كشفت حادثة مدينة الفلوجة بتاريخ 31/مارس/2004 التمثيل بجثث أربعة من المرتزقة الأمريكيين والذين يعملون في شركات الأمن الخاص في العراق وليس كما أشيع في وقتها بأنهم من المقاولين والذين جاءوا لغرض إعادة النهب المنظم ( عفوا الإعمار ) وسحلهم من قبل الصبية وأطفال المدينة, وأظهرت هذه الحادثة الوجه الحقيقي لبعض من يسمون أنفسهم بالمثقفين العراقيين المنبطحين للمحتل من خلال المنشورات التي كتبوها محاولة منهم لتبرير جرائم المحتل ضد الشعب العراقي، رغم أن جميع العراقيين قد استنكروا هذه الفعلة وخصوصا أهالي الفلوجة وهذا ما عبروا عنه صراحة من خلال تصريحاتهم أو خطبهم في المساجد. يقول الكاتب وليد الزبيدي في معرض تعليقه على هذه الحادثة (( بوضوح شديد، لابد من التوقف عند قضية إصرار الصبية العراقيين، على التعبير عن حقدهم وكراهيتهم للسياسة الأميركية بالطريقة، التي شاهدناها، ونقول إن مخطط احتلال العراق، أعتمد بالأساس على إنهاك العراقيين من الأجيال السابقة، من خلال الحروب والحصار القاسي، الذي عاشه العراقيون، وهذا الإنهاك، حسب القناعات الأميركية كفيل بقتل الحماسة الوطنية، وتحويل الفعل الإنساني في دواخلهم، إلى الاتجاه السلبي، الذي يقود إلى قبول الاحتلال، وتأكدت الإدارة الأميركية من فشلها على هذا الصعيد، عندما أعلنت مصادرها، أن المعتقلين بشبهة مقاومة الأميركيين، تتراوح أعمارهم بين الـ (13) والـ(99) عاماً. إن الصبية العراقيين، الذين تعاملوا مع جثث الأمريكيين بالطريقة، التي شاهدها العالم، هم جيل الحصار، كما أنهم فتحوا أعينهم على مسألتين رئيسيتين هما، الحاجة والعوز، الذي يصل حد الجوع، والثانية عاشوا تحت وابل هائل من الدعاية الأميركية، التي استهدفت جميع العراقيين، ويفترض أن الظروف التي كان يعيشها العراق، تجعل من هذا الجيل الأرضية الرخوة، لتقبل الطروحات الأميركية، لكن التدقيق بما حصل، وعلى أيدي هؤلاء الصبية، يكشف الكثير من المسائل، وفي مقدمتها، صلابة العراقيين، ورفضهم للوسائل والأساليب الأميركية، رغم الإمكانات الهائلة المستخدمة على هذا الصعيد)).
وطالبت أيضا منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيو مان رايتس ووتش) بإجراء تحقيق فوري في الأعمال التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكية في مدينة الفلوجة المحاصرة في العراق وقالت هنية المفتي كبيرة الباحثين في المنظمة التي يوجد مقرها في نيويورك، إن الحملة التي شنها الجيش الأمريكي على المدينة منذ حصارها تثير قلق استخدام القوة المفرطة وأضافت هناك ما شهدناه من لقطات مصورة وما سمعناه وقرأناه في الصحف عما جرى في المدينة ما يكفي لكي يستدعي إجراء تحقيق جاد ونحن قلقون للغاية من ما نتلقاه من تقارير منسقة عن قتل المدنيين من النساء والأطفال ومدنيين عزل. وهذا ما أكده أيضا مدير مستشفى الفلوجة حيث وصل عدد الضحايا من سكان المدينة إلى أكثر من 600 عراقي وإصابة نحو 1200 من المدنيين معظمهم جروحهم خطيرة خلال الهجوم الأمريكي وكذلك استخدام القنابل العنقودية على البيوت والسكان العزل وهي المحرمة دوليا لما تسببه من أذى بالغ على حياتهم وإطلاق جنود الاحتلال النار بصورة عشوائية دون تحديد الهدف من المدنيين أو المقاومين، فكل من تواجد في هذه المدينة من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى أهداف مشروعة لهم هذا هو التفكير الحقيقي لهم وخصوص عمليات القنص المنظمة.
وبالطبع صمت كتاتيب قمامة المحتل عن هذه الجرائم بحق أبناء بلدهم المنتسبون له زورا ولم نسمع منهم ولو حتى تصريح يستنكر مثل هذه الأفعال مثلما سمعنا زعيقهم للتمثيل بجثث المرتزقة وأصروا بأنهم مقاولين وليسوا مرتزقة ومطلوبين للعدالة وحقوق الإنسان علما أن رواتب هؤلاء أصبحت تلتهم موازنة إعادة الإعمار والتي وصلت سعر ساعة الأجرة الواحدة لهم إلى 1000دولار أمريكي ناهيك عن الخدمات الأخرى التي توفرها شركات الأمن الخاصة العاملة في العراق من تهريب بعض المقتنيات الأثرية التي يستولون عليها من خلال عملهم داخل العراق ...
ولكن يبقى سؤال هو: من هم هؤلاء المرتزقة الموجودون في العراق، وما حقيقة دورهم هناك؟ ولماذا يخاطرون بأنفسهم في منطقة حرب حقيقية فعلا؟.
إن جميع العاملين الآن في المجال الأمني للعراق مطلوبين بجرائم ضد الإنسانية وانتهاك لحقوق الإنسان لقيامهم وارتباطهم الوثيق بالتعذيب والتصفية الجسدية للمعارضين لحكومة
بلدانهم في السابق وهم من العسكريين المحترفين الذين لا يعرفون لغة سوى لغة الدم والدمار والتصفية الجسدية، وهنا نورد بعض ما كتبه الصحفي وليم أولتمان عن حقيقة هؤلاء (( ينتمي الأربعة الأمريكيون الذين قتلوا في مدينة الفلوجة وعلقوا على أحد جسورها إلى أقذر فصيلة من فصائل البشر تعيش في عالمنا، فلم يكن هؤلاء بـ "مقاولين" جاءوا لإعمار العراق, كما يراد للعالم أن يصدق, بل إنهم مرتزقة بوش وقتلته المأجورين, ويوجد اليوم ما يقارب 15000 ألف عنصر من هؤلاء المتوحشين في العراق، وغالبية هؤلاء (soldiers of fortune ) - والكلمة تعبر عن نفسها - من سقط المتاع الفاشلين في حياتهم, ومن خدم ذات يوم في سلك الجيش وراق له طعم القتل فاستساغه. الفرنسيون شكلوا وحدة من هؤلاء اسمها الفيلق الأجنبي الفرنسي. ومن جنوب أفريقيا على سبيل المثال يتم تأجير عناصر مجرمة "بكل بمعنى الكلمة" من بقايا النظام العنصري عن طريق شركات خاصة وإرسالهم إلى العراق لإعادة الأمن والاستقرار هناك! وخلال وجودي في كيب تاون قبل فترة قصيرة شاهدت بنفسي إعلانات في الصحافة لهذه الشركات)). ولم ينفجر العراقيون بانتفاضة شاملة هكذا بالصدفة, إنهم يعرفون أن الأمريكيين والبريطانيين ودول غربية أخرى أرسلوا مرتزقة وقتلة بالإيجار إلى بلادهم بغرض إدارتها, لأن القوانين الدولية واتفاقية جنيف للحروب لا تنطبق على هؤلاء وليس هناك ما يعرقل تصرفاتهم.
ومجلة الايكنوميست البريطانية نشرت مقالا بعنوان "شجرة بغداد" وتومئ المجلة بهذا العنوان إلى ازدهار سوق العمل التي تشرف عليها الشركات الخاصة المشرفة على تجنيد المرتزقة للعمل في العراق . وذكرت المجلة في عدد "27 مارس 2004" بأن عراقيين غاضبين هاجموا بالحجارة ستة من هؤلاء المرتزقة القادمين من جزر الفيجي في مدينة البصرة والذين يعملون في لحساب شركة Global Risk Strategies التي تتخذ من لندن مقرا لها ومن هناك تبعث بهؤلاء السفلة إلى العراق. وأضافت المجلة تقول بأن الشركات العسكرية الخاصة Private military companies (PMC’s) تحتل الآن المرتبة الثالثة في خانة المساهمين الكبار في دعم الجهود العسكرية الأمريكية والبريطانية في العراق. شركات تجنيد المرتزقة في بريطانيا حققت أرباحا إضافية تقدر ب 320 مليون جنيه بسبب زيادة الطلبات عليهم للعمل في العراق . وكما يقول المثل " مصائب قوم عند قوم فوائد" و نحن نقول هنيئا مريئا لبوش وبلير الذين يقفان على رأس هذه العصابة.
وقد تحولت بغداد إلى عاصمة عالمية لشركات الأمن الخاص تنتشر فيها أعضاء الفرق الأجنبية المرتزقة من الميليشيا الصربية المسمى ( النسور البيضاء ) والتي كان لهم دور واضح في عمليات الإبادة الجماعية ضد مسلمين البوسنة والهرسك ورجال الشرطة من جنوب أفريقا من عهد الفصل العنصري ( كو فوت ) ضد النشطين السود من حركات التحرر ومن شرطة مكافحة الشغب في ساو بالو... وتفيد المعلومات المتطابقة أن شركات الأمن التي تنشر حوالي عشرة آلاف رجل هي المساهم الثاني في قوات الاحتلال بعد القوات الأمريكية وتتقدم على القوات البريطانية، ويقول أحد هؤلاء المرتزقة في حديث له ( إن هذا منجم للذهب وللحصول على الأموال بطرق مختلفة )، ويقول أحد المرتزقة الصرب وكان من القناصة المحترفين في الجيش الصربي عن الأجور التي يتلقاه ( يمكن أن يبلغ للرجال المحنكين 15000 ألف دولار يوميا وأحب هذا العمل، وبالأجر الذي أحصل عليه يمكنني الانسحاب بعد ست سنوات لفتح حانة خاصة لي) ويضع هذا المرتزق شارة تقدمها قوات الاحتلال الأمريكية وتمنحه رتبة كولونيل وتسمح له بالدخول معظم القواعد العسكرية. وبعد انتهاء عمله يصعد هذا الجندي المرتزق سيارة البورش الجديدة التي يملكها ويتجول في شوارع بغداد.
ونشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالا عن عمل هذه الشركات الأمنية ودورها في العراق، وخاصة دور شركة ( بلاكووتر سيكيوتري كونسلنتج ) في عملية استعادة مقر قوات الاحتلال في محافظة النجف بعد أن سيطرت عليه مجموعة من جيش المهدي لغرض إنقاذ من حوصروا من جنود المارينز الأمريكيين وسط إطلاق نار مكثف لإجلاء جنود الاحتلال، ويبين دور هؤلاء المرتزقة في القتال كحراس شخصيين وحقائق عملهم في منطقة حرب نشطة. وقد ذكر الناطق الرسمي باسم الشركة أن لديها عقودا لتوفير الأمن لسلطة الاحتلال لكنها سوف لن تكشف عن أية معلومات بشأن الدور الذي لعبته في صدامات النجف مؤخرا وأشار الناطق الرسمي لوزارة الدفاع إلى أنه لا توجد تقارير عسكرية واضحة حول الساعات الأولى للحصار الذي فرض على مقر قيادة الاحتلال في النجف ... وجاء في المقال أيضا أن المرتزقة الأربعة الذين قتلوا ومثل بجثثهم كانوا من شركة بلاكووتر وكانوا يعملون في منطقة المثلث السني في ظل ظروف محفوفة بالمخاطر الجدية ومناطق حرب حقيقية. هذه هي حقيقة هؤلاء المرتزقة الذين يعملون في العراق من خلال شركات الأمن الخاص العالمية والتي تقدم خبراتها في عمليات القتل والدمار إلى الذي يدفع أكثر والتي لا تلتزم بأبسط التعاليم الإنسانية من حماية المدنيين، خاصة وأن عملها قائم على التصفية الجسدية والتعذيب وانتزاع الاعترافات وغيرها من الجرائم.