حقوق المرأة
مقدمة
اختلفت نظرة الشعوب إلى المرأة عبر التاريخ, ففي المجتمعات البدائية الأولى كانت غالبيتها "أمومية"، وللمرأة السلطة العليا. ومع تقدم المجتمعات وخصوصا الأولى ظهرت في حوض الرافدين، مثل شريعة اورنامو التي شرعت ضد الاغتصاب وحق الزوجة بالوراثة من زوجها. شريعة اشنونا أضافت إلى حقوق المرأة حق الحماية ضد الزوجة الثانية. وشريعةبيت عشتار حافظت على حقوق المرأة المريضة والعاجزة وحقوق البنات غير المتزوجات. وفي الألفية الثانية قبل الميلاد عرفت فقوانين حمورابي التي احتوت على 22 نصا من أصل 282 تتعلق بالمرأة.
أعطت شريعة حمورابي للمرأة حقوقا كثيرا من أهمها: حق البيع والتجارة والتملك والوراثة والتوريث، كما كان لها الأولوية على الزوجة الثانية في السكن والملكية وحفظ حقوق الوراثة والحضانة والعناية عند المرض. كما شهد العصر البابلي بوصول الملكة سميراميس إلى السلطة لمدة خمس سنوات رخاء كبير.
المرأة عبر العصور
* المرأة في العصر الفرعوني:
وكانت للمرأة لدي قدماء المصريين منزلة كبيرة. فكانت تشارك زوجها في العمل في الحقل. كما كانت لها مكانة كبيرة في القصر الفرعوني، فكانت ملكة تشارك في الحكم وتربي النشأ ليخلف عرش أبيه الملك، كما كانت تشارك في المراسم الكهنوتية في المعابد.
في عهد الفراعنة في مصر كانت للمرأة حقوق لم تحصل عليها أخواتها في الحضارات السابقة, فقد وصلت للحكم وأحاطتها الأساطير. كانت المرأة المصرية لها سلطة قوية على إدارة البيت والحقل واختيار الزوج، كما أنها شاركت في العمل من أجل إعالة البيت المشترك. كان الفراعنة يضحون بامرأة كل عام للنيل تعبيرا عن مكانتها بينهم، إذ يضحى بالأفضل والأجمل في سبيل الحصول على رضى الآلهة. تعددت الآلهة لدي المصريين القدماء فكان منهم الذكور والإناث، منهن هاتور وإيزيس وموت وتفنوت، ونوت وغيرهم. وخلفوا لنا تماثيلا كثيرة تظهر فيها الزوجة متأبطة زوجها ،علامة صريحة على الوفاء والود والإخلاص. كما ورد في النصوص الدينية لهم أن الزوجة تقترن بزوجها في العالم الآخر ، كما يبين التراث المصري القديم في وثائق عديدة. وعندما تكون أعمالهما أعمالا طيبة في حياتهما فتمنح لهم في الآخرة حديقة يزرعونها سويا ويعيشون من ثمارها ويستمتعون بها، يساعدهم في ذلك خدم يسمون "مجيبون"، أي الملبّون للأمر. ففي تصورهم أن العمل في حديقة "الجنة" لا يقترن بالتعب والعناء، إذ يمكنهم نداء خدم مخلصين يسمون "وجيبتي" أي المجيبين أو المستجيبين فيساعدونهما في أعمال حياتهما الأبدية.
المرأة عند الإغريق والروم
في العهد الإغريقي لم يكن للمرأة الحرة الكثير من الحقوق، فقد عاشت مسلوبة الإرادة ولا مكانة اجتماعية لها وظلمها القانون اليوناني فحرمت منالإرث وحق الطلاق ومنع عنها التعلم. في حين كانت للجواري حقوقا أكثر من حيث ممارسة الفن والغناء والفلسفة والنقاش مع الرجال.
في مدينة إسبارطة اليونانية كان وضع المرأة أفضل، فقد منحت المرأة هناك حقوق حيث حصلت على بعض المكاسب التي ميزتها على أخواتها في بقية المدن اليونانية وذلك بسبب انشغال الرجال بالحروب والقتال.
ومع تقدم الحضارة الإغريقية وبروز بعض النساء في نهاية العهد الإغريقي إزدادت حقوق المرأة الإغريقية ومشاركتها في الاحتفالات والبيع والشراء، ولم يكن ينظر للمرأة كشخص منفرد، وإنما جزء من العائلة وبالتالي فان الحقوق كانت على قيم مختلفة عما نعرفه اليوم ومن الصعب المقارنة على أسس القيم الحالية. ولكون المرأة جزء من العائلة فإن الأساس هو الحقوق التي تتضمن الانسجام والبقاء، لذلك كانت العائلة تخضع للرجل الذي يتولى حماية العائلة.
وفي العصر الرومي حصلت المرأة على حقوق أكثر مع بقائها تحت السلطة التامة للأب أو لحكم سيدها أن كانت جارية، أما المتزوجة فقد كان يطبق عليها نظام غريب إما أن تكون تحت سلطة وسيادة الزوج أو أن تعاشر زوجها وتبقى مع أهلها وسلطتهم. وقد تركت لنا الآثار الكثير من المعلومات التي تشير إلى أن المرأة كانت قاضيا أو كاهنا أوبائعا، ولها حقوق البيع والشراء والوراثة كما كان لديها ثرواتها الخاصة.
* فارس والهند والصين
أما في الصين فقد ظلمت المرأة ظلما كبيرا فقد سلب الزوج ممتلكاتها ومنع زواجها بعد وفاته، وكانت نظرة الصينيين لها "كحيوان معتوه حقير ومهان"[بحاجة لمصدر]. وفي الهند لم تكن المرأة بحال أحسن فقد كانت تحرق أو تدفن مع زوجها بعد وفاته.
وفي فارس منحها زرادشت حقوق اختيار الزوج وتملك العقارات وإدارة شؤونها المالية. كما لا زالت هذه المكانة المتميزة موجودة عند المرأةالكردية، التي تتمتع بحريات كبيرة وتقاليد عريقة.
* النظرة إلى المرأة لدى الديانات:
عند اليهود فقد كانت المرأة تعامل معاملة "الغانية" و"المومس" و"المخربة للحكم والملك",[بحاجة لمصدر] ولم تخلُ كتبهم الدينية من الاستهانة بها وتحقيرها ومنعها من الطلاق.
المسيحية اعتبرت المرأة والرجل جسدا واحدا، لا قوامة ولا تفضيل بل مساواة تامة في الحقوق والواجبات. وحرم الطلاق وتعدد الزوجات، واعطيت قيما روحية أكبر. واعطيت لمؤسسة الزواج تقديسا خاصا ومساواة في الحقوق بين الطرفين.
أما في الإسلام فقد تحسنت وتعززت حقوق المرأة، وقد أعطى الإسلام المرأة حقوقها سواءً المادية كالإرث وحرية التجارة والتصرف بأموالها إلى جانب إعفائها من النفقة حتى ولو كانت غنية أو حقوقها المعنوية بالنسبة لذاك العهد ومستوى نظرته إلى الحريات بشكل عام وحرية المرأة بشكل خاص. كما أعطاها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عين تأثم إذا تركته.
المرأة العربية قبل الإسلام[
وفي الجاهلية في جزيرة العرب فقد شاركت المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية، وفي نفس الوقت كان البعض يقوم بوأد البنات بسبب الفقر، وانتشرت الرايات الحمر وسبيت وبيعت واشترت، بالضبط كما بيع العبيد من الرجال. والمرأة كانت لها حقوق كثيرة مثل التجارة وامتلاك الأموال والعبيد، كما كان الحال مع خديجة زوجة الرسول محمد بن عبد الله. كما كان لها الحق في اختيار الزوج أو رفضه. وكان منهم الشاعرات المشهورات.
كما تولت الكثير من النساء الحكم في بعض المناطق مثل الملكة زنوبيا في تدمر أو الملكة بلقيس في اليمن.
* المرأة في الإسلام
لا يقتصر دور المرأة في الإسلام على كونها امتدادا للرجل، رغم أن بعض العلماء والمؤرخون يختزلون دورها نسبة للرجل: فهي إما أمه أو أخته أو زوجته. أما واقع الحال أن المرأة كانت لها أدوارها المؤثرة في صناعة التاريخ الإسلامي بمنأى عن الرجل. فنرى المرأة صانعة سلام (كدور السيدة أم سلمة في درء الفتنة التي كادت تتبع صلح الحديبية). ونراها محاربة (حتى تعجب خالد بن الوليد من مهارة إحدى المقاتلين قبل أكتشافه أن ذلك المحارب أمرأة). ودورها في الإفتاء بل وحفظ الميراث الإسلامي نفسه.
ويتميز الإسلام في هذا المجال بمرونته في تناوله للمرأة. فقد وضع الأسس التي تكفل للمرأة المساواة والحقوق. كما سنّ القوانين التي تصون كرامة المرأة وتمنع استغلالها جسديا أو عقليا، ثم ترك لها الحرية في الخوض في مجالات الحياة.
ومع ذلك فإن بعض العادات والموروثات الثقافية والاجتماعية تقف أمام وصول المرأة المسلمة إلى وضعها العادل في بعض المجتمعات الشرقية وليس العائق الدين أو العقيدة.
فمن ناحية العقيدة: حطّم الإسلام المعتقد القائل بأن حواء (الرمز الأنثوي) هي جالبة الخطيئة أو النظرات الفلسفية القائلة بأن المرأة هي رجل مشوّه. فأكّد الإسلام أن آدم وحوّاء كانا سواء في الغواية أوالعقاب أوالتوبة. كما أن الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة لا تنقص من قدر أي منهما: فهي طبيعة كل منهم المميزة والتي تتيح له أن يمارس الدور الأمثل من الناحية الاجتماعية. وكل هذا منصوص عليه في الموروث الإسلامي والمصادر النقلية من الكتاب والأحاديث.
* المرأة اليوم
وأما في العصر الحديث فإن وضع المرأة في كل بلد تابع لسياسة هذا البلد أكثر من تبعيته لدين أهل هذا البلد بفارق كبير.
ففي البلدان الديموقراطية الغربية نجد المرأة قد حصلت على حرية تامة في كل مجالات الحياة، ففي الطفولة تتضمن الأنظمة العلمانية الديمقراطية معاملة متساوية بين البنت والصبي وتمنع التمييز على أساس الجنس، كما تقدم لهم الإمكانيات للتطور المتناسق والمنسجم. ومن عمر الثامنة عشر يحق للمرأة الانفصال عن اهلها، تماما مثل الشاب، ويعتبرها القانون فردا حرا وبالغا. ويحق للمرأة العمل لإعالة نفسها وعائلتها، كما يحق لها الحصول على دعم المجتمع وحمايته الاجتماعية. وتحصل على كل المؤهلات من دراسة وتطوير للوصول إلى نفس مستويات الإبداع عند الرجل. وبالرغم من ذلك فما زالت هناك إحصائيات مثيرة عن العنف ضد المرأة في الغرب ففي فرنسا وحدها تموت أكثر من 3 نساء شهرياً نتيجة لهذا العنف. ممايشير بوضوح أن الإرث التاريخي لاضطهاد المرأة لم يتخلص الغرب منه حتى الآن. وتهتم الحركة النسوية في الغرب بقضايا مثل حق المرأة في الإجهاض وتنخرط في جدل الإجهاض الدائر في تلك المجتمعات.
أما في البلدان العربية فبالرغم من أن دساتير معظم هذه الدول تنص على الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة، وأحيانا أكثر من ذلك عند البلدان التي تبنت بعض الأنظمة العلمانية، كمنع تعدد الزوجات في تونس بموجب مجلة الأحوال الشخصية. فلا زال وضع المرأة مماثلا لوضعه التاريخي المتخاذل خلال العصور السابقة، بسبب الموروث الثقافي المهين عن المرأة وبسبب التمييز القانوني والفيزيائي بالرغم من المطالبات بتعديل القوانين التي تنتهك حقوق المرأة كقوانين جرائم الشرف. كما تشير الإحصائيات إلى أن معدلات العنف ضد المرأة في البلدان ذات التشريع الإسلامي، مثل السعودية، لا تقل عن مستوياتها في البلدان الأخرى.
* المرأة الأم:
تتمتع المرأة في العالم الإسلامي باحترام وحب كبيرين من جهة زوجها وأبنائها من بنات وبنين. وبينما لا تختلف مكانة المرأة في تلك الناحية من بلد إلى بلد حيث تنتشر المجتمعات المسلمة في أنحاء كثيرة على الأرض، يصبغها الدين الإسلامي بالخلق الكريم العطوف المتفاني وهو الذي يشكل مجتمعها، إلا أن ما تحصل عليه المرأة من حقوق تختلف من بلد إلى بلد بحسب ثقافة مجتمعها وعادات أهلها المتوارثة.
ولكن على وجه العموم تتمتع المرأة الأم بأقصى حب وتقدير من أبنائها كبارا وصغارا، فهي التي تربيهم وتشكلهم لحياة كريمة ناجحة فيما بعد. يقدرها إبنها القائد العسكري والأستاذ الجامعي، وقد يقبلا يداها أحيانا، كما يحبها ويقدرها إبنها المهندس والطبيب والمدرس والعامل والفلاح البسيط والبدوي، ويرون فيها نبع الماء الصافي الذي يُبصر بطريق الحق والخير والتسامح والنماء. فهي التي تشكل النشأ من صغره وتعلمه الخلق الحسن الكريم وعدم الكذب، واحترام الكبار، وتؤازره على أداء الواجبات المدرسية وتحثه على اكتساب المعرفة والعلوم وتعلمه النظام. فهي في ذلك تؤهله لكي يكون فردا مفيدا في المجتمع، يساعد بعمله وعلمه على رقي بلده وتقدمها، متحليا بالأمانة والخلق الحسن والإخلاص للآخرين.