أكبر من مؤامرة… إنّه تحالف الأشرار
المصدر
جليّ جلاء الصباح الربيعي حجم «التعاون» القائم بين الصهاينة وآل سعود، ولم يعد خافياً على القاصي والداني أن ثمة قنوات اتصال في ما بين «إسرائيل» و«مملكة الرمال»، لم تنقطع حتّى في أوج الأعمال العدوانية الصهيونية التي طاولت لبنان وأطفال فلسطين، وسورية، وحتّى العراق.
ومؤخّراً، كثر الحديث عن تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن ضلوع المملكة العربية السعودية في تمويل تنظيم «القاعدة» الإرهابي، ناقلةً ذلك عن إرهابيّ قاعديّ هو زكريا موسوي.
وعلى رغم أنّ المملكة نفت نفياً قاطعاً ما ورد في التقرير، لا بل شجبته ودانته، ووصفت موسوي بالمختلّ عقلياً، إلا أنّ الوقائع تثبت عكس ذلك، خصوصاً اهتمام الصحافة العبرية بالمتغيرات الحاصلة في المملكة عقب رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتنصيب سلمان ملكاً على السعوديين.
ولعلّ ما قاله السفير «الإسرائيلي» السابق لدى الولايات المتحدة والمستشار المقرّب من بنيامين نتنياهو لصحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، جزءٌ من نظرة الصهاينة إلى التعاون مع أيّ كان في سبيل تحقيق مآربها.
يقول أورين: «إن الخطر الرئيسي لإسرائيل يأتي من الهلال الشيعي الذي يمتد من طهران مروراً بدمشق وحتى بيروت، ونحن نرى أن نظام الأسد هو حجر الزاوية في هذا القوس. ونريد أن يغادر الأسد حكم سورية حتى لو جاء أشرار آخرون إلى السلطة ولو كانوا ينتمون إلى تنظيم القاعدة».
أما سيما شاين ـ مسؤولة الملف الإيراني في وزارة الشؤون الاستراتيجية «الإسرائيلية» ـ فتقول: «كان هدف «إسرائيل» في المنطقة وما زال، انتشار الفوضى والصراع في الدول المحيطة بها، والبقاء على انقسام أعدائها من الإسلاميين ومحاربتهم بعضهم بعضاً، ما يجعل من المستحيل أي اتحاد في ما بينهم ضدّها».
في التقرير التالي ثلاثة مواضيع مترجمة. الأول مقال لروبرت باري، حول التعاون الصهيوني ـ السعودي ومداه وخباياه. والثاني ليس إلا تقرير «واشنطن بوست» الذي أشرنا إليه آنفاً. أما الثالث فمقال مقتبس من «هاآرتس» العبرية حول الخطوات السريعة التي اتخذها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في الجسم الحاكم.
تحالف الأشرار
يقول روبرت باري:
إن نشر وسائل الإعلام اعتراف زكريا موسوي ـ العضو الناشط في تنظيم «القاعدة» ـ بأن السلطات السعودية موّلت التنظيم في أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١، يتوقع أن يمهّد لحدوث تغيير في الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة إزاء منطقة الشرق الأوسط، كما يمثل بشكل أو بآخر، خطراً على حكومة «الليكود» في «إسرائيل» التي أقامت تحالفاً غير متوقع مع بعض القيادات السعودية.
ووفقاً لما نشر في صحيفة «نيويورك تايمزز في عدد ٤ شباط ٢٠١٥، فإن موسوي قال في اعترافه أنه تم اختياره في عام ١٩٩٨ أو ١٩٩٩ من قبل قادة تنظيم «القاعدة» في أفغانستان لإنشاء قاعدة بيانات حاسوبية لمجموعة المانحين للتنظيم وقتذاك، ويضيف أن القائمة تضمنت أسماء الأمير تركي الفيصل الذي كان مديراً للاستخبارات السعودية آنذاك، والأمير بندر بن سلطان الذي عمل سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة لفترة طويلة، والملياردير الشهير الأمير الوليد بن طلال، فضلاً عن عددٍ من الشخصيات الدينية.
وعلى رغم أن السعودية شككت في مصداقية اعترافات موسوي على الفور، إلّا أن تصريحاته تتسق مع تأكيدات بعض أعضاء الكونغرس الأميركي الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الجزء السري من التقرير الخاص بنتائج التحقيق في هجمات ١١ أيلول، والمرتبط بقضية الدعم السعودي المزعوم لتنظيم «القاعدة».
الأمر الذي يزيد من تعقيد وضع المملكة العربية السعودية، أنه في الآونة الأخيرة، تم توجيه اتهامات إليها وإلى الإمارات وقطر بتمويل المسلحين السنّة الذين يقاتلون في سورية لإسقاط نظام حكم بشار الأسد. والقوة المسلحة الرئيسية في تلقي هذا الدعم هي «جبهة النصرة»، الفرع التابع لتنظيم «القاعدة» في سورية.
وبعبارة أخرى، يبدو أن السعوديين مستمرين في علاقاتهم السرية مع «الجهاديين» المرتبطين بتنظيم «القاعدة» حتى اليوم.
مثل السعوديين، بدأ «الإسرائيليون» يقفون إلى صف المسلحين المعارضين لبشار الأسد، لأنهما يشتركان في رؤية أن خطر إيران و«الهلال الشيعي» ـ الذي يمتد من طهران وبغداد إلى دمشق وبيروت ـ أكبر تهديد لمصالح كل منهما.
وقد دفع هذا الاهتمام المشترك بين «إسرائيل» والسعودية للدخول في تحالف الأمر الواقع. وعلى رغم أن التعاون بينهما كان سرّياً في الغالب، ففي بعض الأحيان كان يمكن ملاحظة التكامل بين جهود كل منهما في المناطق التي تجمع بين المصالح المشتركة لهما. فبينما يستخدم السعوديون النفط والمال، تتعامل «إسرائيل» بثقلها السياسي والإعلامي في تلك القضايا.
وفي السنوات الأخيرة، تجمع هؤلاء الأعداء التاريخيين على عدة أهداف منها: معاداة حكومة الإخوان المسلمين في مصر التي أطيح بها في انقلاب عسكري عام ٢٠١٣ ، والعمل على إسقاط نظام الأسد في سورية، وبذل الضغوط على الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر عدائية تجاه إيران.
كما جمع بين «إسرائيل» والسعودية أيضاً، الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ينظَر إليه على أنه الداعم الرئيسي لكل من إيران وسورية. إذ استخدم السعوديون قوتهم النفطية بخفض الأسعار لضرب الاقتصاد الروسي، في حين عملت «إسرائيل» من خلال الحركات والأحزاب الأوكرانية المرتبطة بها على الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في عام ٢٠١٤.
التحالف «الإسرائيلي» ـ السعودي تحالف سرّي وغير مريح للكثيرين. ويذكر هنا أن حكومتَي البلدين تقفان في صف المسلحين السنّة الذين يقاتلون النفوذ الشيعي في سورية ولبنان والعراق. ففي ١٨ كانون الثاني ٢٠١٥، على سبيل المثال، هاجمت «إسرائيل» مستشارين عسكريين لبنانيين وإيرانيين يدعمون حكومة الأسد في منطقة القنيطرة جنوب سورية، ما أسفر عن مقتل ستة من قيادات حزب الله اللبناني وأفراده. ويشارك هؤلاء المستشارين العسكريين في عمليات ضدّ «جبهة النصرة».
وفي الوقت نفسه، تمتنع «إسرائيل» عن مهاجمة مسلّحي «جبهة النصرة» الذين يسيطرون على أراضٍ سورية كثيرة قرب مرتفعات الجولان التي تحتلها «إسرائيل». وقال مصدر مقرّب من الاستخبارات إن هناك اتفاقاً ينصّ على أن «إسرائيل» لديها «اتفاقية عدم اعتداء» مع قوات «جبهة النصرة».
التحالفات الغريبة للمصالح «الإسرائيلية» مع دول وحركات سنّية شهدت تطوّراً خلال السنوات الأخيرة، وظهر ذلك في تحالف «إسرائيل» مع السعودية ومصر والإمارات، وجاء تحالفها مع الرياض باعتبار وقوفهما في خندق واحد في الصراع الجيوسياسي ضدّ إيران الشيعية وحلفائها في العراق وسورية وجنوب لبنان. ففي سورية، على سبيل المثال، من الواضح أن المسؤولين «الإسرائيليين» يفضّلون تقدم المسلحين السنّة في الحرب بدلاً من الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية إحدى فروع المذهب الشيعي.
ففي أيلول ٢٠١٣، صرح مايكل أورين، السفير «الإسرائيلي» السابق لدى الولايات المتحدة والمستشار المقرّب من بنيامين نتنياهو لصحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، بأن «إسرائيل» تفضّل المتطرّفين السنّة على الأسد.
وخلال حوار مع الصحيفة أضاف أورين: «إن الخطر الرئيسي لإسرائيل يأتي من الهلال الشيعي الذي يمتد من طهران مروراً دمشق وحتى بيروت، ونحن نرى أن نظام الأسد هو حجر الزاوية في هذا القوس. ونريد أن يغادر الأسد حكم سورية حتى لو جاء أشرار آخرون إلى السلطة ولو كانوا ينتمون إلى تنظيم القاعدة».
كما كرّر أورين تصريحاته تلك في حزيران ٢٠١٤، حين كان يتحدث بصفته سفيراً سابقاً لـ«إسرائيل» في مؤتمر «معهد آسبن»، حين قال بصراحة إنه «في أي صراع بين الجهاديين السنة والشيعة الإيرانيين، فإن الفريق الأول أهون الشريّن بالنسبة إلى إسرائيل، إنهم جميعا أشرار، ولكننا نعمل دائماً على إسقاط بشار الأسد، ونفضّل دائماً الأشرار الذين لا تدعمهم إيران عن الأشرار الذين تدعمهم».
وفي السنة الماضية أيضاً، قالت سيما شاين مسؤولة الملف الإيراني في وزارة الشؤون الاستراتيجية «الإسرائيلية» إن البديل لإسقاط الأسد، تدفق الجهاديين على سورية ليس جيداً لـ«إسرائيل». وعلى كل الأحوال، ليس لدينا خيارات جيدة في سورية. ولكن بقاء الأسد جنباً إلى جنب مع الإيرانيين هو الخيار الأسوأ، والاطاحة به تمثل ضغوطاً هائلة على إيران.
كل ما سبق ينبغي ألّا يمثل مفاجأة كبيرة لمن يتابع مكائد «إسرائيل» في المنطقة، فمنذ فترة طويلة كان من المعروف أن «الإسرائيليين» يعملون على إشعال الحرب الأهلية في سورية، وسيشمتون بأي نتيجة لهذه الحرب.
وكان هدف «إسرائيل» في المنطقة وما زال، انتشار الفوضى والصراع في الدول المحيطة بها، والبقاء على انقسام أعدائها من الإسلاميين ومحاربتهم بعضهم بعضاً، ما يجعل من المستحيل أي اتحاد في ما بينهم ضدّها.
في آب ٢٠١٣، عندما نشرت للمرّة الأولى مقالاً عن العلاقة المتنامية بين «إسرائيل» والمملكة العربية السعودية، استقبل هذا المقال بالشك من قبل الكثيرين.
لكن شيئاً فشيئاً، خرج هذا التحالف السري إلى العلن وتكلمت عنه وسائل إعلام عدّة.
وفي الأول من تشرين الأول ٢٠١٣، لمّح رئيس الوزراء «الإسرائيلي» إلى هذا التحالف في خطابه أمام جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي خصّصت لمناقشة البرنامج النووي الإيران والتهديد بشنّ هجوم «إسرائيلي» أحادي الجانب عليها.
وقال نتنياهو في خطابه: «… وقد تسببت المخاطر المترتبة على البرنامج النووي الإيراني وغيره من التهديدات الناشئة في المنطقة أن عدداً من جيراننا العرب اعترفوا أخيراً بأن إسرائيل ليست عدواً لهم. وهذا يعطينا فرصة للتغلب على العداء التاريخي وبناء علاقات جيدة، وتفتح هذه الصداقات الجديدة آمالاً أمام مستقبل إسرائيل».
وفي اليوم التالي، ذكرت «القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي»، أن مسؤولي الأمن «الإسرائيليين» اجتمعوا في القدس مع نظرائهم بإحدى الدول الخليجية، ويعتقد أنه كان الأمير بندر، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة والذي كان رئيساً للاستخبارات السعودية آنذاك.
والآن بدأت وسائل الإعلام تتكلم عن هذا التحالف بشكل متكرّر. مثلما كتب جو كلاين مراسل مجلة «تايم» في عدد ١٩ كانون الثاني ٢٠١٥ ، وقال إنه حضر نقاشاً ساخناً في ٢٦ أيار ٢٠١٤ في بروكسل بين ممثلين سابقين للسياسة العليا في «إسرائيل» والسعودية عاموس يادلين والأمير تركي الفيصل واستمر النقاش لأكثر من ساعة ودار النقاش بوساطة الصحافي في «واشنطن بوست» ديفيد أغناتيوس. وخلال النقاش اختلفا على بعض النقاط، مثل تفاصيل اتفاق السلام بين «إسرائيل» وفلسطين، واتفقا على نقاط أخرى من بينها التهديد النووي الإيراني على كل من السعودية و«إسرائيل»، والحاجة الشديدة لدعم النظام العسكري الجديد في مصر، وضرورة تنسيق عمل دولي مشترك في سورية. وكان أكثر ما يلفت، تصريح الأمير تركي بأن العرب لا يريدون محاربة «إسرائيل»!
«واشنطن بوست» وزكريا موسوي
وفي ما يلي، بعضٌ ممّا كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلاَ عن زكريا موسوي، أحد إرهابيي تنظيم «القاعدة» حول دور لعبه عدد من أفراد عائلة آل سعود في تمويل التنظيم الإرهابي.
ونقلت الصحيفة الأميركية في تحقيق لكاتبها سكوت شين عن الإرهابي المدان في الولايات المتحدة الأميركية، المدعو زكريا موسوي، قوله إن عدداً من أفراد عائلة آل سعود، يُعتبرون من الجهات المانحة الرئيسة لشبكة «القاعدة» الإرهابية. كاشفاً عن قيامه بمناقشة خطة لإسقاط طائرة الرئاسة الأميركية «إير فورس وان» بصاروخ من طراز «ستينغر»، مع موظف في السفارة السعودية في واشنطن.
وأفاد الكاتب أنّ عضو تنظيم «القاعدة» المدعو زكريا موسوي أرسل خطاباً السنة الماضية إلى القاضي في المحكمة الاتحادية الأميركية في نيويورك جورج بي دانيالز، والذي يترأس دعوى قضائية رفعها أقارب قتلى هجمات الحادي عشر من أيلول عام ٢٠٠١ ضدّ السعودية، قال فيه إنه يريد الإدلاء بشهادته في القضية. وبعد مفاوضات مطوّلة مع المسؤولين في وزارة العدل والمكتب الاتحادي للسجون، سُمح لفريق من المحامين بدخول السجن واستجوابه لمدة يومين في تشرين الأول الماضي، مبيّناً أنه كان يوصل رسائل من زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن إلى عدد من أفراد عائلة آل سعود بينهم الملك الجديد الحالي سلمان بن عبد العزيز.
كما نقل الكاتب عن موسوي قوله خلال شهادته في السجن إنه تم توجيهه بين عامَي ١٩٩٨ و١٩٩٩ من قبل قادة تنظيم «القاعدة» في أفغانستان لإنشاء قاعدة بيانات رقمية للجهات المانحة للتنظيم، ومن بين هؤلاء الاشخاص الذين أدرِجت أسماؤهم في قاعدة البيانات، كان الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية في ذلك الوقت، والأمير بندر بن سلطان السفير السعودي منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة، والأمير الوليد بن طلال المستثمر الملياردير، وعدد من رجال الدين البارزين في البلاد.
وأضاف موسوي إن أسامة بن لادن كان يريد الاحتفاظ بسجلّ حول الذين يقدّمون المال، موضحاً أنه شغل منصب «ساعي بريد» لابن لادن، إذ كان يحمل رسائل شخصية إلى الأمراء ورجال الدين السعوديين البارزين.
وقال موسوي كما نقل عنه كاتب صحيفة «نيويورك تايمز»، إنه ساعد في إجراء محاولة تفجير قنبلة تزن ٧٥٠ كيلوغراماً لهجوم مخطّط له بشاحنة ملغمة على السفارة الأميركية في لندن، باستخدام السلاح نفسه المستخدم في هجمات تنظيم «القاعدة» عام ١٩٩٨ على السفارات الأميركية في كينيا وتنزانيا، كما درس أيضاً إمكانية شنّ هجمات بطائرات رشّ المحاصيل.
كما نقل الكاتب عن موسوي قوله إنه التقى مسؤولاً من وزارة الشؤون الإسلامية في السفارة السعودية في واشنطن عندما زار المسؤول السعودي قندهار من أجل العثور على المكان المناسب لشنّ هجوم «ستينغر».
وعلّق الكاتب الأميركي شين على ما كشفه الإرهابي السعودي المذكور بقوله إنه كان هناك دليل منذ فترة طويلة على أن السعوديين الأثرياء قدّموا الدعم لابن لادن و«القاعدة» قبل هجمات عام ٢٠٠١ وأن السعودية عملت بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لتمويل المسلحين الإسلاميين ضدّ الاتحاد السوفياتي السابق وجيشه في أفغانستان عام ١٩٨٠. إلّا أنّ مدى التدخل السعودي في تنظيم «القاعدة» وطبيعته وما إذا كان يمتد إلى التخطيط لهجمات ١١ أيلول وتمويلها كان موضوع خلاف.
وأضاف الكاتب إنه في حال تم الحكم بمصداقية شهادة موسوي، فإنها توفر تفاصيل جديدة عن مدى هذا الدعم وطبيعته في مرحلة ما قبل أحداث أيلول وتضيف أكثر من ١٠٠ صفحة من الشهادات التي رفعت إلى المحكمة الاتحادية في نيويورك الاثنين الماضي.
ورأى الكاتب أن شهادة موسوي تأتي في وقت حسّاس من العلاقات السعودية الأميركية وبعد أقل من أسبوعين من وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وخلافة أخيه الملك سلمان، متحدثاً عن حدوث ما وصفه بتوتر بالعلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ومسؤولي آل سعود في الآونة الأخيرة. وقال إنه كان هناك في كثير من الأحيان توتر بين القادة السعوديين وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ الأحداث التي شهدتها الدول العربية ٢٠١١ والجهود المبذولة للتعامل مع تلك الاضطرابات في المنطقة.
يشار إلى أن موسوي، فرنسي المولد، واعتقل قبل أسابيع من هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١ بتهم تتعلق بالهجرة في ولاية مينيسوتا. حتى أنه كان في السجن وقت وقوع الهجمات، وحصل على دروس في الطيران، وتم تحويل مبلغ وقدره ١٤ ألف دولار إليه من قبل خلية لـ«القاعدة» في ألمانيا، ما شكّل دليلاً على أنه قد تم إعداده ليصبح واحداً من الخاطفين.
وتابع الكاتب إن أعضاء سابقين من مجلس الشيوخ مثل بوب غراهام من فلوريدا وبوب كيري من ولاية نبراسكا ومسؤول البحرية السابق جون ليمان أكدوا أن هناك حاجة إلى المزيد من التحقيق في شأن علاقات السعودية بمؤامرة هجمات الحادي عشر من أيلول. لافتاً إلى أن غراهام كان حينئذ رئيساً مشاركاً في لجنة تحقيق الكونغرس في الهجمات، بينما كان كيري وليمان ضمن لجنة تلك الهجمات.
وفي حينه، قال بوب غراهام: «أنا على قناعة بأنه كان هناك خط مباشر بين بعض الإرهابيين الذين نفّذوا هجمات ١١ أيلول على الأقل والحكومة السعودية». مطالباً بنشر تقرير الكونغرس المؤلف من ٢٨ صفحة حول الهجمات والذي يكشف علاقة السعودية بالهجمات.
وتشير التقارير الصحفية إلى أن نظام آل سعود بدأ منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في القرن الماضي، بدعم الإرهاب العالمي وتمويله من أجل نشر الفكر الوهابي المتطرّف، بغض النظر عن عدد الأرواح والخسائر التي تحصدها التنظيمات الإرهابية.
فرح في المملكة
كيف ينظر الإعلام الصهيوني إلى المتغيّرات في السعودية، خصوصاً بعد استبعاد بندر بن سلطان عن المشهد السياسي، لا سيما الاستخباري.
كتب تسفي برئيل في «هاآرتس»:
أضيف إلى قائمة التقارير الطبية غير الرسمية عن سلمان، ملك السعودية، تقرير بأنه مصاب بمرض آلزهايمر، وهو مشلول في إحدى يديه من جرّاء جلطة دماغية، ويعاني من مرض السكري. باختصار، لم يتبق كما يبدو للملك ابن الـ٧٩ سنة فترة طويلة من حياته.
صحيح أن تقارير مشابهة نشرت عن سلفه الملك عبد الله الذي تجاوز الفترة التي أعدّت له، لكن يتّضح أن سلمان، الذي كما يبدو كان على نزاع مع عبد الله، قد سارع، حتى أنه يسرع جدّاً، إلى إعداد الميراث المقبل. كخطوة أولى، حتى قبل أن يبحث في مواضيع مصيرية مثل أزمة النفط، الحرب في سورية أو النزاع مع الأردن، أصدر الملك أوامر عزل وتعيينات جديدة لعشرات الأمراء في المملكة. بصورة غير مفاجئة، غالبية المعزولين كانوا مقرّبين من الملك عبد الله. مثلاً قام بعزل ابنين من ابناء عبد الله ـ مشعل الذي كان حاكماً لمدينة مكة، وتركي الذي كان حاكماً لمدينة الرياض العاصمة ـ وكذلك خالد بن بندر الذي كان رئيس الاستخبارات، وبندر بن سلطان الذي كان رئيس جهاز الاستخبارات السابق وبعد ذلك السكرتير العام لمجلس الأمن القومي.
هذه التغييرات لم تأت من فراغ، فالحديث يدور عن برنامج مرتب، فقط انتظر موت الملك من أجل أن يتحقق. ومن خلف هذا البرنامج يقف هدف مزدوج. أولاً، تطهير البلاط من رجال الملك عبد الله، وعلى رأسهم ابنه متعب، الذي كان يتوق للوصول إلى رأس هرم السلطة عن طريق تعيينه ولياً للعهد في المستقبل. ثانياً، إغلاق الحسابات مع عدد من أعداء سلمان، الذين تآمروا على إبعاد الجناح السديري من الحكومة، أبناء الأميرة حاسة السديري، وهي واحدة من عشرات زوجات الملك المؤسس عبد العزيز. هؤلاء «المتآمرون» ومن ضمنهم متعب ورئيس البلاط الملكي وخالد التويجري وبندر بن سلطان، الذي كان طوال عشرات السنين سفير السعودية في واشنطن ورجل الاتصال الاكثر أهمية بين المملكة والإدارة الأميركية، وكذلك محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد حاكم دولة الإمارات العربية. «المتآمرون» ركزوا جهودهم على نايف بن سلطان، الذي كان وزير داخلية قوياً، وبعد موته ـ علا ابنه محمد بن نايف الذي خلفه في المنصب. لقد خافوا أنه كابن لأحد الأمراء السديريين أنّ من الممكن لمحمد بن نايف أن يرث الحكم، وبهذا يتم وضع نهاية لطموحاتهم.
إن العلاقة بين وليّ عهد دولة الإمارات وبين المتآمرين تأسست قبل سنين عدّة، عندما قرّر محمد بن زايد أن عليه إنشاء تحالف سعودي إماراتي مكوّن من أبناء الجيل الشاب، يقوم بإملاء الخطوات السياسية في المنطقة. إبن زايد، وهو واحد من أثرياء دول الخليج، تبنّى الأميرين بندر ومتعب ورئيس البلاط الملكي والتويجري الذي كان مثابة الحاجب الذي يقرر من يقابل الملك ومن لا يقابله، وأنفق عليهم أموالاً طائلة. كانت تلك مجموعة متكتلة جداً ومصممة، تلقت ضربة قوية عندما قرر الملك عبد الله عزل بندر من رئاسة الاستخبارات بسبب فشله في إدارة الأزمة في سورية. حالياً الأمير متعب وكذلك طباخ المؤامرات التويجري، تم إبعادهم عن مناصبهما على رغم أن متعب يواصل عمله كوزير مسؤول عن الحرس الملكي ، بقي لمحمد بن زايد القليل من الأمراء في المملكة السعودية. العلاقة بين المجموعة السعودية وبين زايد توضح ليس فقط التوق للحفاظ على مكانتهم في السلطة من قبل أبناء عائلة عبد الله المتوفى، إنما أيضاً بهدف تقليص قوة المدرسة الوهابية المتشددة في المملكة. الجيل الشاب الذي تعتبر هذه المجموعة المطرودة منه ترى في الملك سلمان ومقربيه من العائلة ـ لا سيما الامير محمد بن نايف ـ محافظون يعارضون رياح التطور التي تتأجج في أوساط الشباب السعودي.
كما أن الاختلافات السياسية تميز الملك الجديد عن خصومه، مثلاً سلمان يعارض العقوبات التي فرضت على قطر وكان يعتقد أنه يمكن إخضاعها لإرادة المملكة بطرق ليّنة. كما أنه لا يعارض التعاون بين السعودية وإيران، خلافاً لموقف عبد الله. الخوف من تحول السياسة السعودية تجاه إيران وربما أيضاً العلاقة مع الاخوان المسلمين يقلق المصريين الذين تلقوا دعماً غير محدود من الملك عبد الله، الذي أعلن عن الحركة في السعودية كتنظيم إرهابيّ.
بحسب بعض المصادر، فإنّ حاكم دولة الإمارات عارض اتفاق المصالحة مع قطر، وبحسب رأيه، قطر لم تعرض أيّ تنازلات من جانبها مقابل هذا الاتفاق. وفي ردّه على الاتفاق، سعى حاكم دولة الإمارات إلى تطوير علاقات بلاده مع إيران، كما أنه دعم المتمردين الحوثيين في اليمن، خلافاً لموقف الملك عبد الله. يمكن أن نضيف إلى الخلاف بين الإمارات والسعودية تصريحات محمد بن زايد التي تم الكشف عنها في وثائق «ويكيليكس» التي اعتبر فيها الامير نايف، شقيق الامير سلمان، قرداً بقوله إن نظرية داروين عن أصل الانسان صحيحة بالنسبة إليه.
لا يسود الهدوء الآن في المملكة السعودية، ولن يكون الامر مملاً في الزمن القريب. المشكلة هي أن شبكة العلاقات الشخصية هذه يمكن أن يكون لها تأثير هام على التطورات في المنطقة، لا سيما أن السعودية تحولت إلى محور مركزي تدور حوله المعارك السياسية.