بسم الله الرحمن الرحيم
# روايات جمع القران عن المصادر السنيه :
ثمة وجهتا نظر في موضوع جمع القرآن، إحداهما تقررها المصادر السُّنية والأخرى تؤكدها المراجع الشيعية (الإمامية). أما وجهة النظر السُّنية الرسمية فترجع بعملية جمع القرآن، في مصحف، إلى عهد أبي بكر الصديق، لتنتهي في عهد عثمان بن عفان بإقرار مصحف واحد رسمي وإحراق ما عداه. وتستند هذه الوجهة من النظر إلى ما رواه البخاري خاصة. فقد عقد باباً في صحيحه (ضمن "كتاب فضائل القرآن") جعل عنوانه: "باب جمع القرآن" (رقم 4701) أورد فيه عدداً من الروايات التي تتحدث عن جمع القرآن أشهرها -وربما أهمها على الإطلاق- رواية زيد بن ثابت، أشهر كتاب الوحي، وقد قال فيها: إن أبا بكر أرسل إليه عقب موقعة اليمامة التي قتل فيها كثير من الصحابة القُرَّاء وطلب منه أن يجمع الصحف التي كتب فيها القرآن مخافة أن يضيع منه شيء كثير بسبب موت حفاظه وقرائه. وقال له: "إنك رجل شاب عاقل لا نتّهِمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتَتَبَّعْ القرآن فاجمعه". وأضاف زيد يقول: "فتتبعتُ القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم"، حتى خاتمة "براءة". ثم أضاف: "فكانت الصحف (التي كتب فيها القرآن) عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر . وتقول بعض الروايات إن زيداً بن ثابت كان يشترط فيمن يأخذ منه شيئاً من القرآن أن يشهد معه شاهدان على أنه من القرآن فعلاً.
ثم يذكر البخاري رواية أخرى تتحدث عن جمع القرآن زمن عثمان ومضمونها: أنه بينما كان هذا الأخير منهمكاً في تجهيز جيش من أهل الشام والعراق لغزو أرمينية وأذربيجان، إذ قدم عليه حذيفة بن اليمان وقال له: "يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب، اختلاف اليهود والنصارى". وكان حذيفة قد راعه اختلاف المجَنَّدين العراقيين والشاميين في قراءة القرآن، كل فريق يعتبر قراءته هي وحدها الصحيحة.
وتقول الرواية إن عثمان أرسل إلى حفصة بنت عمر، يطلب منها نسخة الصحف التي جمعت أيام أبي بكر (وانتقلت إليها عقب وفاة عمر)، لعمل نسخة منها فأرسلتها إليه، وأنه، أعني عثمان، "أمر زيداً بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف". وتقول الرواية إن عثمان قال لهم: إذا اختلفتم في شيء "فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم". وتضيف الرواية: إنه عندما أنهى هؤلاء نسخ الصُّحف التي كانت لدى حفصة في مصحف واحد، رد عثمان الصحف إليها وأرسل إلى جميع الأمصار بنسخة من المصحف الجامع -وقد سمي بالمصحف الإمام- "وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق".
يستفاد من هذه الرواية ثلاثة أمور:
- الأول أن جمع القرآن زمن أبي بكر كان مقتصراً على جمع "الصُّحُف" أي المواد التي كتب عليها مفرقاً؛ كالقماش وورق الحرير والرقوق الناعمة المسواة... بينما كان جمعه في عهد عثمان عبارة عن ضم تلك الصحف وجعلها في مصحف واحد.
- الأمر الثاني أن الدافع إلى جمع القرآن أول مرة كان الخوف من انقراض حفظة القرآن، فيضيع منه كثير، وأن عامل الخوف كان قوياً إلى درجة أن عمر بن الخطاب طلب من أبي بكر القيام بجمع القرآن.
- الأمر الرابع اختلاف الناس في "القراءة"، باختلاف لغاتهم ولهجاتهم. وهذا شيء تذكر الروايات أنه قد تكرر حصوله زمن النبي نفسه...
# روايات جمع القران عن المصادر الشيعيه :
يظهر من الروايات الواردة من طرق أهل البيت عليهم السلام وغيرهم ان القرآن قد جمع على عهد رسول الله (ص)، وكان ذلك في اوراق وصحائف متفرّقة جمعها الامام علي عليه السلام ورتّبها بعد وفاة النبي (ص)، والدليل على ذلك من الآيات قوله تعالى : {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَه}
قال السيوطي (الدر المنثور ج6 ص289) بسنده عن قتادة : ان علينا جمعه وقرآنه : ان علينا حفظه وتأليفه.
وروى الشيخ الطوسي في التبيان عن قتادة قال : ان معناه : ان علينا جمعه في صدرك وتأليفه على ما نزل عليك.
وقوله تعالى : {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} وقوله تعالى : {انه لقرآن كريم في كتاب مكنون} وغيرها من الآيات
ومعناه ان القرآن الذي انزل على محمد (ص) للاعجاز انما هو في كتاب محفوظ، ومقتضاه ان ما كان في الكتاب قد جمعه النبي (ص) بنفس الترتيب في هذا الكتاب الذي بأيدينا، والا لم يكن محفوظاً ومكنوناً.
وأما الروايات، فمنها حديث الثقلين، قال (ص) : اني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي اهل بيتي، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابداً.
ومن المعلوم انه كان هناك كتاب مكتوب عند المسلمين، ويبقى هذا الكتاب الى الابد، وليس المقصود ما كان في صدور المسلمين، لأنه يفنى بموتهم ولم يبق الى يوم القيامة.
وعلى كل حال يظهر من الحديث ان النبي (ص) جمع القرآن ورتبه سورة سورة وآية آية بأمر من الله تعالى ، ثم اودع ذلك عند المسلمين مع العترة الطاهرة.
وروى الطبرسي عن ابن عباس والسدي في نزول قوله تعالى : {واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله...} : هذا آخر آية نزلت من القرآن، وقال جبرائيل : ضعها في رأس الثمانين والمئتين من البقرة.
فيظهر من هذه الآية ان اسم السورة وعدد آياتها وترتيبها كان بأمر من الله تعالى، والنبي (ص) هو الذي رتّبها وهذا هو معنى قوله تعالى {ان علينا جمعه وقرآنه}
وخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال : جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي (ص) فقال : إقرأه في شهر (البيان في تفسير القرآن ص269)
وفي تفسير القمي بسنده عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ان رسول الله (ص) قال لعلي : يا علي، القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة، فانطلق علي فجمعه في ثوب اصغر ثم ختم عليه في بيته وقال : لا ارتدي حتى اجمعه، وان كان الرجل ليأتيه فيخرج اليه بغير رداء حتى جمعه.
وهذا ظاهر في أن القرآن قد جمع على عهد النبي (ص)، وكان مكتوباً في المصحف والقراطيس، وكانت مهمة علي هو جعله في كتاب واحد وترتيبه على نفس الترتيب الذي رتبه رسول الله (ص)، فالقول بأن ابا بكر امر بجمع القرآن او ان القرآن جمع على عهد عثمان كذب ولا اساس له من الصحة.