القوانين والابتكارات: هل ساهم كأس العالم بتحسين كرة القدم؟
16/02/2015
القوانين والابتكارات: هل ساهم كأس العالم بتحسين كرة القدم؟
كاتب المقال :انتوني بيبي
ترجمة: احمد عبد الجليل
تقنية خط المرمى والرغوة المتلاشية تلقائيا في تحديد الضربات الثابتة كانت هي الابتكارات الاساسية في نسخة البرازيل 2014. كان هناك المزيد من الابتكارات في الماضي, كلها ضد المدافعين.
هل يعتبر كاس العالم الاساس والحافز في تغيير قوانين كرة القدم, ام انه مجرد حاضنة لأفكار متواجدة مسبقا؟
يبدو أن كل كأس عالم حدث في الربع قرن الماضي جلب معه إما تغييراً في القوانين أو وثق فكرة سبق واثبتت نجاحها , ورعاية (الفيفا) لها اصبحت الختم المصرِح بانتشار هذه التغييرات.
دائما مايحوي كأس العالم على الابتكارات, مجرد فحوى وتصميم كأس العالم هو عبارة عن فكرة نبيلة: مسابقة دولية كروية منظمة على مستوى العالم كله حتى قبل عصر المواصلات الجوية بالطائرات.
كانت هذه حقبة توتر عالمي محشورة بين حربين عالميتين, ولكن (جولز ريميه) لم يسعى خلف اي مقصد سياسي من وراء بطولته, كان جل ما اراد ان يرى افضل بطولة كروية ممكنة. هذا الدور تم الاشراف عليه من قبل الفيفا منذ سنة 1930 ويتم تحديد القوانين من قبل مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم ومن ثم يتم تنفيذها من قبل الفيفا.
على الرغم من هذا, الا ان كرة القدم غالبا ماكان الافراد هم من يجسدون فيها التغييرات. لم تكن لجنة ال(فيفا) من قررت استحداث فكرة (الكروت الصفراء والحمراء), كانت فكرة زوجة احد الحكام. (كين أستون), اشهر حكم انكليزي في تاريخ كرة القدم وحكم معركة السانتياغو السيئة الذكر, فكر في نظام تنبيه وعقوبات متكون من اللونين الاصفر والاحمر. حيث كان يجلس امام اشارة مرورية متسائلا كيف يحل مثل تلك الحالة من سوء التفاهم والتواصل التي حدثت في نسخة 1966 في المباراة بين انكلترا والارجنتين. الحكم الالماني (رودولف كرايتلين) كان قد طرد كابتن منتخب الارجنتين (انتونيو راتين) في الدقيقة 35 بسبب "عنف لفظي", على الرغم من عدم فهم احدهما للغة الآخر !!. في خلال نفس المباراة قام (كرايتلين) بتوجيه التنبيه للمدافع الانكليزي (جاك تشارلتون), الذي لم يعرف انه تم تنبيهه الا في اليوم التالي اثناء قيامه بقراءة الجريدة الصباحية!!
(استون) كان على قناعة انه يجب استحداث نظام كامل من اجل تجاوز كل هذه الصعوبات والسماح لاي لاعب بأن يفهم قرار الحكم بطريقة لاتسمح باللبس او الشك, هناك كانت الاشارة المرورية امام كين اتسون الذي كان ينتظر الضوء الاخضر حيث اتته الفكرة وقام بشرحها لزوجته التي قامت بدورها مباشرة بقص كارتين احدهما باللون الاصفر والاخر باللون الاحمر البقية معروفة للجميع. لايمكننا تخيل كرة القدم اليوم بدون هذين البطاقتين.
بعد 50 سنة من الان هل سنتكلم بنفس الطريقة عن الرغوة الخاصة التي استخدمت في كاس العالم 2014 لمنع المدافعين من تجاوز اماكنهم اثناء تنفيذ الضربة الحرة؟
لاأعتقد ذلك, على الاغلب بسبب كونها تغييرا ثانويا وليس كبيرا بحجم تاثير البطاقات, ولكنها بالتاكيد وسيلة فعالة وضرورية لمساعدة الفريق المهاجم ومنع الفريق المخطيء من التهرب من عقوبته. على كل حال فان الرغوة الخاصة حالها حال العديد من القوانين التي تم ترسيخها خلال بطولة كأس عالم بالكاد تكون تقنية جديدة, حيث ان الرغوة تم استخدامها في العديد من بطولات قارة امريكا الجنوبية منذ سنة 2000.
تغيير آخر ذو تاثير اكثر على مجريات اللعب استحدث في كأس العالم هو (تقنية خط المرمى), على كل حال لم تكن هذه التقنية تحت المجهر بصورة كبيرة اذ تم استعمالها في موسم 2013-2014 في الدوري الانكليزي الممتاز بدون التسبب باي جدل.
الفيفا منظمة تفاعلية ولايمكن باي حال من الاحوال اتهامها بالاستعجال, هذان التغييران المستحدثان تأخرا بما يقارب عقدا كاملا حتى تم تطبيقهما.
سواء كانت التغييرات المستحدثة في كرة القدم نحو الاحسن ام نحو الاسوء, هناك شيء واحد لايقبل الشك: الفيفا تقوم بتطبيق التغييرات متأخرةً. (كأس العالم 1994) في الولايات المتحدة الامريكية كان اول نسخة يستخدمون فيها تطبيق قانون (النقاط الثلاث للفريق الفائز) !, بالرغم من ان هذا القانون كان يتم تطبيقه في الدوريات الانكليزية منذ سنة 1981, من ابتكار العقل اليافع ل(جيمي هيل) , وهو رجل لايخلو عقله من الافكار ابدا, وان لم تكن بالضرورة افكار جيدة.
يبدو لاول وهلة ان هذا التغيير في احتساب النقاط قد احدث تغييرا بسيطا لايؤثر على اللعبة, ولكن رد فعل الفيفا واعتقادهم بان الثلاث نقاط ستشجع الفرق على ان تقاتل من اجل الفوز اكثر من ذي قبل وبالتالي تم تطبيق هذا النظام في نسخة كاس العالم (الامريكية) 1994 , على مايبدو كانت تخشى نفور الجمهور الامريكي من كثرة التعادلات في كرة القدم.
نسخة 1994 من كاس العالم استحدثت تغيير اساسي آخر في قوانين لعبة كرة القدم: الا وهو (قانون التمريرة العكسية). فكرة ان حارس المرمى بإمكانه التقاط الكرة بيديه بعد ارجاعها له من قبل احد مدافعي فريقه بصورة مقصودة كان ينظر لها كونها احد الاسباب الاساسية في كون مباريات كاس العالم 1990 اغلبها مملة بالاخص من ناحية النسق الهجومي لللعب. التمريرة العكسية كانت التكتيك الاساسي المحوري في حالتي اضاعة الوقت , بالاضافة الى تخفيف الضغط على انفسهم وكسر تسلسل هجمات الفريق الخصم. يوجد فرق استخدمتها اكثر من غيرها, يقال على سبيل المزاح اكثرهم استخداما لها كانت فرق انكلترا وبالتالي ترى ان ليفربول لم يعد باستطاعتهم الفوز بالدوري بعد استحداث هذا القانون. اكثر تمريرة عكسية مزعجة علقت في اذهان جمهور الكرة العالمية كانت التمريرة العكسية ل(كلاوس اوغنثالير) لاعب جناح مهاجم على الجانب الايسر في المنتخب الالماني, في المباراة النهائية في كاس العالم 1990 قام بتمريرة عكسية للحارس (بودو ايلنر) من خط منتصف الملعب وعبر بحر من اللاعبين الاخرين.
قبل كاس العالم الفرنسي المقام في سنة 1998, اعلنت الفيفا قانوناً يحظر (التدخل على اللاعب من الخلف), وذلك لحماية اللاعبين الهجوميين من كثرة الاصابات ولدعم نسق هجومي اكثر في اللعبة, ولكن كان من الواضح ان مثل هذا القانون المؤثر على نسق اللعب سياتي بتاثيرات سلبية على اداء المدافعين, نتيجة لذلك اصبح كاس العالم في 1998 اكثر كاس عالم في عدد اشهار البطاقات الحمراء لغاية اللحظة وبعدد (22) بطاقة حمراء. تم التعديل على هذا القانون في نسخة كاس العالم في المانيا سنة 2006 سنة بعد الغاء الفيفا قانون (حظر التدخل من الخلف) فاصبحت صيغة القانون كما يلي "أي لاعب يتدخل على لاعب خصم بمحاولة كسب الكرة من الأمام, الاجناب أو من الخلف مستخدما إحدى او كلتا قدميه, بقوة جسدية كبيرة مسببة خطورة على سلامة الخصم يعتبر مذنبا باللعب الخطر" . هذا في الاساس يترك القرار للحكم لاعتبار اي تدخل كلعب خطر وضربة حرة حسب تقديره للمبالغة الجسدية او الخطورة من اي اتجاه.
فيما لو كان لتغييرات الفيفا في القوانين له تاثير على نسق اللعبة هو موضوع يجب تفحصه بطريقة كل قضية على حدة. من الواضح ان البطاقات الصفراء والحمراء احدثت ثورة في اللعبة في وقتها, في اعطاء الحكم الصلاحية الحقيقية لتوجيه عقوبة ضد اللاعبين المخالفين, والفائدة المجنية من (تقنية خط المرمى) شيء واضح. ولكن بكل حال من الاحوال (الرغوة المتلاشية تلقائيا) تبدو انها مجرد طريقة لاتهام الحكام بعدم التزامهم, حيث ان القانون الموجود ينص على المسافة التي يجب على الجدار البشري اخذها من الكرة في الضربة الثابتة, المشكلة هي في ان الحكام لم يجبروا اللاعبين على الالتزام بالقانون بحذافيره والرغوة المتلاشية عديمة الفائدة في تطبيق القانون اذا كان الحكم متغاضيا عن تقدم اللاعبين اثناء تنفيذ الضربة الحرة في كل الاحوال, كما في حالة الحكم الاسباني الذي ترك المجال للبرازيلين بتجاوز الخط في مباراتهم ضد كولومبيا في كاس العالم الاخيرة.
هناك على كل حال من الاحوال التزاما من جهة الفيفا ان تكون جميع التغييرات المستحدثة في القوانين في صالح اعطاء سلطة اكثر للحكام و من المفترض ان تشجع اسلوب اللعب الهجومي في الكرة. لنأخذ على سبيل المثال كاس العالم في 2014, يمكننا القول ان الفيفا نجحت في مساعيها, فلقد رأينا كاس عالم على مستوى جيد من اللعب النظيف بعدد قليل نسبيا في البطاقات الحمراء (8 فقط) وعدد قياسي في تسجيل الاهداف ولعب هجومي رائع.
اذا هل هناك جانب سلبي لتغييرات الفيفا ؟؟ سيكون محور نقاشي ان هذه التغييرات قد عطلت وقيدت قلبي الدفاع, حيث يبدو ان عليهم الان ان يستطيعوا الخروج بالكرة من مناطق الدفاع وان يكونوا تكتيكا قادرين على الانتاج, اكثر من كونهم اقوياء وصلبين. المميزات التي جعلت من (كلاوديو جينتيلي) لاعب وموهبة على طراز عالمي يبدو انها اصبحت جميعها غير قانونية الان! وبما ان هذا يصب بالتاكيد في مصلحة المهاجمين, فكم عدد المدافعين الذي يمكن وصفهم (بالمدافع الموهوب) موجودين بالفعل في لعبة كرة القدم في ايامنا هذه؟؟ في نسخة كاس العالم 1998 كل الفرق كانت تملك مدافعين لامعين, ايطاليا كان لديها : (بيرغومي, كانافارو, كوستاكورتا, نيستا, ولاننسى مالديني و توريتشيللي), فرسنا كانت تملك : (ديسايي, بلانك بالاضافة لثورام) حتى الفرق الصغيرة مثل سكوتلاند والمغرب والنرويج كان لديهم امثال (هيندري, نايبت, و بيرغ). ساجادل في ان اي من هؤلاء المدافعين كان سيكون اضافة كبيرة لدفاع اي فريق في كاس العالم الاخيرة, باستثناء المنتخب الالماني, ترى ان وجود قلبي دفاع حقيقي قد مات وانتهى. ففي كاس العالم 1998 لكي تحدد من افضل قلب دفاع يمكن ان يستغرقك اليوم بطوله اذ ترى ان كل فريق لديه مرشح او اكثر , نفس هذه الفكرة الان يمكن ان تستغرقك اقل من 5 دقائق!!.
أ