقيون اليوم مع هذا الإرث الذي تركته هذه القوات بعد انسحابها.
ويقول نبيل يونس ، رئيس قسم الدراسات الدولية بجامعة بغداد:" العراق لديه ثقافات وديانات مختلفة، لكن العراقيين لا يفكرون بشكل طائفي. وقد جلب مجلس الحكم العراقي الذي أسسه الأمريكيون هذه الطائفية إلى العراق، ثم استغلها السياسيون ورجال الجيش."
وبقدر ما يريد العراقيون لهذه القمة أن تكون رمزا لعراق جديد، فإن أجندة هذه القمة ستركز بشكل كبير على الأوضاع في سوريا.
وسوريا دولة يحكمها حزب البعث الآن، كما كان يحكم حزب البعث العراق قبل الحرب، ويضم المجتمع السوري طوائف وديانات مختلفة كذلك.
وقد كان الحكم الديكتاتوري في المجتمعين العراقي والسوري يقابل التوترات الداخلية بالقمع لعدة عقود، وقام النظام الحاكم فيهما بقتل الآلاف من أبناء شعبه بوحشية لا يمكن تخيلها، فهل يبدو ذلك مألوفا؟
وأصبح عراق ما بعد صدام أرضا للمعركة من أجل فرض النفوذ بين كل من الخليج المسلم السني والغرب من جانب، وإيران المسلمة الشيعية من جانب آخر. وقد فازت إيران في النهاية.
ويحاول الغرب ودول الخليج إعادة التوازن في المنطقة من خلال سوريا.
ولذا، فربما أهم الدروس التي يمكن أن تتعلمها الوفود العربية، وكذلك مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان، من زيارة بغداد هذا الأسبوع هو التذكير بالطريقة التي لا ينبغي أن يتم التعامل بها مع سوريا ما بعد بشار الأسد.
من تقارير BBC