مقاربة لأسئلة خبيثة
سمير الفزاع
هناك بعض العناوين التي بات الحديث فيها أمراً ملحاً، وواجباً أخلاقيّاً ونضاليّاً وإنسانيّاً… وضرورة منهجيّة وميدانيّة لكشف جوهر الصراع الحالي وفي المستقبل القريب. في هذه العجالة، سأحاول قرع الأبواب تمهيداً لفتحها وإيصال الهواء والنور إليها، لأن تجنب الخوض فيها لا يعني عدم وجودها، والتعامي عنها لا يعني تجاوزها، وإهمالها لن ينفع إلا من ينفخ بمزمار الفتن والتطييف والتمذهب. سأتوجه مباشرة إلى هؤلاء الذين يرون في التطبيق الفعلي والميداني لمفهوم جبهة المقاومة إنتهاكاً للسيادة، ويعتبرون وجود مقاتلي قوات من حزب الله وفيلق القدس/ الحرس الثوري الإيراني جنباً إلى جنب مع الجندي العربي السوري والقوى الرديفة له إحتلالاً إيرانيّاً، أو هي حرب إيران وحزب الله على الشعب العربي السوري، أو أن هذه القوات هي من يحارب ثوار واشنطن وليس الجيش العربي السوري. لنفكك الخطاب، ونبحث في مدى دقته، وصدق دعواه.
* إنتهاك السيادة:
1- الهتافات التي ظهرت في درعا ومنذ اللحظات الأولى للحرب على سورية، حملت عبارات مذهبيّة وطائفيّة وهاجمت حزب الله وإيران بالإسم، ولهذا الأمر دلالاته المهمة والحاسمة. لقد زعم النائب السوري السابق “المعارض” مأمون الحمصي مثلاً، أن عناصر من حزب الله كانت موجودة في درعا، وأدعى مسؤول “إعلان دمشق” في الخارج عبد الرزاق عيد أن عناصر إيرانية كانت أيضاً موجودة هناك…. في حين كان أول تواجد ميداني لحزب الله على الأراضي السورية في معركة القصير التي تم تطهيرها في 5/6/2013، أي بعد أكثر من عامين من إعلان الحرب على سورية، وأما التواجد الإيراني فهو بعد ذلك بكثير. السؤال المقابل والمنطقي، متى كان أول تدخل إقليمي ودولي في الحرب على سورية؟. يروي الدكتور هيثم مناع في حديث لموقع المنار نُشر بتاريخ 8/4/2011 /دققوا جيداً بالتاريخ والمتكلم والكلام المقتبس/ (قصة إتصال هاتفي تلقاه لإجتماع هام في أحد مقاهي العاصمة الفرنسية باريس… (ويضيف أن رجل أعمال سوري يحمل جنسية ثانية حضر برفقة ثلاثة أشخاص، سوريان وثالث يعمل مراسلاً في قناة عربية تابعة لدولة خليجية كبرى… في اللقاء تم التطرق إلى احتياجات الشباب في درعا وسورية عموماً، وعرض رجل الأعمال السوري الأصل والغربي الجنسية تسليح جهات معارضة في سورية بكل ما تريده من سلاح كمّاَ ونوعاَ، ما شكّل مفاجأة كبيرة للدكتور مناع وللأشخاص الذين يرافقون رجل الأعمال. رُفض العرض رفضاً قاطعاً، يقول مناع… لكن الدكتور منّاع صرّح بما هو أخطر من ذلك:عرض التسلح هذا لم يكن الوحيد… أما عن الجهات التي تتناول أهمية موضوع التسليح تحت عنوان الفعالية والقدرة على كسب المعركة مع النظام السوري فحددها منّاع بالتالية: جهات أميركية أو لها علاقة بالإدارة الأمريكية، وجهات لبنانية تلقت ضربات قاسية سياسيا من النظام السوري مؤخراً، بعض الذين جمعوا ثروات في المهجر ولهم أحقاد وثارات وليس عندهم قضية أو لهم علاقة من قريب أو بعيد بالوضع الداخلي السوري).
2- القيادة السورية طلبت من حلفائها التدخل لمساندتها في أمور محددة ومواقع معينة بعد أكثر من عامين من بدء الحرب، أي أن هذا التدخل جاء بقرار سوري سيادي محض هذا من جانب، ومن الجانب الآخر يمكننا القول بأن من جاء بقرار سيادي سيخرج من سورية بعد إنتهاء الحاجة إلى وجوده وزوال علّة دعوته. السؤال المقابل، هل مَلَك “معارض سوري” واحد قرار دعوة هذه الجموع الإرهابية إلى سورية، وهل يملك قرار وقدرة إجبارها على المغادرة؟ الجواب الحقيقي، لا، وفي كلا الحالتين معاً. وهذا ما تثبته حقائق الميدان قبل أي شيء آخر، ولنتذكر عدد القيادات والعناصر الإرهابية السورية المسلحة التي صفتها مجموعات إرهابية قادتها من خارج سورية، وداعش آخر هذه الأدلة.
3- آخر تقرير إستخباري أمريكي لرصد المقاتلين الإجانب في سورية صدر قبل أيام، تحدث عن وجود 20 ألف مقاتل أجنبي. لنسأل، تواجد لحظة كتابة التقرير الأمريكي 20 ألف إرهابي أجنبي في سورية، فكم هو العدد الكلي لهؤلاء الإرهابيين الذين دخلوها منذ بداية الحرب؟ وهل واشنطن معنية بتقديم أرقام حقيقية لأعداد الإرهابيين الأجانب والتي تطيح مباشرة بمقولة ثورة وطنية سورية؟ بالمقابل، منذ 5/6/2013 وحتى اليوم، لو جمعنا عدد المقاتلين من حزب الله وإيران الذين جاءوا إلى سورية وما زالوا فيها أو عادوا إلى بلدانهم، وضاعفنا العدد ثلاثة مرات لما بلغ الرقم المذكور في التقرير الأمريكي.
4- أخطر المنافذ التي يتدفق منها الإرهابيون وسلاحهم وتمويلهم… موجودة في تركيا والكيان الصهيوني، والمفارقة الكبرى أن لكل منهما –تركيا وكيان العدو- مشاريع توسعيّة معلنة في سورية، وكلاهما يحتل أرض سورية، لواء الإسكندرون والجولان!. لنسأل، كيف لإيران البعيدة ألآف الكيلومترات أن تصبح العدو ومصدر التهديد للسيادة السورية، بينما تركيا –بوابة الإرهاب الكبرى في سورية وكامل الإقليم، ومغتصبة لواء الإسكندرون- والكيان الصهيوني – بوابة العدوان الكبرى على سورية وكامل الإقليم، ومغتصب الجولان- حلفاء وشركاء في إستعادة السيادة السورية؟. الجواب بكل بساطة، إن هذه الجماعات الإرهابية إستمرار للإحتلال بصورة أخرى، وتعبير ميداني عن المشاريع التوسعية التركية والصهيونية.
* حرب إيران وحزب الله:
قطعان النصرة والحر المتمركزة في المنطقة العازلة وفي الشريط الذي تحتله على طول الحدود مع العدو الصهيوني مقابل الجولان السوري المحتل، يطرح جملة من الأسئلة الكبرى، والإجابة الواقعية والموضوعية عليها تظهر بما لا يدع مجلاً للشك بأن هذه الحرب حرب كل سوري وعربي وإنسان شريف مناهض للإحتلال والعدوان، وهذا نموذج متسلسل لهذه الأسئلة:
1- لماذا إنتقلت عائلات المسلحين من درعا وبعض قرى وبلدات الغوطة إلى هذا الشريط وهم يعلمون بأنها ستكون ساحة حرب مع الجيش العربي السوري؟ نقلوا عائلاتهم لأنهم ينوون الإستقرار هناك، ويخططون لإقامة تجمعات سكانية ذات طابع مدني بأهداف سياسية وعسكرية وأمنية، أي المنطقة الأمنية العازلة.
2- في ظروف الحصار النسبي التي حاول الجيش العربي السوري فرضها على هذه الجماعات الإرهابية المسلحة، من أين كانت تؤمن إحتياجاتها وإحتياجات عوائلهم الضخمة “غذاء،دواء،مأوى،سلاح،ذخا ر،إسعاف وعلاج ميداني…” اللازمة للبقاء في تلك المنطقة، ومواجهة الجيش العربي السوري؟. إنها المرحلة الثانية من المنطقة العازلة، الإرتباط الكلي والعضوي بالكيان الصهيوني المحتل.
3- التهمة الأولى والدائمة التي طالما رددتها هذه الجماعات ومن خلفها من غرف العمليات التي تدير الصراع، أن الجيش العربي السوري جيش فرد، وأن هذا الفرد قد باع الجولان منذ زمن طويل لتل أبيب، وهو وحده من يقف عائقاً أمام تحريره… لكن، كيف تصرفوا عندما وقفوا وجها لوجه مع هذا المحتل؟ في اللحظة التي وصلوا فيها إلى الجولان، أداروا ظهرهم للعدو الغاصب، ويمّموا وجوههم نحو الجيش العربي السوري، وصوبوا بنادقهم إلى صدره. وبدأو بالزحف نحوه، والتوسع نحو القنيطرة ودمشق لا الجولان، وبدعم واضح من طائرات ودبابات ومدافع وإستخبارات العدو، الجاهزة لتذليل أي تعثر يعوق هذا الزحف!.
4- بما أن هذه الجماعات الإرهابية حليف طبيعي للعدو الصهيوني، دعماً وتسليحاً وأهدافاً… فهل هناك أي منطق أخلاقي أو وطني أو إنساني أو ديني… يمكنه التجرؤ على الإدعاء بأن هذه حرب إيران وحزب الله؟ إلى جانب الإهانة التي يوجهها هذا المنطق إلى كل سوري-تخاذل السوريون عن تحرير أرضهم والشراكة في بقائها محتلة، مثلاً- يمكن الجزم بأن أصحاب هذا المنطق شركاء حقيقيين وكاملين في هذه العلاقة العضوية مع المحتل، ورجع صدى لهدفه بإدامة إحتلاله للجولان.
* القوة الضاربة في الهجوم:
وحول إدعاء أن القوة الكبرى في الهجوم الكاسح على قطاعات واسعة في الجبهتين الغربية والجنوبية تعود للحرس الثوري الإيراني وحزب الله، أود تثبيت حقيقتين فقط:
1- شارك في معركة “شهداء القنيطرة أو تحرير الجنوب” وفق ما بات معروفاً حسب بعض المصادر الإعلاميّة، قوات تابعة لعدد من وحدات الجيش والقوات المسلحة منها، تشكيلات مدرعة ووحدات متخصصة من الفرق الخامسة والسابعة والتاسعة، وحدة المدفعية الثقيلة في الفوج 137، وحدة المغاوير من اللواء 90، وحدة المغاوير من اللواء 121، قوات الدفاع الوطني – مركز طرطوس، وحدة المداهمة من فرع الأمن العسكري في سعسع، تشكيلات دفاع جوي لحماية سماء المعركة… مجرد ذكر عدد وأسماء هذه التشكيلات يجعل الإدعاء بتواضع تمثيل الجيش العربي السوري في القوة الضاربة لهذا الهجوم الواسع مجرد حرب نفسية مكشوفة، أو نكتة سمجة ممجوجة من طرف غبي أبله في الحدّ الأدنى.
2- شنّ الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له هجوما واسعاً في ريف حلب، وعلى عدد آخر من الجبهات داخل مدينة حلب، متزامناً مع هجومه في درعا والقنيطرة، مع متابعته التقدم وأداء مهامه الميدانية على مختلف الجبهات من دير الزور في أقاصي الشرق إلى الحسكة وصولاً إلى ريف إدلب وحمص… إنتهاءاً بالمعارك في غوطة دمشق. هذه العجالة تؤكد أن هذا الإدعاء ساقط ميدانيّاً ومنطقيّاً، لأن هذه الجبهات تحتاج حتماً إلى عشرات ألآف المقاتلين ومعداتهم، وهذا ما يستحيل توفيره من إيران وحزب الله.
المصدر