حرب الجرعات على رقعة الشطرنج السورية.
سعد الله الخليل
ثلاث مراحل تحكم لعبة الشطرنج مترابطة من الافتتاحية إلى الوسطى فمرحلة النهايات، فبعد النقلات التمهيدية المدروسة تبدأ مرحلة المناورات والهجوم والدفاع، وللوصول إلى النهايات لا بدّ من نشر القطع باهتمام، وهو ما يحكم اللعبة، فاللاعب الذي يغفل أهمية نشر قطعه سيخسر بسرعة، لأنه لم يستغلّ إمكانياتها، وكذلك من الأهمية تأمين منطقة الوسط كأحد أهمّ القواعد التي تحكم اللعبة مع مراعاة عدم تحريك القطعة أكثر من مرة مع الحفاظ علي شبكة الجنود وشكلها، وهذه قواعد عامة تحكم لعبة الشطرنج.
على الأرض السورية تتحوّل المعركة إلى رقعة شطرنج تغيب عنها القواعد العسكرية التقليدية، وتتشابك فيها الجبهات وتضيق حدود التمركز لطرفي القتال، وحدود الجبهات نقاط التثبيت، وهو ما فرض على الجيش العربي السوري تكتيكات مختلفة عن نظيراتها في الحروب التقليدية، تقوم على فتح جبهات وفق ما تقتضيه الظروف وسير المعارك، في خطى ونقلات مدروسة تحافظ على المكاسب، وعلى قوة الوحدات العسكرية بما يضمن لها القدرة على المواجهة الطويلة الأمد، بعيداً عن الاستنزاف، وهو ما سمح لوحدات الجيش السوري بالمواجهة خلال السنوات الأربع من عمر الأزمة.
خلال عمر الأزمة السورية ثمة تساؤلات واستفسارات رافقت عمليات الجيش السوري حول إبقاء جبهات القتال مفتوحة واعتماده على تكتيك الجرعات بدلاً من إنهاء تلك الجبهات قبل الانتقال لفتح جبهة أخرى، ربما يعتقد البعض أنّ ما يجري من باب الفشل في حسم أيّ معركة، أيّ أنّ إبقاء الجبهات مفتوحة يعزز مقولة لا غالب ولا مغلوب على الأرض بانتظار التسويات، وهو منطق جزء كبير من المعارضة السورية، ربما يكون في كلامهم شيء من الحقيقة، ولكن هل يمكن لعاقل أن يقتنع بأنّ من نجح في إنهاء 90 من بؤر داريا وجوبر عاجز عن إتمام المهمة؟ بالطبع لا، ولعلّ هذا المنطق يطرح سؤالاً في المقلب الآخر، وهو طالما أنّ الخطر الحقيقي زال وما بقي في داريا وجوبر لا يشكل خطراً على المشهد الكامل فما جدوى إشغال القوات في معركة مع جيوب كفيلة الأيام والحصار بإنهائها…؟
استراتيجية الجيش السوري في معارك الجرعات نجحت في كسر الوفاق بين المجموعات المسلحة في أكثر من مكان وزعزعة تحالفاتها، فالضربات المركزة على دوما كانت كفيلة بانشقاق جماعات «جيش الأمة» عن «جيش الإسلام» ووقوع حرب إبادة بينهما، استنجد خلالها «جيش الأمة» بالجيش السوري لحماية عناصره وعائلاتهم واستعداده للقتال مع الجيش، وهو ما حصل في ريف حلب الشمالي، فالمواجهات بين الجيش السوري والمسلحين، دفعت جماعات المسلحين إلى التطاحن، كصراع «داعش» و«الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين» في القرى المحيطة بمدينة مارع، وفي الجنوب الحلبي بمعارك «أحرار الشام» و«جيش المجاهدين» و«الأنصار»، ولعلّ القتال العنيف بين «حركة حزم» و«جبهة النصرة» وتحميلها مسؤولية هزائمها، خير دليل على نجاح استراتيجية الجيش بعدم السير بالمعارك حتى النهاية، فقتال المجموعات يسمح للجيش بتوجيه تلك القوى باتجاه مناطق أكثر خطورة تحقق مكاسب كبرى.
ولعلّ المنطق يقول بدلاً من المناورة لكسر جندي على الرقعة لماذا لا أشنّ هجوماً لكسر القلاع في الجبهات المقابلة، وهذا ما كان في الجنوب والشمال، ففي الجنوب شكلت معركة تل البزاق منتصف الشهر الماضي نقطة تحوّل في مسار المعركة مُنيت خلالها «جبهة النصرة» بهزيمة كبرى منهية مرحلة الهجوم الطويل في الجنوب السوري، لتنتقل الى حالة الدفاع فالاندحار في ريف القنيطرة وبلدة دير ماكر الاستراتيجية عبر التقدم من سبعة محاور، وبالسيطرة على تلال فاطمة ودير ماكر تصبح معركة مدينة الشيخ مسكين حتمية وفاصلة للتوجه نحو الطرف الآخر من التلال المحاذية لفلسطين المحتلة، وأهمّها الوصول إلى معبر القنيطرة الحدودي واستعادة تل الحارة الاستراتيجي والذي سيحسم سقوطه معركة الجنوب.
من الجنوب إلى الشمال يستمرّ الجيش السوري بنجاحاته على كامل الأراضي السورية قاطعاً الطريق أمام مشاريع الأعداء ما يجعل حرب الجرعات على رقعة الشطرنج السورية تسير وفق خطته بانتظار اللحظة الحاسمة ليقول: كش ملك… اللعبة انتهت.
المصدر