التغيير في التيار الصدري بين التكتيك والستراتيجي
المهندس / فالح العامري
عادة ماتكون الفعاليات السياسيه والفكرية والاجتماعية لأي من القوى الفاعله في حركة المجتمع ،نتاجاً للقاعدة الفكرية والمبادئ التي قامت على اساسها ،وان أي إنحراف في مسار هذه القوة عن خطها العقائدي،سيكون له تأثيراً مباشراً على تقبل المجتمع للفعاليات اللاحقة ،وسيؤدي الى خلل واضح في مستويات التفاعل المفترض بين القاعدة وقادتها وهو ماسينعكس بالتاكيد على ديمومة التواصل والعطاء،وهذا ماسيترتب عليه المزيد من مؤشرات الضعف لهذه القوى وصولاً الى التلاشي والابتعاد عن ساحة العمل.
والحال في التيار الصدري لايخرج عن هذه الحالة،لأن التيار الصدري من القوئ المؤثره في حركة المجتمع العراقي،والتي أثبتت جدارتها في العديد من مستويات التفاعل والتاثير،ولأنه ليس بتيار سياسي او حزب أو منظمة،فأن احتمالات (انحرافه) عن المسار العقائدي تكون وفق هذا القصور معدومة، وذلك أنه اولاً وأخراً تياراً شعبياً يلتزم خطاً دينياً يستند الى مرجعية/حركيه،ناطقه،راسخه،أرسىا قواعدها السيد الشهيد الصدر(قدس) من خلال قيادته لحركة المواجهه المنظمة والمقاومة السليمه الناجزه لدكتاتوريه شرسه،ونظام قمع غير منضبط،يمارس السيطرة الحاكمة على جميع المستويات الاجتماعية والتشكيلات الادارية.
ولأن السيد الشهيد الصدر(قدس) كان متشرعاً،فأن مشروعه التغييري، على مستوى المواجهه كان يستند الى قاعدة شرعيه محكمة،تبرئ ذمة مقلديه وأتباعه من كل ما يترتب على ذلك الالتزام والتقليد،وهذه الثقه ،هي ماجعل مستوى التغيير والتاثير الذي احدثه السيد الشهيد الصدر(قدس) في المجتمع العراقي حينها مستوىً متقدماً،إنعكس على سلوك طبقات واسعة من ابناء المجتمع العراقي بالاتجاه الايجابي ،ضمن اطار بناء الشخصيه الملتزمة،المطيعه،الشجاعة.
ورغم أن تجربه قيادة السيد الشهيد لجموع مقلديه , كانت قصيره وفق منظور العمر الزمني , الا ان تأثيرها كان كبيرا الى الحد الذي جعل النظام البعثي وبايحاء من الاجهزه الامريكيه الاسرائليه يصدر قرار اغتياله ونجليه الطاهرين , خوفا من توسع القاعده واتساع رقعة المواجهه التي ستؤدي الى محاصرة النظام وتحييد قواه القمعيه . وتجريده من عوامل القوه وفق مشروع التغيير الكبير .
وقد استمر نهج التيار الصدري على ذات الثوابت في المرحله التي تلت استشهاد السيد الصدر (قدس) وما تبعها من مواجهه شرسه مع المحتل وأدواته .
ان مايميز التيار الصدري , انه لم ينزلف كما انزلق الكثير التيارات السياسيه الى مواقع التعامل المخزي مع المحتل وفق منظور المنتصر والمهزوم , ولم يتقبل املاءات المحتل , وفضح اساليبه في التأثير المباشر وغير المباشر على جميع القوى السياسيه ومنظمات المجتمعالمدني، والتشكيلات الحكومية، وكان لهذه المبدأيه أثراً واضحاً في رسوخ مشروع بناء الثقه في نفس المواطن العراقي وتفعيل القدره على المواجهه الواضحه ضد الاحتلال كظاهرة ومشروع له اهدافه بعيده المدىا وقرب سائل يسأل، عن السبب الذي دفع بقيادة التيار الصدري للاشتراك في الحكومة السابقه وهي حكومة تتشكل في ظل وجود الاحتلال والجواب، ات من مقتضيات المواجهه ،هي الحضور،والحضور في تشكيلات الحكومة ومجلس النواب، سوف يحقق الهدف، ذلك ان المواجهه مع المحتل لاتنحصر بالجانب العسكري فقط ،والتغيير يستلزم التواجد في كل مجال يمكن لابناء التيار من العمل فيه بحريه واضافه لمساتهم المتفرده على مجمل الفعاليات السياسيه لو الحكومية او البرلمانية وكما اشرنا في مقالنا عن اسلوب القيادة في التيار الصدري،فأن اتجاهات التكتيك في اداء الواجهه السياسيه للتيار الصدري والمتمثله بالهيئة السياسيه العليا ،لاتخرج عن الاطار العقائدي للخط،وان مديات المناورة السياسيه،تحسب بدقه متناهيه دون ان تؤثر على مجمل الاداء المخطط له.
واذا كان بعض السياسين يميل في مواقف الاضطرار الى مايسمى بالنفاق السياسي والذي أصبح(عرفاً) مقبولا لديهم،فأن ذلك ليس من مقتضيات العمل السياسي الصدري المحكوم بضوابط شرعيه لايمكن لاي من قياداته او المتصدين للعمل في واجهاته،سواء السياسه او الاجتماعيه او الاعلاميه،الخروج عنها منما كان حجم الضرر المترتب على ذلك.
ان الوضع السياسي المعقد،ومجريات العمليه السياسيه الحاليه في العراق وتداعيات تشكيل الحكومة المقبله،وتدخلات المحتل الواضحه في ادارة وتعقيد هذا الملف ،قد تدفع بالكثير من القوى السياسيه الى تقديم مايسمى بالتنازلات والتي ستكون على حساب (برامجها،او مخططاتها) الا ان التيار الصدري لايقوم التنازلات والعروض ما دامت تتقاطع مع مستوى الالتزام العقائدي والمشروع الوطني الذي يقوم عليه التيار.
أن الستراتيجيه الواضحه للتيار الصدري،جعلت من المستحيل على الاخرين سوتء من واجهات المحتل،او القوى السياسيه الاخرى، لي ذراع التيار وفرض شروط عليه،وكانت القرارات المصيريه التي اتخذها قائد التيار الصدري السيد مقتدى الصدر خلال صفحات المواجهه المتعدده، ذات ابعاد عميقه،لم تتجلئ نتائجها الا بعد حين من الدهر، اذ اكتشف الكثيرون دقة هذه القرارات بعد ان رأوا نتائجها الايجابيه على الاصعده المتعلقه بها.
ولو كانت هذه القرارات لم تستند الى الاحكام الشرعيه الملائمه والاستقرار المنهجي للتاريخ لما كتب لها النجاح،ولكان التيار الصدري متخلفاً في قائمة القوى المؤثرة في الواقع العراقي.
أن التحول الواضح في أداء الفعاليات الخاصه بالتيار الصدري والتقدم الكبير في التزام القاعدة، وتطور اهتماماتها الواسعة في تلبيه نداءات قيادتها. جعل القرار الصدري اكثر رسوخاً، والتزاماً، ومفعالية،كما ان ادارة الملفات المختلفه التي تتعامل معها الهيئة السياسيه، بمستوى واضح من الحرفيه اضافه الى الانفتاح على جميع المكونات،والدول الاقليميه والمنظمات الدولية، مضافاً الى ماورد اعلاه، جعل (التكتيك والستراتيجه) يتظافران ويجتمعان معاً في كل القرارات المتعلقه بالعمل السياسي والجماهيري.
ان الوعي المتقدم، والتهيؤء الملتزم، والحضور الفاعل تعتبر من مستلزمات النجاح والتأثير.
كما ان تحليل مايريد الاخر، والتوغل في المعطيات النفسيه لصناع القرار الاخر،يجعل المفاوض في وضع متقدم على قرينه، ويمكنه من الوصول الى النتائج المطلوبه وفق مقتضيات الواقع والظرف الذي يشكل أطار هذه الحوارات .
وهنا لابد ان نشير وبوضوح الى أن التيار الصدري يعلم ماذا يريد المحتل وهو على اطلاع بمفردات الحرب النفسيه التي تقودها دوائر المخابرات المركزية الامريكية وواجبات السفارة الامريكية في بغداد ويمتلك من الدوائر المختصه والافراد الكدربين مايجعله قادراًَ على استجلاء كل الفعاليات وتحليلها، على مستوى الفعاليات السريه او الرسائل الاعلامية، او الافكار التي يتداولها ويطلقها بعض السياسين والافراد الذين ينفذون اوامر المحتل الامريكي الذي يعتبر التيار الصدري، رقماً صعباً يقف في طريق تحقيق اطماعه ومخططاته التي تصب في مصلحته اولاً واخراً .