"أسهم الأهالي والعلماء في إنشائها
أسست أول مدرسة حكومية في النجف الأشرف في العام 1882م، وهي " المدرسة الرشدية العثمانية " وكانت مدرسة ابتدائية للعلوم العصرية، واقتصر التسجيل فيها على أبناء الذوات، وبقيت هذه المدرسة تستقبل تلاميذها في صفوفها البالغ عددها الستة
حتى قيام ثورة 1915م في النجف الاشرف بوجه العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد كان للنجف الأشرف نصيبها أيضاً من هذا التطور نتيجة لإحساس علماء الدين والفئة المثقفة في المدينة بأهمية تدريس العلوم الحديثة واللغات الأجنبية، فقد قامت جماعة من الأهالي في مطلع القرن العشرين بتأسيس هيئة علمية في العام 1909م، اشترك فيها علماء النجف الأشرف وعدد من التجار، فأخذت الهيئة العلمية على عاتقها إنشاء مدارس تعنى بتدريس العلوم الحديثة واللغات الأجنبية كالفرنسية والانجليزية وتجسيد ذلك بتأسيس مدرستين على وفق النمط الحديث هما المدرسة (العلوية) والمدرسة (المرتضوية). ثم أخيراً فتحت مدرسة الغري العام 1929م، " وكانت لهذه المدارس أندية أدبية وسياسية، ولبعضها مكتبة عامة ودار للمطالعة، وكان لهذا التأسيس أثره المشجّع لنشر الأسلوب الجديد من الثقافة، وكانت المدرسة العلوية فضلا عن مهمتها الثقافية بمثابة نادٍ ثقافي وسياسي اتخذ منه المشتغلون بالحركة الدستورية الإيرانية مقرا لأعمالهم، وأوعز بتأسيس المدرسة الحسينية في كربلاء العام 1327هـ. وبتأثير هاتين المدرستين أسست المدرسة الجعفرية ببغداد، وكان المصلح (الآخُوند) يجيز صرف الحقوق الشرعية على أمثال هذه المدارس .. لمست هذه الفكرة من علامة عصره المرحوم الشيخ ملا كاظم الخراساني (طاب ثراه) آنذاك وأدركت منه الاهتمام في استحضار المدرسين من ذوي الكفاية لهذا الاصلاح ورأته يفكر في تعميم الثقافة في شتى نواحي العلم ... ضمن الدراسات الدينية... وتهيئة المعلمين اللائقين وإرسالهم إلى قرى العشائر . وأريافها المهملين من الثقافة والتهذيب الديني زمنا طويلا من السلطات الحاكمة، ما أدّى إلى التفسح في الأخلاق وسبَّب سفك الدماء، وكان شديد الاهتمام في تهيئة مايلزم لتهذيب ناشئتهم تهذيبا دينيا، يدفعهم إلى العمل المثمر ويمنعهم من ارتكاب الجرائم " .
ولا بد من الإشارة إلى أن المدرسة (المرتضوية) فتحت (قاعة خاصة للمناقشات، وأخرى للمطالعة حاوية أصناف المجلات والصحف العربية والأجنبية وأدخلت مادة الرياضيات واللغتين الإنجليزية والفرنسية . وأدخل منهج الرياضة الذي كان أشبه بالتعليم البدني العسكري،كون اللباس عسكري خاصاً له أوسمته وإشاراته) وطوّرت الدروس الدينية بإدخال درس خاص يعنى بالشرعيات " .
ومن الجدير بالذكر أيضا انه " لاتوجد مدرسة رسمية في النجف قبل سنة (1918م) التي أسست فيها أول مدرسة ابتدائية وكانت تسمى (المدرسة الاميرية الأولى) واستبدلت تسميتها فيما بعد بـ(الغفاري) .
ومن قبل هذا التاريخ لم توجد مدرسة أصلا سوى مدرسة الغري الأهلية، وفي سنة (1926م) أسست مدرسة (غازي) واستبدلت فيما بعد تسميتها وسميت بـ(النضال) وأسست سنة (1932م)مدرسة السلام، وبعدها بسنة واحدة أسست مدرسة الحيدرية، وأسست مدرسة الطالبية في سنة (1935م) وآخر مدرسة ابتدائية أسست في هذه المدة هي (مدرسة عبد الإله في سنة (1943م) التي سمّيت فيما بعد (الفتوة)،
ولم يقتصر تأسيس المدارس في النجف على المدارس الابتدائية فقط . بل كانت فيها المدرسة الثانوية التي تأسست في سنة (1927م) ثم بنيت القاعة الرئيسة فيها في وقت لاحق وذلك في سنة (1932م) وسمّيت فيما بعد ثانوية الخورنق، وظلت تستقبل الطلاب بعد الابتدائية، وأسست ثانوية النجف في سنة (1942م) التي سميت فيما بعد بـ(إعدادية النجف) فـي سنـة (1952). وقد كانت تصدر في هذه المدارس نشرات استقطبت بعض الأقلام المبدعة. إذ برز فيها الكثير من الطاقات الأدبية والفكرية ".
إن تطّور التربية والتعليم في النجف شكّل محصلة أساسية في بناء الإدراك والوعي للفئة المثقفة النجفية حديثة النشأة والتكوين من أمثال الأديب والمفكر جعفر الخليلي والقاضي الشرعي المتنوّر ضياء الدين بحر العلوم وبطلي ثورة العشرين الشيخين هادي ومهدي ولدي الشيخ عبد الكريم الجزائري... والشاعر اللبيب محمود الحبوبي وغيرهم ممن أسهموا إسهاما متمّيزا في مختلف جوانب الدولة العراقية حديثة التكوين في أعقاب الحرب العالمية الأولى(5) .
أما عن تأسيس مدرسة الغري في العام الموافق 1921م في 12/12 فقد قَّدم الذوات : (السيد حسين كمال الدين، السيد سعيد كمال الدين، يوسف عجينة، يحيى الحبوبي، كاظم السيد علي، محسن عجينة، كريم السيد سلطان) طلبا إلى وزارة المعارف (التربية حاليا) للحصول على إجازة لفتح مدرسة أهلية ابتدائية باسم (مدرسة الغري)، تُدّرس فيها المعلومات الحديثة، وقد تبرَّع الحاج جاسم آل جياد بمبلغ إيجار المدرسة لمدة سنتين، مهما بلغ الإيجار وبراتب شهري (10روبيات)، واستأجروا دار الفاضلي في محلة المشراق، كما تبرّع قسم من الأهالي بالأثاث، وعّين السيد حسين كمال الدين مديرا لها، وقد لاقت الهيئة مضايقات من الأشخاص المتزمتين، وقد ألّفت لجنة الإقامة حفلة افتتاح المدرسة. من الذوات الشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ جواد الجواهري والحاج محسن شلاش وغيرهم، وحضر الحفلة جمهور غفير من الوطنيين والمثقفين داخل النجف وخارجها، ووزّعت الدعوة باسم (الهيئة العلمية) وخطب فيها حسين كمال الدين ومهدي البصير، ودعوا إلى التبرع، وعيّن يحيى الموصلي مديرا لها وعيّن كل من الملا سليمان والملا علي والسيد جعفر الكيشوان والشيخ عبد المنعم العكام معلمين فيها.
د. نجاح هادي كبة
منقول