اعلم يا اخي ان الشرع وضع لصلاح الدين والدنيا جميعآ .
وان الدنيا والاخره هما داران متقابلتان . واسماهما مضادان .
ومعناهما وحقيقتهما وصفتهما مختلفات متضادات . احدهما كالقشره وهي الدنيا . والاخرى كاللب وهي الآخره .
ولهما اهل وبنون . ولاهلهما وبنيهما صفات واخلاق وسجايا واعمال متخالفات متضادات .
الدنيا اسمها مشتق من الدنو والقرب .والاخره من التاخر . اما حقيقتهما
فالدنيا هي تصاريف امور تجري على الانسان من يوم ولادة الجسد الى يوم الممات الذي هو ولادة النفس ومفارقتها اياه .
والاخره هي تصاريف امور تجري على الانسان من يوم الممات ومفارقة الجسد الى ما بعدها ابد الابدين .
الله سبحانه وتعالى سمى الحياة الدنيا عرضآ ومتاعآ الى حين . لان كون الانسان في الدنيا عارض في طريق الاخره . ولم يكن القصد والغرض المقام فيها . كما ان الغرض في الكون في الرحم لم يكن الغرض والقصد المكث والمقام هناك . بل طريقآ وجوازآ الى الدنيا . كذلك كون النفس في هذا الجسد هو سفينه ومركوب ومعبر الى الدار الاخره .
اذ لم يمكن الورود الى الدار الاخره دون الجواز على الدنيا والكون فيها ومانآ لكي تتم احوال النفس وتكمل فضائلها .
كما ذكر الله سبحانه وتعالى { وان الدار الاخره لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } يعني ابناء الدنيا لرغبوا فيها اكثر وحرصوا في طلبها . ولكنهم عنها غافلون ساهون جاهلون . لا يدرون ما هناك من النعيم واللذات والسرور والفرح والراحه كما ذكر الله سبحانه وتعالى واختصر بقوله { فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وانتم فيها خلدون } .
فلما جهل ابناء الدنيا امور الاخره وغفلوا عنها . اشتغلوا عند ذلك بطلب الدنيا ونعيمها ولذاتها وشهواتها . وتمنوا الخلود فيها لانها محسوسه لهم . يشهدونها وتلك غائبه عن ادراك الحواس فتركوا البحث عنها والرغبه فيها والطلب لها واليهم اشار بقوله جل ثناؤه { ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها , والذين هم عن آياتنا غافلون }
اعلم يا اخي الناس كلهم أبناء الاخره واهلها كما هم ابناء الدنيا واهلها . ولكنهم ينقسمون في الاخره قسمين اثنين . سعداء واشقياء . اما اهل النعيم ام اهل العذاب المهين .
ولك يا اخي ان تختار مع من تكون . وذلك الاختيار يكون نتيجة اعمالك وافعالك في الدنيا . والعاقبه للمتقين .
والحمد لله رب العالمين