إغواء النت!
إحدى أكثر المناطق إثارة من الناحية الاجتماعية و كذلك الرومانسية في هذه الأيام ، هي الفضاء التواصلي أو ما يسمى الإنترنت . ففي كل لحظة يمتطي ملايين البشر أمواج الفضاء ، يتبادلون الصلات الاجتماعية أو يقيمون العلاقات الرومانسية فيما بينهم. و في كل دقيقة يتنامى هذا الرقم . فلماذا يشعر الناس بأنهم مرغمون على مغادرة عالمهم الواقعي و غمر أنفسهم في الفضاء المغوي؟ ولماذا تكون العواطف حادة في هذا العالم الذي يبدو تخيلياً ؟
أن الخصائص الرئيسة المسؤولة عن الإغواء الرومانسي للفضاء التواصلي هي التخيلية و التفاعلية و التيسر و الغفلية .
التخيلية التي تلعب دوراً أساسياً في الفضاء التواصلي ، تجعل هذا الفضاء مغوياً ذلك أنها تحررنا من القيود المفروضة من أجسادنا و من سياقاتنا. فنحن بالكاد نجد تقييدات عملية للمخيلة، و بالتالي فإنها تمكننا من رسم صورة لأنفسنا وللآخرين أكثر إيجابية و جاذبية مما هي في الواقع . يمكن للتخيل على الشبكة أن يتمم ، و بطريقة مثيرة ، تفاصيل تبقي شركائنا على النت غامضين .
التفاعلية هي ما يميز الفضاء التواصلي عن حالات الواقع التخيلية الأخرى . هنا الناس لا يتخيلون أنهم مع شخص جذاب فحسب ، في الحقيقة هم يتفاعلون مع هذا الشخص . و أنت تستطيع أن تفعل أشياء في الفضاء التواصلي لن يكون بمقدورك أن تفعلها خارجه . إن تفاعلية الفضاء التواصلي تعزز جانباً حاسماً من العلاقات الرومانسية : التبادلية . فالانجذاب المتبادل هو السمة الأعلى تقديراً في اقتران محتمل- و هذا يصح على كلا الجنسين . و الناس يحبون سماع أنهم مرغوبون . من الأسهل أن نعبر عن التبادلية في الفضاء التواصلي، ذلك أنها تتطلب موارد و أفعالا واقعية أقل ، و إفصاح عن الذات أكثر .
الفضاء التواصلي عبارة عن بيئة بديلة ، متاحة تمنح الناس وصولاً يسيراً للعديد من الخيارات المتوفرة و المرغوبة . فمن السهل و غير المكلف الوصول إلى شركاء مرغوبين و من السهل القيام بالأفعال المرغوبة . يسهل إيجاد شركاء رومانسيين في الفضاء التواصلي أكثر من الجامعات و أماكن العمل و الأسواق . و التسجيل سهل و رخيص . فملايين الناس تنتظرك بتوق على النت في كل لحظة . هم متاحون و من السهل العثور عليهم . ( عليك أن تتذكر طبعاً و كما في الواقع ، معظم هؤلاء الناس لا يناسبوك ) . إن التوفر الكبير يصاحبه تغيرات جديدة كثيرة ، و هذا ما يجعل الفضاء التواصلي أكثر دينامية و تقلقلاً و إثارة .
الغفلية المصاحبة للفضاء التواصلي تخفض من مخاطر النشاطات على النت . و هي تنقص من قابلية الأذى و من ثقل الأعراف الاجتماعية ، و بالتالي تجعل الناس يشعرون بأنهم أكثر أماناً و حرية في أن يتصرفوا وفق رغباتهم . في الظروف العادية خارج النت ، يعد الخوف من العواقب المؤذية و من الإفصاح عن الذات أحد العقبات الرئيسية للعديد من العلاقات الرومانسية القائمة . و بسبب الإحساس الكبير بالأمان ، نجد أن الإفصاح عن الذات أكثر انتشاراً في الفضاء التواصلي ، مما يزيد من الحميمية ، و هذا ما يعزز من إغواء العلاقات من خلال النت .
يمنحنا الفضاء التواصلي بديل سهل و مرغوب للظروف الصعبة في الحياة الواقعية . و عند القيام بمحاولات لنقل هذا البديل إلى الشؤون خارج النت ، قد تختفي بعض المزايا .
و أخيراً ، الفضاء التواصلي يجب أن يتمم الحياة الواقعية لا أن يصبح بديلاً لها. و بالتالي على المرء أن يكون معتدلاً في استخدامه للإنترنت و يحدد الوقت الذي يصرفه فيه . في ظل الإغواء الكبير للفضاء التواصلي يصعب الوصول إلى مثل هذا التحديد على اعتبار أن خطورة الانزلاق على المنحدر عالية جداً .