تأسست في مكة منذ 146 عاماً وفصولها عبارة عن "كتاتيب"
"الصولتية".. مدرسة وَصَفَها الملك عبدالعزيز بـ"أزهر السعودية"
هادي العصيمي- سبق- مكة المكرمة: تُعَدّ المدرسة "الصولتية" في مكة المكرمة إحدى أقدم المدارس على مستوى السعودية والعالميْن العربي والإسلامي؛ حيث تتكون من مجموعة "كتاتيب" تتسم ببساطة فصولها، وحلقات ذكرها، وجلوس طلابها على الأرض.
وقد تأسست المدرسة قبل 146 عاماً من خلال مبادرة شخصية لمؤسسها الأول "الشيخ محمد"، وهي تهتم بتحفظ القرآن، وتجويده وتعليم المبادئ الأولية في كتب الشريعة.
السلطان عبدالحميد
وكان السلطان العثماني عبدالحميد يقدّم الدعم للمدرسة ويسدد نفقاتها، كما أن المدرسة اعتمدت على تبرعات الحجاج.
وقد وصفها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -بعد أن زارها- بأنها "أزهر السعودية" أسوة بمدرسة الأزهر المصرية آنذاك؛ وذلك نظراً لشدة إعجابه بالنهج التعليمي لحفظ كتاب الله والسنة النبوية.
قصة الثرية الهندية
وكانت بداية "الصولتية" عبر مجموعة من "الكتاتيب" الصغيرة داخل الحرم المكي عام 1290هـ، ثم اشترت الثرية الهندية "صولة النساء" -التي سُميت المدرسة على اسمها- قطعة أرض، وتبرعت بها للمدرسة في حي الشبيكة.
وهذا هو المكان الذي لم تفارقه المدرسة منذ عام 1431هـ؛ حيث بدأت نشاطها بمائة طالب ثم أصبح حالياً يدرس بها ألف طالب.
وتستقطب المدرسة الطلاب من جميع الجنسيات، وبلغات متفرقة، كما أن مدّرسيها والمشايخ بها يتحدثون أكثر من لغة ولهجة بجانب اللغة العربية.
الجثوّ على الركب
وتتميز طريقة التدريس في "الصولتية" بأنها تقتبس طريقة السلف الصالح، وما كان متبعاً قديماً في الحرمين الشريفين وفي الجوامع والمساجد، من خلال الجثوّ على الركب؛ مما يزيد الطلاب أدباً واحتراماً وتواضعاً أثناء طلب العلم.
واقتبست المدرسة مناهجها في حفظ القرآن، وكتب التوحيد، والفقه، والتفسير، والحديث من أساسيات التعليم الإسلامي.
تخريج دعاة وعلماء وقضاة
ويفخر الحفيد الثالث لمؤسس المدرسة الصولتية والمشرف الحالي على الوقف ومديرها ماجد رحمة الله عليه، بأن المدرسة خرّجت علماء ودعاة وقضاة، أصبحوا بارزين في مجالاتهم في بلدانهم.
وعن طبيعة الدراسة، قال "ماجد" رحمه الله لـ"سبق": "الدراسة ترتكز على حفظ كتاب الله أولاً من المرحلة الابتدائية من خلال حفظ 15 جزءاً، وبعد التخرج يدخل الطالب المرحلة المتوسطة، ويدرس الطالب لمدة أربع سنوات، ويتم حفظ القرآن كاملاً، ثم يلتحق بمرحلة الثانوية القسم الديني ويدرس الطالب لمدة سنتين في "الثانوي العالي"، ويدرس الطالب كتب الحديث الستة (البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي، وأبو داوود، وبلوغ المرام، وكتب الفقه، والمذاهب الأربعة)، كما يدرس كتب النحو (التحفة السنية، وكتاب قطر الندى، وشرح ابن عقيل، وكذلك كتب التفسير مثل كتاب تفسير الجلالين كاملاً، وكتب تفسير ابن كثير، وكتب التجويد والأعراب".
وأضاف "ماجد": "نركز على الخط والإملاء والتعبير، ثم حفظ الأحاديث الشريفة والمتون".
وأردف: "الصولتية" مدرسة عريقة، وتُعَدّ أحد أبرز المحاضن التعليمية والتربوية في تاريخ التعليم النظامي السعودي".
الدراسة مجاناً
وقال "ماجد" رحمه الله: "المدرسة "الصولتية" تدرّس الطلاب مجاناً، ولا يوجد لها داعم ثابت من أي جهة، فقط الكتب تأتي من وزارة التعليم السعودية، وتعتمد في مصروفاتها على الوقف الخيري والمردود المالي الذي تحصل عليه من تأجير العمائر في المواسم".
وأضاف: "يتم إنفاق الدخل على المدرسة في مختلف مراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية والعالية. وحصلت على المركز الأول في المسابقات كجمعية تحفيظ القرآن، وقيم الأخلاق النبوية، والسيرة النبوية والخط العربي".
خرّيجو المدرسة
ومن أبرز خرّيجي المدرسة: الشيخ العلامة عمر حمدان المحرسي، والشيخ العلامة محمد خليفة نبهاني الذي برع في علم الفلكي ومن علماء مكة المكرمة البارزين، والشيخ العلامة السيد أبو بكر بن سالم البار، والشيخ العلامة عبدالله بن سعيد اللحجي، والعلامة الدكتور سيد محمد عبدالكريم، والشيخ العلامة مصطفى بن أبي زيان التلمساني، والشيخ العلامة حفظ الرحمن الأعظمي، والشيخ محمد أحمد يار، والدكتور قاسم الأهدل رئيس كلية الشريعة في جامعة أم القرى، والدكتور محمد عبيد رئيس قسم الحديث في كلية الشريعة، والشيخ أحمد يماني، والشيخ أحمد هرساني، والشيخ سالم شفي، والشيخ يحيى أمان، والشيخ عيسى رواس، وغيرهم.. كما درس في "الصولتية" كثير من مشايخ وأعيان مكة المكرمة.
الملك عبدالعزيز
وقال "ماجد": "الملك عبدالعزيز عندما دخل مكة المكرمة عيّن خرّيجي "الصولتية" قضاة ومدرسين، وأرسل كثيراً منهم إلى شمال السعودية وجنوبها؛ للتدريس في المدارس التي أنشئت في تلك الفترة".