محمود تيمور.. أزماته صنعت أفضل كتاباته
محمود تيمور
ظللت القصص التي كتبها الكاتب والأديب المعروف محمود تيمور على القارئ العربي المعاصر كشجرة مثمرة وارفة الظلال، ومنحته فكرًا و رؤية وحكايات لا تنقطع.
تأثر الكاتب المسرحي والروائي والكاتب القصصي المصري محمود تيمور، بالأدب الروسي وخاصة أدب تشيكوف، واتسمت كتاباته بالواقعية والأصالة الشعبية، إذ نقلت معظم أعماله القصصية أجواء أحياء مصر بكل واقعية، وأبرزت أوجه اختلافها ورسمته في صور واضحة مكنت القارئ من الاطلاع بعمق على هذه الفضاءات.
كانت أعمال تيمور تمُسّ بوضوح مجتمع الطبقة الوسطى التي تعايش معها عن كثب وبشكل يومي، وتناول من خلالها تفاعلات الحياة المعاصرة وما تتضمنه من صراع بين القديم والجديد وتسخير القوي للضعيف.
ولد تيمور في القاهرة عام 1894 في أسرة اشتهرت بالأدب؛ وعُرف والده أحمد تيمور باشا باهتماماته الواسعة بالتراث العربي، وخلف مكتبة عظيمة وهي "التيمورية"، التي تعد ذخيرة للباحثين إلى الآن بدار الكتب المصرية.
كما أن عمته هي الشاعرة الرائدة عائشة التيمورية صاحبة ديوان "حلية الطراز"، وشقيقه محمد تيمور صاحب أول قصة قصيرة في الأدب العربي.
ونشأ تيمور في أسرة عريقة على قدر كبير من الجاه والعلم والثراء، تقطن "درب سعادة" وهو حي يتميز بأصالته الشعبية؛ فهو يجمع أشتاتًا من الطوائف والفئات التي تشمل الصناع والتجار وأرباب الحرف من كل فن ولون.
وتَشربَّت نفس تيمور وروحه تلك الأجواء الشعبية منذ نعومة أظفاره، واختزنت ذاكرتُه العديدَ من صور الحياة الشعبية والشخصيات الحية التي وقعت عيناه عليها، وأعاد رسمها وعبر عنها في الكثير من أعماله القصصية.
وتعلم تيمور بالمدارس المصرية الابتدائية والثانوية الملكية، والتحق بمدرسة الزراعة العليا، ولكن حدثت نقطة تحول خطيرة في حياته وهو لم يتجاوز العشرين من عمره بعد؛ فقد أصيب بمرض التيفود، واشتدت وطأة المرض عليه؛ فانقطع عن دراسته الزراعية، ولزم الفراش 3 أشهر، قضاها في القراءة والتأمل والتفكير، وسافر إلى الخارج للاستشفاء بسويسرا، ووجد في نفسه ميلًا شديدًا إلى الأدب؛ فألزم نفسه بالقراءة والاطلاع.
وهناك أتيحت له دراسة عالية في الآداب الأوربية؛ فدرس الأدب الفرنسي والأدب الروسي، إلى جانب سعة اطلاعه على الأدب العربي.
وعاد إلى مصر محملًا بشتى الآراء الجديدة التي يقول عنها محمود تيمور في كتاب "شفاء الروح": "كانت الآراء الجديدة أستقبلها بعاطفتين لا تخلوان من تفاوت: عاطفة الحذر، وعاطفة الإعجاب، هذه الآراء كانت وليدة نزعة قوامها جحود القديم، ولكن جدتها أخذت تهدأ على توالي الأيام، ومن ثم اتخذت طريقها الطبيعي في التطور، والأمر الذي كان يشغل فكر أخي محمد ويرغب في تحقيقه هو إنشاء أدب مصري مبتكر، يستملي من وحيه دخيلة نفوسنا، وصميم بيئتنا".
وكان شقيقه محمد صاحب أول قصة قصيرة في الأدب العربي، خير مرشد له بما يسديه، وبما لديه من ثقافة واسعة، وموهبة أدبية رفيعة.
وتأثر محمود تيمور بأخيه في اتجاهه نحو المذهب الواقعي في الكتابة القصصية، ولكن تُوفِّي أخوه محمد وهو في ريعان الصبا والشباب؛ فشعر محمود بانهيار آماله، وفقد حماسه، وأصابه اليأس، وانزوى حزينًا مستسلمًا للأسى والإحباط.
وبمرور الأيام بدأ يقبل من جديد على الحياة، وراح ينفض عن نفسه الفشل والإحباط، واعتمد على نفسه مهتديًا بهُدى شقيقه الراحل، ومترسمًا خطاه في عالم الأدب والإبداع، وأقبل على الكتابة بنشاط.
كان تيمور مغرمًا بالأدب واللغة والبحث والاطلاع، محبًا للكتابة والتأليف، وله شغف خاص بالمنفلوطي الذي غرس فيه نزعته الرومانسية، كما تأثر بعدد من الشعراء، خاصة شعراء المهجر، وعلى رأسهم جبران خليل جبران، الذي كان لكتابه "الأجنحة المتكسرة" بنزعته الرومانسية الرمزية تأثير خاص في وجدانه.
اختطف الموت ولده وهو ما زال في العشرين من عمره؛ وتركت تلك المأساة في نفسه مرارة لا تنتهي، وحزنًا لا ينقضي، فوجد أن ملاذه الوحيد وسلواه في كل تلك المحن والأحداث هو الكتابة، يَهرع إليها ليخفف أحزانه، ويضمد جراحه، ويتناسى آلامه، وانعكس ذلك في غزارة إنتاجه وكثرة مؤلفاته.
وحظى تيمور بحفاوة وتقدير الأدباء والنقاد، ونال اهتمام وتقدير المحافل الأدبية ونوادي الأدب والجامعات المختلفة في مصر والوطن العربي، كما اهتمت به جامعات أوروبا وأمريكا، وأقبل على أدبه الأدباء والدارسون في مصر والعالم.
كما نال إنتاجه القصصي جائزة مجمع اللغة العربية بمصر، وحصل على جائزة الدولة للآداب، وجائزة "واصف غالي" بباريس، ومُنِح جائزة الدولة التقديرية في الأدب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ورحل محمود تيمور عن عالمنا عام 1973 تاركًا وراءه تراثًا أدبيًا قيمًا.