فوضى النهر:
بعد ان شعر حامد ود الدومة بالملل والكابة من الوحدة في مزرعة جده التى يعمل بها منذ اكثر من سنتين وهى تبعد عن منزله حوالى سته ساعات متواصله من السفر.... خرج قبل منتصف الليل بقليل ليتمشى تعترضه اغصان الحقول فيدفعها بيده اليمنى ثم تصطدم براسه ليزيحها بيده اليسرى يتعثر في الطريق بعد اصطدامه باحدى اﻻفرع على سطح اﻻرض.. لم يشعر بنفسه وهو يبعد من صومعته نصف ساعه من المشى ....
اتاه خرير الماء من بعيد كرائحة زكية انتشرت في المكان زاد حماسه وقتل اﻻحباط الذى ينتابه الى ان وصل الى النهر اقترب اكثر واكثر نظر الى نفسه في مرآة الماء شعر بنفسه تغير كثيرا وتغيرت ملامحه وشكله.. اغمض عينيه برهة فتذكر زوجته وطفلته التى تركها قبل ثلاث سنوات تحبو على اﻻرض..
سقطت دمعه ساخنه من وجهه فجأة فشوشت صورته على الماء ثم زاد فوضى الماء بادخاله ليده التى امتلأت بالخطوط والتجاعيد وحفر عليها الزمن من فرط استخدامه للمعول والواسوق... لمست يده الماء البارد فارتوت مساماتها الجافه شعر باﻻمل عند استرجاعه لصورة طفلته الصغرى....
خلع جلابيته البالية ورماها بكل قوة في السماء لتسقط ممدة على سطح عود ضخم يبدو في الظلام كثعبان ضخم سام .... لمح في السماء نجمة بيضاء ﻻمعه ومن حولها نجيمات فل بريقهم مع جمالها الآخاذ... شد بكل قوة على تكة سرواله وعصمها باحكام رجع مسافة الى الخلف وفى كل خطوة الى الوراء يطعن الحنين على قدمه باطرافه الحاده ..
جرى بخطوات متباعده كفريسه تهرب من حيوان مفترس الى ان وصل محاذاة النهر وضع رجله اليمنى على صخره كبيره ثم قفز داخل الماء سبح دون توقف لكى ﻻ يشعر ببرودة الماء والتى تبدو كقطعة ثلج تم وضعها تحت اشعه الشمس .....
سبح بلا هواده اﻻ ان وجد نفسه في وسط النهر ما بين الضفتين ما بين الماضي والمستقبل شعر بالتعب واﻻرهاق استرخى على الماء بمرونه فائقه ...
القمر يبدو مثل قطعة ثلج ضخمه موضوعه في عمق السماء ومن حوله النجيمات يرتجفن من برودته الفائقه.... اﻻشجار هادئة تماما تخلو من اى حركة وفروعها كالعصى التى تم غرسها في اﻻرض خالية من مشاعر الخريف ..... اغصان الحقول ﻻ تتمايل اﻻ مع اندفاع النهر مع التيار... شعر باعصابه تتجمد واصابه الفتور واﻻنهيار... سبح مقاوما كل شئ باصرار.... اﻻ ان وصل الى طرف النهر.. تشبس بالصخره وانتفض الى اعلى باعياء وفتور... اراد ان يرتدى جلابيته الباليه فلم يجدها... ربما الثعبان غير جلده وارتداءها مع ملابسه الجديده.....
اصابه الذعر وركض باقصى سرعة دون ان يضع يده هذه المره على اﻻفرع يصطدم بحجر كبير ويكاد ان يسقط على وجهه لكن يقاوم
بسرعة يترنح الى ان وصل الى صومعته داخل المزرعة سقط مغشيا عليه نظر الى فراشه باشتهاء... كلهفة الصائم لشربة ماء... استجمع انفاسه وتحرك باعياء..الى ان تمدد على فراشه الجاف ولع سيحارة حمراء... وجدها على اﻻرض بالقرب من فراشه ...
تذكر طفلته وامها انتابه الحنين واﻻمل في آن واحد... رحلة من شمال الواقع الى جنوب الاحلام.. يمنئ النفس ان يعود لهم بشواﻻت من المحاصيل ورزم الاموال.. ليأمن مستقبلهم مقابل بيع سنين من عمره الفان .... بسمة بريئة وضحكة طفل في عمق الظلم تزيل الهم ... نظرة تضوى مدن الليل.... فرحة بتمسح وجع القلب وقساوة الذكرى.... املا يخمد نار الغم الليلة وبكره.. النور الضوء الحلم الشاسع النفس الطالع ونازل درر عينيك.... الجرح القاسى يهون في سبيل نكون او نكون...
نكون انفسنا دون ان نمد ايدينا ذلا وانكسار... نتبوأ خطوات طريقنا بشعله صغيره من النار... بشمعه نور نترنح في الطريق وﻻ نلعن ظلام الليل على غرف نومنا المغلقة ..... نضغط على الشوك من شدة الشوق والحنين.....
اراد ان يأخذ نفس عميق من سجارته فلم يخرج اى دخان منها نظر اليها بعين منهكة وراس مثقل بالهموم فوجدها حبة بلح حمراء خالية من النواه .... اغمض عينيه وابتلعها ثم غط في نوم عميق.....
........
قلم/#مامون_أمين