كتب واصف شنون : في حمى البلاغات والتقارير المرفوعة والمرسلة الى إدارة فيس بوك (العربي) التي منعت الكثير من الناشطين والمثقفين والكتاب العراقيين والعرب من الإستمرار في نشر منشوراتهم أو التعليق عليها أو وضع علامة إعجاب أو التواصل الداخلي ، فقد وجد المواطن العراقي والعربي أنه عاجز أمام التكنلوجيا ايضا وليس أمام السلطات فقط التي تكبله من كل اتجاه .
فبعد الإنتشار الواسع والسريع لشبكة التواصل الإجتماعي ( فيسبوك ) في المجتمع العراقي ، برزت ظواهر الفصل العشائري والتهديد بالأغتيال وتناقل المعلومات ، وهذا يدل على أهمية (فيسبوك ) لدى ملايين من العراقيين وخاصة غير المتعلمين ، لكن الأخطر أن المتعلمين يستخدمون قوانين الفيس بوك في منع الحريات والتعبير عن الرأي ونشر الصور ، وقد نسوا ان كل صفحة في الفيس بوك هي عبارة عن رأي وتعبير لايمكن منعه ، مما أصبح واضحا أن تحديا قائماً بين اصحاب الحريات من العراقيين والعرب وبين من يصادرها ليس على الأرض بل في فيس بوك ايضا.
فقد كتب الشاعر اللبناني الطبيعي وديع سعادة في ذلك مؤكداً "ولدنا أحراراً ونموت أحراراً، ونقف ضد كل من يريد أن يسلبنا الحرية ويجعلنا عبيداً. وُلد الفيسبوك من أجل هذه الحرية، ولا نريده أن يتبع أنظمة العبودية، وهو بالتأكيد يرفض أن يتبعها." بينما كتب الشاعر العراقي عبد الزهرة زكي تعليقا قال فيه " كل منع او تحريض على منع هو تعبير عن فشل في القدرة على فهم الآخر واحترام الحرية وهو تعبير عن اخفاق القناعات الشخصية في تقديم نفسها بتعايش وتفاعل مع القناعات الاخرى.. التحريض على المنع تعبير عن خوف."
ومن جهته كتب الشاعر حميد قاسم مؤكدا " انها ثقافة كتابة التقارير ، فيما استغرقت الكاتبة التونسية سيدة بن علي بسبب ما لحق بها من ذلك في ادانة هذه التصرفات المقيدة للحريات في مقالٍ لها: "الرّقيب ...ارث من الاستبداد عانى منه الانسان العربي منذ ولادته فالقمع يبدا من داخل الاسرة والعائلة الممتدة التي جعلته ينشأ على الخوف والمبالغة في تجنب الخطأ والجرأة في ابداء الرأي حتى بات التملق والمراوغة صفة محمودة ودليل على صلاح الاخلاق والراي...الرقابة سيف مسلط على العقول الرقاب جعل الانسان يعيش في رعب دائم من محاولة التصالح مع ذاته والافصاح عما يخفيه ويرغب في قوله وما المثقف الا ضحية من ضحايا هذا الارث الاستبدادي العريق ....الرقابة على عقول صالت وجالت ومارست الوصاية كما يحلو لها طيلة قرون ومازالت والانسان العربي بصفة عامة والمثقف بصفة خاصة اوكسيجينه كان دوما هو الحذر والخوف فمن اين يأتي الابداع والمبدعون ?! في ظل هذا الارث المتراكم من الاستبداد وهذا الجو المفعم بالرعب اصبح بامكان الرقابة ان تتخلى عن فجورها ومباشرتها لتترك المجال الى رقابة ذاتية اعنف واشد حيث نجحت السلط بانواعها في تحويل الرقابة التقليدية الى رقابة ذاتية يمارسها المثقف دون تدخل مباشر من الرقيب وهو ما قتل مكامن الابداع فيه وشل قدرته على الفعل والتغيير ولم يبق منه الا جثة مترمدة لاتجرؤ على خوض غمار الافكار والنصوص العارية المباشرة الفاعلة واغلب مثقفينا الى اليوم نجدهم يلجؤون الى الالفاظ المبهمة التي تضمن لهم الامان والسلام ويسرفون في استعمال لغة التقية والمواربة ومنهم من كان ومازال يلجأ الى الاسماء المستعارة كي يقول ما لديه ... سذاجتنا صورت لنا ان الثورات العربية فتحت باب الخلاص من غول الرقابة خاصة بعد ان اصبح بامكان كل مثقف ان يعبر عن رايه دون الخوف من مصادرة انتاجه او ادانته وما يتبع الادانة من عقوبات مادية ومعنوية ...اعتقدنا ذلك خاصة بعد التطور الذي عرفه العالم عبر الشبكة العنكبوتية وثورتها المعلوماتية لكن هيهات هيهات فالرقابة لم تفقد سطوتها حتى بعد هذا التطور وهذه الثورة الاعلامية الكبرى بل ربما المثقف اصبح حاله كحال المستجير من الرمضاء بالنار... انه زمن سطوع نجم الدّواعش ودواعش الامس ليسوا هم دواعش اليوم.... دواعش الامس كانوا يلوذون بالكهوف والجبال ويعيشون قطيعة مع العالم الخارجي ويخضعون الى حالة من العزلة التي تفرض عليهم كي يضمنو ولاءهم لما يقع تلقينهم له اما دواعش اليوم فهم دواعش حداثيون يلبسون النايك والاديداس ....يتقنون استعمال الكمبيوتر ويخترقون العالم وهم في مخابئهم ...في هذا الجو يعيش مثقف اليوم فالرقابة الاصيلة التي ألفها من وراءه ورقابة الدواعش من أمامه ....الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي على اشدها ايضا بل ان التهمة اصبحت اسرع في الانتشار وما يليها من اجراءات ضد صاحبها اسرع مما كانت عليه من قبل فكم من صرخة نسمعها بين الحين والاخر يطلقها الكثير من المثقفين الذين في احسن الاحوال تتعرض صفحاتهم الى الحظر والمنع والسبب هو منشور غير مطابق للمواصفات او نص او لوحة فنية منافية للذوق العام .
أما الناشط والكاتب العراقي رياض سبتي الذي خسر الكثير من ذلك فقد كتب "حين تحمل السلاح وتثور ضد طاغية مستبد صادر حريات شعب باكمله , فبالتاكيد انك ستدافع عن هذه الحرية حين تمارسها في بلد بديل يصبح وطنك الثاني بعد عقود من الاذلال في بلدك الام ، في دفاعك عنها ستصادفك مشكلة من نوع ( انك متأورب اكثر من الاوربيين او متأمرك اكثر من الامريكيين ) , وهذا طبيعي جدا لان محدثي هذه المشاكل يعانون من نقص في فهم لمعنى الحرية وحتى حين تلوح فرصتهم لتشذيب هذا المعنى فانهم يلوون هذا المعنى لاتجاهات اخرى غير الاتجاه الطبيعي والبشري كأن يكون اتجاهاً ايديولوجيا او دينياً ,, ومن هذين الاتجاهين تبدأ انتقادات الاخر لانه يمارس حريته بطريقة غير مقننة او مقيدة مثلما يريدونها ,, وتأخذ الانتقادات هذه ابعاداً اخرى تبعاً لنوع الحرية ( حرية التعبير عن الرأي , حرية المعتقد , حرية الملبس , والعيش وغيرها ) ,, تبداً بشتم الاعراض ( الام والاخت والابنة باقذع الشتائم ) ولا تنتهي بالتهديدات الجدية بالقتل . في عالم شبكات التواصل الاجتماعي تعرض الكثير من الادباء والمثقفين لاضطهاد فكري بكل ما تحمله الكلمة من معنى بسبب طرح ارائهم ومعتقداتهم التي تختلف شكلا ومضموناً عن السائد من المعتقدات او التألدج الحزبي من قبل الطرف الاخر المناويء فيلجأ هذا الاخير وكمرحلة اولى بمحاولة الغاء حساب المشترك بكتابة شكوى الى ادارة موقع التواصل واذا باءت محاولته بالفشل ففي اكثر الاحيان يتجه هذا الاختلاف الى وجهة اكثر عشائرية هو الضحية والخاسر الاكبر ."
ويعاني ايضا الشباب العراقي الكثير من تقييد الحريات في فيسبوك بسبب منشوراتهم فقد أكد الناشط فادي فارس أن "الاصطفاف الطائفي والاثني الموغل في شخصية المواطن العراقي اخذ مداه والقى بضلاله الثقيلة حتى على منتجات التكنولوجية الحديثة , تلك المنتجات التي كان من المفترض ان تفرز قيم الحداثة , قيم التبادل الثقافي وتقبل الاخر والحوار الهادئ والهادف ,الا ان العراقيين اثروا ان يسحبوا صراع البداوة والحضارة خاصتهم على منتج الفيس بوك الحضاري المتميز فتمترسوا بمجاميع طائفية ودينية عددية واخذوا يمارسون هواياتهم الاجتماعية الخطيرة بتسقيط الرأي الاخر من خلال استغلال خاصية الحظر وامكانية التبليغ على السئ من المنشورات التي اطلقها السيد مارك وكان ضحية هذا السلوك في عالمنا العراقي هو تغييب اصوات ثقافية مهمة تحاول تحريك الراسب في الثقافة العراقية وكسر جبل جليد الموروث السلبي وكأنما لم يكفيهم تكميم الأفواه على الأرض فذهبوا الى تكميم الافواه عبر الاثير"
وكان عدة مثقفين وناشطين مثقفين من العراق وتونس ومصر والخليج قد تعرضوا لعقوبات من ادارة فيسبوك (العربي) بسبب منشوراتهم التي تعتبر خارجة على التقاليد والقيم العربية والإسلامية والتقاليد العشائرية والقبلية .