كيف تستمر في العمل إلى آخر يوم في حياتك؟
عندما يصل الكثيرون إلى بدايات العقد السادس من العمر، فإنهم يتطلعون لرؤية آخر يوم عمل لهم، وحياة تقاعدية مريحة.
لكن ذلك لم يكن حال "جين أنجليك"، التي وجدت نفسها تتقدم لمقابلة للعمل عام 2013 في منظمة غير ربحية، وهي التي تبلغ من العمر 62 عاماً، وذلك بعد عقود من العمل في وظائف في إدارة الأعمال والمشروعات. لم تكن أنجيليك في حاجة إلى وظيفة، ولكنها أرادت فقط أن تزاول عملا مفيدا.
تقول أنجليك التي أصبح عمرها الآن 63 عاما: "أردت العودة لأكون ضمن القوة العاملة، ولأكتشف كيف سيبدو الحال في العمل ضمن فريق، بعد أن عملت لأكثر من 25 عاماً لحسابي الخاص".
وأخيراً، انتقلت أنجليك إلى الطرف الآخر من الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح نائب رئيس لقسم التجارة الإلكترونية في مؤسسة "المجلس الوطني 4-إتش"، وهي منظمة لتطوير قدرات الشباب وتمكينهم.
وتضيف: "أردت أن أكون ضمن منظمة غير ربحية. وهدفي هو الاستمتاع بكل لحظة من عملي، بدون نهاية تلوح في الأفق. أنوي البقاء هنا لوقت طويل".
إن العمل خلال سنيّ التقاعد ليس فقط لأولئك الذين لا يقدرون–لأسباب مالية- على ترك العمل. فالكثيرون، ممن يعملون بعد سن التقاعد، يواصلون ممارسة عملٍ ما- بوقت كامل أو جزئي- لأنهم يستمتعون بذلك، فقط لا غير. ويُتوقع من 75 في المئة من الأمريكيين أن يعملوا طالما كان ذلك بوسعهم؛ ويقول 39 في المئة من بين هؤلاء إن ذلك يعود لولعهم بالقيام بعملهم، وذلك وفقا لاستفتاء أجرته مؤسسة بانكريت. (bankrate.com).
وبما أن المملكة المتحدة قد ألغت السن القسري للتقاعد، فقد اختار أكثر من مليون شخص تزيد أعمارهم عن سن الـ 65 أن يواصلوا العمل، استناداً إلى "وزارة العمل والتقاعد". ومن المتوقع أن يتوقف 29 في المئة فقط من العاملين في بريطانيا نهائياً عن العمل عند سن التقاعد، بحسب دراسة قامت بها شركة "أيغون".
أما في إسبانيا وفرنسا، فمن المتوقع أن يتوقف عن العمل فقط نصف العاملين الذين سيصلون إلى سن التقاعد.
ويقول "كريس لونغ"، المبرمج المالي في شركة "لونغ للتخطيط المالي" في شيكاغو الأمريكية: "الأشخاص الذين يعملون لوقت أطول يصبحون مولعين بما يقومون به". فالدخل الإضافي مرغوب أيضا، إلا أنه أمر ثانوي يشدّ البعض من غير المتقاعدين. ويضيف لونغ: "يتعلق الأمر بالمتعة التي يحصلون عليها عند القيام بعملهم. ويساعدهم ذلك في تحقيق ذاتهم."
إذا أردت أن تعمل حتى تصل إلى ستينيات أو سبعينيات عمرك، فهذه بعض النصائح:
ماذا سيتطلب الأمر: يتوجب عليك أن تشحذ مهاراتك باستمرار، وأن تواصل علاقاتك الاجتماعية، وتبقى بصحة جيدة. كما أنه من المفيد لك أن تعمل في مجالٍ معين– أو تخطط للقيام بذلك. فبهذا الشكل، سيسعى زملاؤك السابقون لمساعدتك.
"نادراً ما رأيت الأشخاص الأقدم مني وهم يتخطون الصعاب ولوقت طويل، في وظائف ذات عمالة كثيفة"، حسبما قالت "جوليا تشونغ"، وهي متخصصة في التخطيط المالي والعقاري في شركة "جي. واي. سي. فاينانشيال" بمدينة لانغلي في ولاية "كولومبيا البريطانية" بكندا.
وأضافت: "أرى عدداً ممن هم أكبر مني سناً وهم يشغلون وظائف استشارية وإدارية عليا، إضافة إلى الأشخاص الذين يعملون من منازلهم، حيث يستفيدون من مهاراتهم الفنية".
كم تحتاج من الوقت: يعتمد الأمر على مقدار التغيير الذي تتصوره. "إذا أردت فقط أن تبقى في نفس مهنتك، فما عليك إلا أن تبدأ في التفكير في ذلك قبل سنتين من حدوث ذلك،" كما يقول لونغ. ويضيف: "أما إذا كنت تنوي تغيير مهنتك بالكامل، فلعل من الأفضل أن تبدأ قبل خمس أو حتى عشر سنوات، بعد أن تتحقق من الخيارات المتاحة لما يمكن أن تقوم به."
انجز الأمر الآن: عليك بمواكبة الأحداث. يميل بعض العاملين إلى التراجع مهنيا كلما اقتربوا من نهاية حياتهم المهنية. إذا أردت أن تواصل العمل في مجالك الخاص، لا تدع التعب ينال منك. واصل نشاطك الاستباقي: احضر المؤتمرات، وخذ دورات تحتاجها لتبقى مطّلعاً على أحدث التقنيات، واحضر الفعاليات الخاصة بمجال عملك، وواصل علاقاتك الاجتماعية بزملائك.
تقول تشونغ: "لا توفر لنفسك زاوية ترتاح فيها؛ فهناك نفقد تفوقنا، مهما كان عمرنا. عليك أن تظل منشغلاً بأمور تبقيك على صلة بمجالك، وتظل بوظيفتك أو تمارس عملك الخاص".
اختبر أي مجالات تفكر فيها. إذا كنت تخطط لترك عملك الحالي وتحاول البدء في شيء جديد أثناء تقاعدك، تأكد مما تريد أن تقوم به. يقول لونغ: "في مرات عديدة، يبدو لك أمر ما رائعاً في شكله الخارجي، ولكن عندما تراه من الداخل، ستجد أن هناك أموراً كثيرة لا تناسبك. حاول أن تعمل في ذلك المجال بأوقات جزئية من اليوم، أو أن تعمل بشكل تطوعي، في البداية".
اعمل مع شخص محترف. هناك طرق متنوعة يؤثر فيها الدخل، بعد عمر معين، على ما ستحصل عليه من راتب تقاعدي، أو معونة اجتماعية من الدولة. "في نيوزيلندا، إذا عملت بعد عمر الـ 65 وكان لديك دخل إضافي لأنك تعمل، فسوف يقل راتبك التقاعدي الشهري"، كما يقول رود مدجوي، المستشار المالي لدى شركة "براكنريدج للحلول المالية" في مدينة أوكلاند، بنيوزيلندا.
وإذا كنت ممن يحصلون على دخل من مدفوعات الرعاية الاجتماعية قبل وصول السن التقاعدي الكامل في الولايات المتحدة الامريكية، وكنت تحصل على دخل معين، فإن الدولة ستقلل مما تدفعه لك تبعاً لذلك.
وفي بعض البلدان، لن يمكنك العمل والحصول على المعونات الاجتماعية في نفس الوقت. "مؤخراً، أراد زميل لي أن يواصل العمل، وفي نفس الوقت أن يتقاضى راتبه التقاعدي في فرنسا،" كما يقول "ميشال لودي"، المستشار المالي مع "مجموعة سبيكترم آي. إف. أي." في باريس. إلا أن مستشاراً في الضرائب أخبره أن ذلك غير ممكن. وبالتالي "التخطيط الجيد أمر جوهري،" كما يقول لودي.
لا تعوّل على الدخل في الوقت الراهن – أو لاحقاً. مواصلة الحصول على دخل يمكنه أن يؤثر بشكل كبير على خططك التقاعدية – إلا أن ذلك ليس مضموناً. "من وجهة نظر التخطيط المالي البحت، لا ينبغي للمرء أن يعوّل على القدرة على مواصلة العمل كلما كبر في العمر. في أفضل الأحوال، تأكد من توفر دخل تقاعدي كافٍ، وتعامل مع دخلك الإضافي من العمل المتواصل باعتباره دخلا إضافيا،" كما يقول لودي.
انجز الأمر لاحقاً: تابع معوناتك الصحية. إن العمل لصالح شركة توفر التأمين الصحي هو أمر رائع لمواصلة العمل بعد سن التقاعد – ولكن، على سبيل المثال في كندا، لا يشمل الضمان الصحي العاملين بعد وصولهم عمراً محدداً، وهو عادة 65 عاما.
تقول تشونغ: "تعوّد الكثيرون من الموظفين على نعمة الحصول على الرعاية الصحية ورعاية الأسنان والتأمين على الحياة، والتأمين ضد الإعاقة. إلا أن هذه المنابع قد تجف"، حسبما تقول تشونغ. خطط للأمر، وتفهّم خياراتك في الرعاية الصحية عند القطاع الخاص، وما يتوفر لك بوجودك ضمن نظام الرعاية الصحية الحكومي.
افسح المجال لبعض الحركة: حتى مع أفضل الخطط المرسومة، قد تُفسد الحياة ما بنيناه أو خططنا له. تقول تشونغ: "لعلك تريد أن تعمل إلى الأبد، لكن ثمة تطورات عائلية قد تحدث، كأن يأتيك حفيد جديد، أو تصاب بمرض ما. كل هذه الأمور تتطلب منك وقتاً إضافياً، وربما تكون هناك تغييرات في ظروف العمل، والقائمة لا تنتهي".
انجز الأمر بشكل أكثر ذكاءً: لا تنسَ الاستمتاع بحياتك. المال الإضافي يساعد في كثير من الأمور. لكن عليك ألا تقضي أوقاتاً كثيرة في مواصلة العمل بجدية بشكل يفوت عليك فرص العمر الأخيرة. اقضِ وقتك مع الأسرة، واستمتع ببعض الهوايات ووسائل الترفيه، واعتنِ بصحتك.
"أود أن أرى الناس وهم على الأقل يقلصون من الوقت الذي يقضونه في العمل بعد وصولهم لسن التقاعد،"– ومن بينهم أولئك الذين يعشقون أعمالهم، كما يقول تشونغ. ويضيف: "إذا استطعت أن تستفيد من زيادة وقتك الحر، فأنا أوصيك بذلك. فلا يمكنك أن تضع ثمنا للمرح".