نجح العلماء للمرة الأولى في رسم خريطة "لمفاتيح التحكم" الجزيئية التي يمكنها فتح أو إغلاق جينات داخل الحمض النووي في أكثر من 100 نوع من الخلايا البشرية، وهو إنجاز يكشف مدى تعقد المعلومات الوراثية والتحدي الخاص بتفسيرها.
كشف الباحثون النقاب الأربعاء (18 فبراير/شباط 2015) في دورية (نيتشر) عن خريطة ما يعرف باسم "الجينوم الأعلى" إلى جانب معلومات تتعلق به تقع في نحو 20 صفحة ضمن برنامج بحثي للحكومة الأمريكية انطلق عام 2008 وسيستمر مدة عشر سنوات. والجينوم البشري هو مجموع الشفرات الوراثية للإنسان ويضم إجمالا المخطط التفصيلي لجميع الجينات في خلايا البشر. أما الجينوم الأعلى فيشمل الجينات الفعالة وتلك غير الفعالة من هذا الجينوم بمعنى أنه لو كان الحمض النووي لجينوم فرد ما يرتبط بالإصابة بالسرطان على سبيل المثال لكن هذا الحمض غير فعال بفعل جزيئات في الجينوم الأعلى فإن من المرجح ألا يؤدي الحمض إلى إصابة هذا الشخص بالسرطان.
وفيما أصبح فحص التسلسل الجيني لجينوم الأفراد أمرا شائعا للتنبؤ بمدى مخاطر الأمراض التي قد يتعرضون لها فإنه بات من الأهمية بمكان استكشاف مدى تأثير الجينوم الأعلى على مثل هذه المخاطر علاوة على جوانب صحية أخرى. وقال مانوليس كيليس من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا الذي أشرف على بحوث رسم الخريطة الجينية التي ضمت أيضا علماء من كرواتيا وحتى كندا والولايات المتحدة ، قال أن السبيل الوحيد لتحقيق هذه المبادرة هو الجينوم الأعلى. والاختلافات في الجينوم الأعلى أحد الأسباب التي تجعل التوائم المتماثلة، التي لها نفس الحمض النووي الريبوزي (دي إن إيه)، لا تظهر عليها دوما نفس الأمراض الوراثية ومنها السرطان.
"الجينوم الأعلى" للتعرف عن أسباب الأمراض
يقول مانوليس كيليس، المشرف على بحوث رسم الخريطة الجينية، في مقابلة أن العوامل البيئية ونمط المعيشة على مدار حياة الفرد تؤثر على الجينوم الأعلى بما في ذلك التدخين والتمرينات الرياضية وطبيعة الغذاء والتعرض للكيماويات السامة وحتى أسلوب تربية الوالدين. ولا يكفي بأن يفك العلماء شفرة كيفية تأثير الجينوم الأعلى على الجينات فحسب، بل ينبغي عليهم أيضا أن يحددوا كيف تؤثر طبيعة الحياة التي يعيشها الناس على الجينوم الأعلى.
ويشمل الجينوم البشري تسلسلا جينيا لكامل المادة الوراثية على الكروموسومات فيما تكون هذه المادة متماثلة في جميع الخلايا بدءا من الخلايا العصبية وحتى خلايا القلب والجلد. ويقع على عاتق الجينوم الأعلى التمييز بين الخلايا وتحديد تخصصها. وعليه فإنه نظرا لطبيعة مواصفات هذا الجينوم فإن خلايا عضلة القلب مثلا لا تنتج المواد الكيميائية الخاصة بالمخ كما أن الخلايا العصبية لا تتولى صنع الألياف العضلية.
ووجد باحثون آخرون أنه نظرا لأن تفاعل الجينوم الأعلى في مختلف أنواع الخلايا متفرد فإن بوسعهم أن يتوقعوا بنسبة دقة تصل إلى نحو 90 في المائة الموضع الأصلي الذي نشأت عنه الخلايا السرطانية الثانوية وهو أمر غير معروف بالنسبة إلى 2 حتى 5 في المائة من المرضى. وقال شامل سوناييف المشارك في هذه الدراسة، وهو باحث في علم الوراثة في بريجهام ومستشفى النساء في بوسطن، أنه نتيجة لذلك فإن المعلومات الخاصة بالجينوم الأعلى قد تقدم طوق النجاة لإنقاذ الحياة بالنسبة إلى أطباء الأورام الذين يحاولون تحديد العلاج. إلا أن المستقبل يحمل في جعبته الكثير، إذ بدلا من أن تكون خريطة الجينوم الأعلى هي نهاية المطاف يقول كيليس أنه يتوقع أنها ستكون بداية عقد من علم الجينوميات العليا.
ع.اع/ ط. أ (رويترز)