مقطع من كلمة سماحة الأستاذ بناهيان في سلسلة محاضراته تحت عنوان «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» استطرد فيها إلى ما يرتبط برسالة السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظله الوارف) إلى شباب أروبا والأمريكا الشمالية
تبین أن قد حان وقت مخاطبة الشباب الغربي مباشرة
إن الرسالة التي وجّهها سماحة السيد القائد إلى شباب الغرب، تبعث فينا الشعور بالفتح والظفر حقّا، وتبعث فينا الشعور بالعز والقوّة. قد بيّن هذا النداء أن قد حان الوقت لقائد الثورة الإسلامية أن يوجّه الخطاب للشباب الأوروبي بشكل مباشر. إنها لمبادرة ذات معان كثيرة. ومن المعلوم أنّ أولئك الشباب سوف يهتمّون بهذه الرسالة ولا يمرّون منها مرور الكرام.
كانت الدعوة إلى الحق في هذه الرسالة من منطق القوّة
الأمر المهمّ جدّا في هذه الرسالة هي أنه قد حان وقت إرسال هذه الرسالة التي قام سماحة السيد القائد بكتابتها. أمّا الأمر الأهمّ هو أن الدعوة هذه كانت دعوة من منطلق القوّة والاقتدار. فانظروا أن السيد القائد أصدر هذا النداء من أيّ موقع قويّ ومقتدر. إقرأوا عبارات هذه الرسالة فإنها أجمل نشيد في عصر غيبة الحقّ وغربته. لقد قال السيد القائد في مقطع من رسالته الرائعة هذه: «أنا لا أصرّ أن تقبلوا رؤيتي أو أیّة رؤیة أخری عن الإسلام، بل أقول: لا تسمحوا أن تعرّف لكم هذه الحقيقة النامية والمؤثّرة في عالم اليوم، عبر الأغراض والأهداف السقيمة» حتى أن سماحته لا يشرح الإسلام لهم، بل قال: طالعوا وابحثوا عن الإسلام بأنفسكم لكي تعرفوا ما هي حقيقة الإسلام؟ وهذا يعني أن الحق قد أصبح واضحا جدّا وقد تسنّى لكل إنسان أن يعرفه.
السيّد القائد نفسه كان يحتاج قبل الثورة إلى مئات المحاضرات والمقالات لكي يعرّف الإسلام إلى الشباب الإيرانيين فضلا عن الأجانب. أما الآن فلم يجد حاجة إلى ذلك حتى لشباب العالم من غير المسلمين. فعلى سبيل المثال قبل انتصار الثورة الإسلامية، كان من الصعب إقناع الناس على أن الإسلام دين عقلاني أو أنه لا يعارض العلم! يعني كان إثبات أحقيّة الدين وإقناع الناس على أن هذا الدين خال من الخرافات أمرا غير هيّن. أمّا اليوم نفس هذا العالم الذي كان قبل انتصار الثورة في مشهد مضطرّا إلى كتابة خريطة مفاهيم القرآن وتدريسها ثم تبديلها إلى كتاب يوزّعه في سبيل أن يشرح دور الدين بشكل عام من خلال آيات القرآن، أصبح اليوم لا يشعر بحاجة إلى هذا الشرح في حديثه مع أهل العالم. لذلك قال: طالعوا بأنفسكم لتعرفوا حقيقة القرآن! فانظروا كم قد قوى الحقّ واقتدر حتى أخذ يتكلم هذا القائد بهذا المنطق.
هل تصدّقون بأننا أصبحنا بغنى عن كثير من الكتب التي ألّفت بغرض تبيين الدين، وحتى الشابّ البعيد عن هذه الأجواء حسبه أن يقرأ القرآن ونهج البلاغة وسيرة النبي الأكرم(ص) ليعرف الحقّ ؟! فعلا هو هكذا ونحن نعيش في عصر كهذا.
فانظروا كم قد اتضح الحق؛ «لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ»(الفتح/28). عندما يصبح الناس قادرين على كشف الحق عبر مطالعة القرآن وسيرة النبي الأكرم(ص) وحسب، فهذا يحكي عن ظهور الحقّ وهيمنته. وذلك يعني أن يصل الفساد والضياع والظلام في العالم إلى ذروته بحيث لا يصعب بعد التمييز بين النور والظلام وبين النهار والليل، وهذه الظاهرة هي من معالم عصر الظهور.
في هذه الرسالة لم يكن سماحة السيد القائد خاشيا من رجوع الشباب إلى القرآن مباشرة وكأنه لم يخف عليهم من التورط بالتفاسير الخاطئة عن القرآن. فقد بلغ الحقّ إلى درجة من الوضوح بحيث علم أن من يراجع القرآن سوف يخرج بنتائج صائبة في أغلب الأحيان. لعلّنا نقول: «كان الأولى للسيد القائد أن يحذّر الشباب الغربي من الوقوع في التفاسير الإرهابية أو التكفيرية للقرآن». ولکن يبدو أن لا حاجة لهذا التحذير بعد. يعني قد بلغ الحق من الوضوح بمكان بحيث قد انتفت الحاجة حتى إلى هذا التنبيه.
الإمام الصادق: عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير
إن رسالة سماحة السيد القائد إلى الشباب الأوروبّي والأمريكي، تذكرنا بوصية الإمام الصادق(ع) إلى أحد أصحابه حيث قال له: عَلَیْكَ بِالْأَحْدَاثِ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلَى کُلِّ خَیْر»[الكافي/8/93]
وقد عمل سماحة السيد القائد على هذا الأساس. لقد كتب سماحته في مقطع من رسالته: «لقد خصصتكم بالخطاب أيها الشباب، لا لكوني أتجاهل دور آبائكم وأمّهاتكم، بل لأني أرى أن مستقبل شعبكم وبلادكم بأيديكم، وكذلك أرى مشاعر البحث عن الحق أكثر حياة ونشاطا في قلوبكم».
ما هي وظيفتنا تجاه هذه الرسالة؟
يجب الآن أن ننظر ما هي وظيفتنا تجاه هذه الرسالة. إحدى الوظائف التي تلقيها علينا هذه الرسالة هي «الاستعداد لتوعية الآخرين». فلينظر كلّ واحد منكم ماذا يستطيع أن يقدّم من خدمة في هذا المجال.
في أيّام الدفاع المقدّس، عندما كان المجاهدون يودّعون أهاليهم ليذهبوا إلى جبهات الجهاد، كنا نرى بعض الشباب الذين جاءوا لبدرقة هؤلاء المجاهدين تهیج مشاعرهم ولم یعودوا يتحملون البقاء في وطنهم والاكتفاء ببدرقة المجاهدين. فكانوا يقررون في نفس الوقت أن يلتحقوا بركب المجاهدين في جبهات الجهاد. فهل بيننا من يرى ركوب المجاهدين وذهابهم إلى ميادين الجهاد، ولكنه يقف متفرجا ويكتفي بالدعاء لهم؟! أمّا اليوم فقد نزل قائدكم بنفسه إلى ميدان الصراع، فلا ينبغي لكم أن تتركوا قائدكم وحيدا في هذه الساحة. بل يجب أن نبذل مزيدا من التضحية في هذا الميدان. إن هذا الإبلاغ هو تكليفنا ليلا ونهارا وإنه لمدعاة للفخر.
منذ سنوات عديدة ونحن نجد أنّ أفق رؤية قائد الثورة الإسلامية قد امتدّ على منطقتنا الإسلامية وأحيانا يتوسع ويطلق كلمات متوجهة لأهل العالم جميعا. فعلى سبيل المثال لقد قال في إحدى كلماته: لو علم هؤلاء الأوروبيّون أن كل مصائبهم هي بسبب هؤلاء الصهاينة، كيف يكون موقفهم منهم؟! فعندما صرّح قائدنا بهذا الأمر، كان ينبغي لنا أن ننقل هذه الحقيقة إلى الأوروبّيين. ولكن كم منّا من بادر بنشاط توعوي في هذا المجال؟!
لماذا قد حان الوقت لمخاطبة الشباب الغربي بشكل مباشر؟
لماذا قد حان الوقت لمخاطبة الشباب الأوروبي والأمريكي بشكل مباشر؟ لعلّ من أهم أدلّة هذه الحقيقة هي أن قد ولّى زمن عبادة الشهوات. حتى أنّ امتلاء العالم من الظلم والجور لم يوفّر أرضية هذا الحوار المباشر. فإن مجرّد وجود الظلم لا يدعو الناس إلى كشف الحقّ. ومجرّد وجود الظلم لا يعزز الحق، بل إنه سبب لتقوية أي عامل مناضل للظلم، فلا يقتضي شيوع الظلم تقوّي أدات الحوار والتحقيق والدراسة لكشف الحق.
لقد أبيد شعوب كثيرة عبر الظلم الشنيع على مرّ التاريخ، ولكن لم تدفعهم ظلامتهم إلى السعادة والفوز بمعرفة الحقّ لزوما. أما العامل الأهم الذي أخذ يوفّر الأرضية لوضوح الحقّ وتقبله من الطرف الآخر هو انتهاء شوط عبادة الأهواء والشهوات.