Saturday 24 March 2012
المالكي يستثمر هجمات الخصوم لرفع شعبيته
صدام بغداد مع إقليم كردستان مؤجل إلى موعد الانتخابات
رئيس الوزراء نوري المالكي
يحرص رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، على استثمار أي هجمات من الساسة العراقيين والعرب ضده وتوظيفها لصالحه دون أن يرد عليها شخصياً، ليزيد من مظلوميته تجاه العراقيينن ويعمل من جانب آخر على كسب حلفاء جدد له كانوا مع حتى وقت قريب مناوئيه.
بعد سيل الهجمات التي توالى على توجيهها له طوال العام الماضي قادة القامة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي نجح المالكي في حصد شعبيته حيث أظهر إن من يوجه التهم له ويشتمه في وسائل الاعلام هم من البعثيين، كما تكرر وسائل إعلام قريبة من رئيس الحكومة. فنجح في تفكيك القائمة العراقية حد أنه انشغل في الطريقة المثلى لتجميعها من جديد، كما يؤكد لايلاف مصدر قريب الصلة بالمالكي.
وكان ظهور المالكي مطلع العام الحالي على اكثر من فضائية عراقية بمظهر الواثق من حسم ملفي نائبه لشؤون الخدمات صالح المطلك الذي كان شبه المالكي بالرئيس العراقي السابق صدام حسين كـ"ديكتاتور لايبني عكس سابقه صدام الذي كان يبني وعمّر العراق". وملف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المقيم منذ ثلاثة أشهر في إقليم كردستان هربا من تهم بالارهاب مع أكثر من 12 عنصرا من آفراد حمايته بعد أن ألقي القبض نهاية العام الماضي على بعضهم واعترفوا بلقطات تلفزيونية بقتلهم العشرات من العراقيين ومباركة الهاشمي لهم الذي ينفي التهم ضده وضد أفراد حمايته.
الهجوم الجديد على المالكي جاء من رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني في العشرين من شهر آذار الحالي عشية احتفال الشعب الكردي بعيد نوروز، وهو أعنف هجوم يشنه البرزاني على حلفاء الأمس في بغداد.
حيث انتقد البارزاني بشدة "تشكيل جيش مليوني في البلاد "يدين بالولاء لشخص واحد جمع السلطة بيديه"، قائلا "كفى لذلك الشخص الذي يحمل صفة القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات وغيرها من المناصب. ورأى البرزاني أن العراق يتجه نحو "الهاوية بسبب تمسك فئة بالسلطة تريد جره إلى الدكتاتورية".
وبين البرزاني أن الكرد لم يغيروا تحالفهم مع الشيعة (الطائفة التي ينتمي اليها المالكي) ملمحا الى التوجه لخلق تحالف جديد مع الصدريين والمجلس الاسلامي العراقي حلفاء المالكي في التحالف الوطني العراقي الذي يشكل الحكومة، مؤكداً على أن الشيعة قبل السنة مضطهدين في الحكومة الحالية.
لكن ردود الفعل على تصريحات البرزاني جاءت من نواب قريبين من المالكي ومن الصدريين ومن المجلس الأعلى ومن نواب سنة بعد أن لزم المالكي، كعادته، عدم الرد على التصريحات النارية ضده، فقد وصف النائب عن كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري جواد الجبوري تصريحات مسعود البارزاني الأخيرة بـ"غير الموفقة"، مبيناً أن الكرد وقعوا في مشكلة تلك التصريحات التي تستفز الشريك وتناسوا أن الإقليم هو التابع والحكومة الاتحادية هي المتبوع. وأكد القيادي في المجلس الاسلامي الشيخ حميد معلا، أن المجلس لن يغير تحالفاته الحالية.
الرد الاقوى جاء من عرب كركوك المحافظة المتازع عليها عربيا وتركمانيا وكردياً. فقد خاطب النائب عمر الجبوري عن القائمة العراقية البرزاني قائلا "إن من يتكلم اليوم على الدكتاتورية والاستبداد والتفرد بالسلطة في العراق عليه ان ينتقد ممارساته ومن معه بحق عرب كركوك وما يسمى بالمناطق المتنازع عليها الذين عانوا مع التهميش والاقصاء من جميع المؤسسات العامة الادارية والامنية بعد ان سبقوا ذلك الانفراد بتنفيذ ابشع ممارسات التطبيق العرقي بحق العرب واوسع عملية تعتبر في تاريخ العراق المعاصر بهدف تجريد كركوك هويتها الوطنية المشتركة".
وصعّد النائب في ائتلاف المالكي الشيخ حسين الأسدي من رده على البزراني بتجريمه بإيواء نائب الرئيس العراقي المطلوب قضائياً فقد بين الأسدي أن "البارزاني مطلوب للقضاء العراقي بعد إصراره على ايواء الهاشمي، مضيفاً بأن تصعيد الأخير لا يعفيه من المساءلة الجزائية" داعيا الى استجواب البرزاني في مجلس النواب العراقي. ليرد عليه النائب عن التحالف الكردستاني فرهاد الأتروشي باتهام المالكي بالتستر لسنوات على ملفات خطيرة، "يتوجب على الادعاء العام توجيه اتهام للمالكي بسبب تستره منذ أربع سنوات على ملفات خطيرة تتعلق بدماء المواطنين الأبرياء ومقايضتها بمكاسب سياسية".
لكن المالكي نجح في كسب ود أشد منتقديه في وسائل الإعلام العراقية والعربية النائب السابق مشعان الجبوري الذي كان صديقا لرئيس إقليم كردستان لسنوات. وفر الى سورية حيث كان أسس اكثر من قناة فضائية خاصة به (الزوراء والرأي) دأبتا على مهاجمة الحكومة العراقية ورئيسها المالكي قبل أن ينجح الأخير في استثمار حاجة الجبوري للعودة للعراق من منفاه في دمشق التي تشهد انتفاضة عنيفة منذ عام ضد الرئيس بشار الأسد. فقد نجحت الوساطات التي كانت تجري لاشهر خلف الكواليس لعودة الجبوري لبغداد نادماً بعد أن رد الحكم الغيابي بحقه بتهم مالية والتحريض على الارهاب ليتحول الى ورقة بيد المالكي ضد خصومه خاصة في محافظة صلاح الدين التي ينتمي اليها مشعان الجبوري التي كانت طالبت بأن تكون إقليماً.
وصرح الجبوري لوسائل إعلام عراقية بأنه سيعمل على الوقوف ضد أي توجه بتكوين الاقاليم في العراق لكنه يدعم انفصال العراق عن اقليم كردستان بمحافظاته الحالية الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك. ليتم التباحث لاحقا حول بقية المناطق المتنازع عليها.
وهو توجه عادة مايردده مقربون من المالكي في احاديثهم الخاصة منتظرين الفرصة المؤاتية لذلك. ويرى مراقبون عراقيون أن المالكي يريد أن يقرر هو الوقت والطريقة التي يعلن فيها انفصال العراق عن محافظات إقليم كردستان، ليفاجيء قادة الاقليم المعتمدين في ميزانيتهم على الميزانية المركزية من خلال حصة الـ 17% سنوياً.
ويؤكدون أن موعد التصادم مع الاكراد قادم لامحالة حيث يرى المالكي أن أي صدام بينه وبين الكرد سينجح في جمع معظم العراقيين لجانبه، ولعل الانتخابات النيابية المقبلة عام 2014 أو انتخابات مجالس المحافظات نهاية العام الحالي ستشهد تصعيداً من المركز ثم صداماً مع إقليم كردستان يبدأ بالمناطق التنازع عليها في كركوك وديالى لينتهي بانفصال الاقليم نهائياُ.
يذكر أن المادة 116 من الدستور العراقي تنص على أن يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ واداراتٍ محلية.
فيما تنص المادة 117 منه على أن: أولاً :ـ يقر هذا الدستور، عند نفاذه، اقليم كردستان وسلطاته القائمة، اقليماً اتحادياً.
ثانياً :ـ يقر هذا الدستور، الاقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لاحكامه.
لكن حلم انفصال الكرد عن العراق في دولة لما يزل لدى جميع الكرد العراقيين، برغم مانص عليه الدستور العراقي الذي يعترض عليه اليوم حتى الذين شاركوا في كتابته على عجل.
ويرى معظم العراقيين أن الاقليم بات عبئاً على الدولة المركزية مالياً وسياسياً وأمنياً، من خلال نسبة الـ 17% من الميزانية وعدد الوزراء الكرد في الحكومة العراقية الذين يرى بعضهم أنهم يعملون لصالح الاقليم اكثر من بقية المحافظات إضافة الى جيش البيشمرغة الذي هو جيش خاص بالاقليم الذي يرغبون بانفصاله في واقعه الحالي.
ويقول المراقبون أن خطاب رئيس إقليم كردستان عشية عيد نوروز قبل أربعة أيام قد قرّب لمستعميه هذا الحلم حيث قال أن"الكثير من الأشخاص كانوا يتصلون ويطلبون منا أن نعلن اليوم بشرى كبيرة لشعب كردستان، لذا نطمئنكم بأن ذلك اليوم قادم إن شاء الله، لكنها يجب أن تكون في وقت مناسب، ولكن كونوا مطمئنين بأن البشرى آتية لامحالة".
ويؤكد المراقبون أن المالكي سيحقق هذا الحلم لكن على طريقته وفي الوقت الذي هو يحدده ويحقق فيه مكاسب سياسية وشخصية.
ايلاف