الشيء الآخر -الرواية -1
الشي الاخر:من قتل ليلي الحايك (غسان كنفاني)
1
القصة تتحدث عن محام اتهم بقتل سيدة ... اجتمعت جميع الادلة ضده... و نسجت بطريقة غريبة جعلت من المستحيل ان تشك و لو للحظة انه ليس القاتل...
هو بدوره قرر الصمت... و ترك نفسه ضحية لحبل المشنقة... لانه لم يجد شيئا غير الصمت ليجيب على ذلك الشيء الاخر...
اراد غسان كنفاني ان يقول انه احيانا لا يكون هناك فائدة من قول الحقيقة... بل على العكس، قد يزيد الامر سوءا...
ا
وفجأة _ وراء الصمت المطبق _ نبع صوت من الصفوف الخلفية وصاح : "مجرم" . ثم قام الرجل العجوز الضئيل واخذ يسير نحو الباب دون ان ينظر واندفعت زوجتي نحو القفص ودخلت اصابعها في شباكه ، واخذت تصيح في نوبة من الهستيريا: تكلم يا صالح . . تكلم ستموت . دارت الجملة في رأسي واخذ بدني يرتجف ، ونظرت فجأة الى المنصة فجاءت عينا القاضي تنظران مباشرة في عيني ، وهز رأسه هزة خفيفة، وصاح صوت آخر من يبن الحضور: - تكلم ياصالح، تكلم... وعادت زوجتي تصيح : ستموت يا صالح ، تكلم ... و احسست ان جسدي اخذ ينضح بالعرق و بدات شفتاي تتحركان كانهما شقا فخ من القصب يهتز تحت ضربات جناحي عصفور مغلوب على امره. وصمتت القاعة- دفعة واحدة- صمتا مطبقا. .كان الكلام قد وصل الى اسناني ، وسط الصمت المطبق الذي ران على الجميع ، حين جاءت ليلى الحايك فجأة ال راسي . وعرفت انني سأسقط : لقد اجتاحتني موجة من الحمى فتمسكت بالحديد وما لبث الحارس ان دفع تحتي كرسيا فجلست . ورأيت زوجتي تنظر الي بشفقة ووراء كتفيها كان وجه سعيد الحايك قلقا وكانت الدموع تملأ عينيه . ولكن ليلى الحايك وصلت . وعرفت اني لن اتكلم . . عرفت ان حركة شفتي كانت ارتجافا بائسا ولم تكن قرارا بالكلام . . لقد كان قرار الصمت في اعماقي اقوى من ان يحطمه الخوف لانه كان وليد شيء آخر: لوكان وليد الشجاعة لحطمه الخوف ولكنه كان وليد الاقتناع . . كلا، وليد ما هو اكثر عمقا من الاقتناع ، وليد الشعور بالعبث . الم اقل لكم ان الفخ المنصوب في سهوب الجليد لصيد الضبع قد اطبق اسنانه الفولاذية على قوائم كلب طريد لقد جاءت ليلى الحايك فملأت رأسى . وفجأة اختفت المحكمة ، والرعب ، والارتعاد ، وزوجتي . . واستلقت ليلى الحايك كسولة ومستثارة عل الكرسي الطويل في غرفة الجلوس وتركتني استلقي عل جانبها . وقلت - يومها - كأنما لنفسي : - غرمعقول . كانت عائمة فوق امواج المغامرة المثيرة،و سالت بصوتها الهادء نصف النائم الواثق والعميق: - ما هو غير المعقول؟ - انت . كانت امرأة . امرأة . كانت كل النساء ايها السادة. . وانا حزين يا ديما العزيزة ، اذا ما قلت ذلك ولكن من الذي جعلها رائعة غير انت ، كانت رائعة لانها حطمت العادة ، لانها اعادتك... اتذكرين تلك الليلة التي اتيت فيها اليك متعبا ومتأخرااحمل كيسا من الكعك ؟ تلك الليلة هي بالذات كانت ليلتي مع ليلى قد جئت يومها مباشرة من بيتها. . اتذكرين ؟ قلت لي يومها حين قبلتك وانت تحضرين العشاء في المطبخ : انت تلتهب . . ما الذى حدث ؟ الذي حدث انني كنت اريدك اكثر من اي وقت مضى . .. و انت نفسك قلت لي ليلتها< بعد ان استلقيت واخذت تلهثين ال جانبي كنت مرعبا ورائعا، ما الذي تعشيناه ؟ سأطبخ لك كل ليلة صحنا من السجق الحار ان كان يلهبك بهذه الطريقة. لا. لم يكن السجق الحار يا ديما . . لم يكن السجق . . كانت ليلى. كانت ليلى . . التي جاءت الآن ال قفص الاتهام ودخلت في ثيابي واطبقت شفتيها على صمتي... كانت ليل التي قتلت... و التي تحولت في رأسي - لانها ماتت - الى عشيقة حقيقة... لقد انتظر القاضي فترة طويلة ان اتكلم . كان يعتقد ان ارتعادي وارتجافي كانا مقدمة لتحطيم الصمت ولم يعرف -كيف ؟ - اني كنت مع ليلى ومعك في حظة خاطفة خارج المعقول . ولكنه عاد فانتفض غاضبا . وقال شيئا لم افهمه - ذلك اني كنت اخرج لتوي من سريريكما - ثم صاح بي ان انظر اليه فنظر ت . وسأل بغضب : - هل فهمت كل شيء في المرافعة؟ و صمت فيما قلت بيني و بين نفسي، " نعم " _ هل لدي اي اعتراض؟ اية ملاحظة ´؟ اي نقض ؟ وترك لي فرصة ان اجيب ولكني صمت . _ لقد طلب لك الاعدام فهل تراني بحاجة لاشرح لك معنى ذلك ؟ وظل الصمت مطبقا . . فيما عاد بعد لحظة يصيح : _ لقد روى الاتهام قصة الجريمة ، وسمعتها بحذافيرها . . هل استطيع للمرة الاخيرة ان اسألك اعتراضك ؟ وخيم الصمت عميقا وحاسما هذه المرة. استعرضت مرة اخرى قصة الاتهام ولكني لم اجد _ مرة اخرى _ ما يقال . الآن فقط ، استطيع ان اقول لكم _ خارج منطق القانون وخارج مسطرة القضاء _ انها قصة غير حقيقية . . ليس من حيث التفاصيل وواقعيتها فقط ولكن من حيث "قاعدة البحث " ايضا. ان موجز القصة اذن هو ان "شيئا ما" قد رتب لي جريمة لم ارتكبها، جريمة قمت بكل شيء فيها ما عدا مسألة الطعنة التي هي في الواقع جزء يسيرجدا من مجموع الجريمة، وحتى هذه المسألة التي ربما تكوذ قد استغرقت نصف دقيقة عل الاكثر لا استطع ان اثت بأني لم اقم بها ... فما هي الحقيقة ايها السادة ؟ هل هي مجموعة براهين ؟ هل هي مسألة حسابية ؟ ان القانون لا يعترف بالنية ، الا حين يفترضها هو، وهولا يفترضها الا على ضوء سلسلة من البراهين ، ولكن الى اي حد توجد علاقة بين البراهين والنية ؟ بل الى اي حد يمكن ان تكون البراهين حقيقية... لا شك اني كنت سأبدومضحكا تماما لوحاولت ان اقول هذا في المحاكمة . انا الذي كنت دائما امثل دور الرجل الغاضب حين يحاول رجل ما في حضرة العدالة ان يكون ذاتيا او رومانطيقيا او بعيدا خطوة>> واحدة عن القانون فهل ترى هذا الكلام يعني شيئا آخر حين تسمعونه انتم انفسكم ، من فم رجل ميت ؟ لنحاول ان ننظر ال مسألة العدالة بدءآ من طوفها الاخير، وليس من طرفها الاول كما جرت العادة . سأوضح ما اقصد . لقد جرت العادة ان يكون حكمها هو نهاية القصة . فلنحاول ان ننظر اليها حين نفترض ان ذلك الحكم سيكون مجرد البداية . نحن نقول عادة ان جويمة ما تستحق حكما معينا ، ونحل المسألة على هذه الصورة ، فماذا يحدث لو سألنا عما اذا كان ذلك الحكم يوازن الجريمة ؟ ان الجريمة هي سلوك ذاتي ، واذا كانت العدالة تتميز، كما نقول ،بأنها غير ذاتية فلماذا تلجأ الى الانتقام الذي هو قيمة ذاتة . هل العدالة اجراء انتقامي؟ نحن نقول لا . ولكن اذا قتلنا رجلا باسم العدالة لانه قتل رجلا باسم السلوك الشخصي فما الذي نكون قد فعلناه غير الانتقام ، والانتقام بمقاييس شخصية ايضا ان الشخص يرتكب الجريمة ، غالب الاحيان ، بتخطيط شخصي،في احيان كثيرة يرتكبها دون تخطيط ، في كلتا الحالتين نحن ، باسم العدالة ، نخطط وسيلة الانتقام ، ولكن على مقاييس ذاتية وليس على مقاييس اجتماعية . سوف يبدو وكأني اعتبر نفسي قاتلا وانصرف الى منا قشة الحكم وعدالته ، والحقيقة اني لا اعتبر نفسي كذلك ، ولكن ما قيمة اعتبارى الشخصي امام ذلك الهيكل الكامل من البراهين المبنية على مصادفات تكاد تكون وقائع مادية منطقية مسلسلة، في قلب ذلك الاله المقدس الذي نسميه القانون ، والذي نجعله بصورة غيرمباشرة ، يمثل آراء ذاتية محضة ؟ لقد شعرت باكتفاء غريب حين استمعت الى مرافعة الاتهام ،وتأكدت اكثر من اي وقت مضى اني كنت في جانب الصواب حين اخترت الصمت ، وعلى العكس فلو اطلقت للسان العنان لاسأت الى عدد كبيرمن الناس الذين حبهم دون ان اقدر على اثبات براءتى . ما الذي سأكسبه من تلويث ليلى ؟ وما الذي سأجنيه من توريط سعيد. ان هذه القوة المجهولة التي رتبت الامر بكليته ، متسترة وراء صمتي ، هي التي يجب ان تتقدم من تلقاثها لاثبات براءتي ولوحدث ذلك ، يا الهي لوحدث ذلك ! يا الهي ! سيضحي القانون مهزلة ، وسيثبت لي انا على الاقل _ وهو امر في منتهى الاهمية _ ان الفي سنة من الاجتهاد لم تستطح ان تضبط العنصر البشري في قارورة .. لقد استمعت بصمت وتأمل الى مرافعة الاتهام ، كان منطقيا، وقداستعمل الحقاثق المتوفرة ليصل الى قناعات ليس فيها شيء كثير من التجني، ولم يكن بوسعه الوصول الى شيء آخر حين كان يستعمل المنطق البارد في حل مسألة غير منطقية القانون . ولكن اين هوالقانون الذي يستطيح ان يتعامل مح مسائل لم يحدث ان استطاع الانسان اخضاعها للقانون ؟ انا لا اتكلم عن المصادفة فقط التي وقعت ضحية كسيحة بين يديها،ولكني اتكلم ايضا عن الغضب ، عن الغيرة ، عن الحب ، عن الخيانة ، عن الملل ، عن رغبة رجل يعيش مثل بقية الناس ويخطر على باله ذات يوم ان يكسر طوق العادة ليجعل من حياته شيثا فريدا وحارا وله نكهة ، بمجر ان يفعل يكون قد خطا الى خارج العالم الذي يحكمه قانونكم . هل يستطيع القانون ان يغضب ؟ ان يغار؟ ان يشعر بمراوة الخيانة ؟ ان يمزقه الملل ؟ ان يفهم منطق الخروج عن العادة ؟ انه لا يستطيع لانه كما نقول ، ليس ذاتيا، فلماذا اذن يحاكم هذه الظواهر من الخارج ، ثم يضع لها احكاما من منطقها؟ هل تفهمون ايها السادة ؟ ان القانون لا يقبل بان يقوم رجل غاضب بارتكاب جريمة ، ولكنه ، كي يعاقبه ، يقتله _ كأنه هوذاته هذا القانون رجل غاضب . لماذا لا يقبل الغضب ولكنه يقبل استعمال ادوات الغضب ؟ لماذا ايها السادة ؟ لماذا لا يقبل المصادفة ولكنه يعتمد عليها في اثبات الواقع ؟ لماذا ، ايما السادة ، يأخذ من المصادفة اثباتا للواقع ولا يأخذ منها ، هي التي تجي ء في اعتقاده فوق الواقع او وراءه، عدم منطقيتها؟ وقف المحامي الشائب ، ووجهه يكتسي بمسحة حزن حقيقية واخذ يهز اوراقه امام الناس محتارا اكثر مما هو في الحقيقة ،كان ذلك كله اخلاصا ضروريا لطقوس العدالة ، وكنت اريد حقا ان اعرف كيف سيدامع عني . كان في موقف صعب ، هذا شيء قدره له الجميع بما فيهم الخصم ، ولكن في حالة مثل حالتي ، على قدر ما علمتي خبرتي ، يمكن لهذا الصمت ان يكون اداة ممتازة في الدفاع اذا احسن استعمالها، وكنت مشوقا لمعرفة الكيفية التي سيستعملها بها . لقد طلب من المحكمة في البدء :ان تقدر له ظروف القضية ،فهو يواجه من ناحية ادلة علمية ليس بالوسع دحضها ،من حيث انها ظواهر لفعل ما، وهو من ناحية اخرى يواجه ما هو اقسى من ذلك،صمت الرجل المتهم الذي يرفض ان يقول لا او نعم... كانت القاعة اكثر ازدحاما مما كانت في المرة السابقة ، وبدت ديما اكثر طبيعية ، ربما لانها تعودت مثلي على الظروف الجديدة . وقد شهدتها تتحادث مع الصحفيين فتبدو لي من بعيد محامية اكثر من زوجة ،تتحدث بهدوء وعبر صوت افقدته عمدا رنة العاطفة لتبدو، فيما تحسب ، معقولة . وفتح المحامي اوراقه ببط ء متعمد فيما خيم صمت ثقيل ، وقد حدق الي وهويرفع الصفحة الاول لفترة طويلة ، كانه يرجوني ،هذه المرة ، ان اتمسك بصمتي ال الابد . لقد اعلن في نظرته تلك اني خرجت نهاثيا من القضية التي تدور حول رأسي ، وان الموضوع كله قد اضحى حوارا طريفا حول دجاجة ما ، ورهانا مسليا لا يمكن ان يستكمل اثارته الا اذا استكملت صمتي ، الى الابد . لقد تضاءلت الآن ، (او تراني ارتفعت ؟) من شخص الى تجريد،لدى ألاتهام ولدى الدفاع في آن واحد، وكنت سعيدا ان ذلك قد حدث بهذه السرعة بعد ان اعتبرت نفسي، عبر الصمت ، تجريدا لا يمكن للعدالة ان تتعامل معه انني ارفق دفاع المحامي، ايضا. بهذهالاوراق-كي نستكمل الموضوع من كافة جوانبه . "انتم تحاكمون الآن رجلا صامتا، لم يقل لا، ولكنه ايضا لم يقل نعم ، ومع ذلك ان الدفاع عنه مهمة شاقة . ان اثبات براءته مسألة صعبة ولكن ما هو اصعب هو ادانته . لماذا يصمت المتهم ؟ لقد كان تفسيرالادعاء بانه صمت لانه لا يستطيع ان يقول شيثا امام الادلة ، انه احتمال اقبله بكل احترام شرط ان نقبل الاحتمال الآخر الذي يقول بان الادلة ايضا جاءت صامتة . انها ايها السادة لا تعني شيئا دون ان يقول المتهم كلمته ،اما الشخص الآخر الذي يستطيع ان يقول كلمة مماثلة فقد مات . لقد وجد موكلي نفسه ، دون تمهيد، في مصيدة من الادلة التي تعني انه القاتل بنفس المقدار الذي تعني فيه انه ليس قاتلا، وامام حيرة من هذا النوع سأسمح لنفسي ان اقول انه اصيب بنوع من الجنون : فهولا يستطع ان يصدق ، وشاهده الوحيد ليس ميتا فقط ولكنه ايضا صديق عزيز ميت ، والمجرم الحقيقي نفذ جريمته بتخطيط شديد الذكاء ليضع انسانا بريئا امامكم على قاب خطوة من الموت ، فما الذي يستطع رجل ان يقوله في هذه الحالة . لقد رأينا كثيرا من المتهمين الابرياء؟ يعلنون اضرابا عن الطعام حتى الموت ، اي انهم يختارون الموت يانفسهم قبل ان تجبرهم عليه اخطاء العدالة ، ان الصمت هوصراخ من النوع نفسه . اكثر عمقا واكثر لياقة بكرامة الانسان . الا تستطيعون ايها السادة ان تسمعوا في صمت هذا الرجل صراخ الرجل البريء المغلوب على امره ؟ صراخ الضحية التي وضعها مجرم مجهول في مصيدة دون ان يتيح لها فرصة الدفاع عن نفسه؟ اي برهان على براءة هذا الرجل اكثر قوة من ان يصمت حين تكون حياته نفسها علىحافة السكين. لو تكلم المتهم فانه لن يفسر شيئا وقد يستطيع ان ينقذ حياته اوبعضها ولكن حين يصمت فقد يخسرحياته ، فلماذا يصمت اذن اذا لم يكن الصمت هو اعمق دفاع انساني عن الحياة ؟ ان مرافعة الادعاء تحتوي على تناقض نظري فاضح : فهويقول ان موكلي ارتكب جريمة عن سابق تخطيط وتعمد و اصرار ، ثم يقول انه صمت لانه يعترف بها،ولكن لوكان هذا صحيحا لكان من المفروض ان ينبري المتهم للدفاع عن مخططاته . لوقال الادعاء ان موكلي ارتكب جريمة مفاجئة ،دون عمد واصرار،لكان بوسعنا ان نفهم بأن صمته هو ند م عميق واعتراف كامل ، لان الجريمة اذن حدثت خارج سيطرته العقلية واحس بفداحتها الآن ، ولكن اذا كانت الجريمة وليدة خطة طويلة الامد فالذي لا شك فيه اذن ان المتهم كان قد وضع في حسبانه.ان يدافع عن نفسه ، واعد للامر عدته . سأسمح لنفسي ايها السادة ان اقول ان جريمة مخططة طويلة ألامد لا يمكن ان تترك ادلة بهذه الكثرة ، خصوصا اذا كان الرجل الذي قام بها محاميآ خبيرآ وذكيآ. الا اذا وافقنا بان الجريمة قد حدثت في لحظتها،دون تخطيط ودون تعمد واصراروربما للدفاع عن النفس ،ولكن هذا كله غير مثبت ،ان الشيء الثابت هو ان الجريمة مخططة بدقة واحكام ،وهذا تناقض آخر، تناقض بين وجود ادلة عديدة ، وبين ما نعرفه جميعا عن ذكاء موكلي وطول تمرسه بقضايا الجنايات. ولكن يجب ان لا يخيل لاحد اني اريد ان اقول ان موكلي قد ارتكب الجريمة دون تخيط ودون سابق اصرار، اني -ايها السادة - لست هنا لاطالب بالسجن المؤبد لموكلي بدلا من الاعدام - اني اطالب له بالبراءة... لقد قال الادعاء ان اتصالا غير مباشر قد حدث بين موكلي وبين الشاب الارجنتيي قبل وفاة والد الضحية ليلى ، ولكنه ليس من الثابت ان موكلي هوالذي قام بهذا الاتصال - صحيح ان موكلي اعتمد على هذا الاتصال الاولي غيرالمباشرحين اضحى محامي الشاب الارجنتيي ولكن ذلك لا يثبت ان موكلي هو الذي اجرى الاتصال الاول . من الذي اجرى ذلك الاتصال الاول مع الشاب الارجتيني ؟ ان هذه المسألة في غاية الاهمية ذلك انها، لو استطاعت العدالة حلها،تدخل الى القضية الرجل المجهول الذي لعب الدور الاساسي كله ،الذي قد يكون ارتكب الجريمة . ان رجلا مجهولا ما زال خارج نطاق العاالة ، ليس ثمة اي اثبات تركه . ولكنه موجود، وليس بوسعنا ان نمضي في هذه القضية الى نهايتها دون ان نعرف من هو . لنعد الى القصة الاولى من اولها: كان والد ليلى الحايك على وشك الموت ، مخلفا ثروة طائلة لابنته الوحيدة ، حين تلقى الشاب الارجنتيي كما قال في اعترافاته رسالة مغفلة التوقيح ، مركبة من كلمات مطبوعة مأخوذة من جريدة ما، تفتح عينيه على موضوع الارث. من الذي ارسل له هذه الرسالة ؟ الادعاء يوحي بان موكلي هوالذي فعل ، ولكن هذه الواقعة ليست مثبتة قانونيا، وقد لعبت عند الادعاء دور المدماك الاساسي الذي ركب عليه قصة الجريمة برمتها. . . لقد علم موكلي بالقضية من رسالة مماثلة وصلت الى السيد الحايك ليست مهمتي اكتشاف ذلك الرجل ، ولكن القانون يعطيني حق افتراض وجوده ، وسأبني القصة ، في ظروفها التي تعرفونها جيدا، على افتراض وجود ذلك الرجل. ليس بوسعي ، وليس بوسع الادعاء ايضا، معرفة الطريقة التي تم الاتصال بها بين موكلي والشاب الارجنتيي، ولكن لدينا حقيقة واحدة في هذا المضماروهي ان موكلي اتصل بالشاب الارجنتيي بعد تعرفه الى عائلة الحايك وليس قبل ذلك. من اقوال الشهود لدينا اثبات آخر وهو ان سعيد الحايك ، هو الذي طلب من موكلي موعدا وليس العكس ، هذا يعني ان موكلي لم يكن على علم بتلك القضية - بل اكثر من ذلك فقد قال سعيد الحايك انه هو الذي اطلع موكلي على وجود قضية من هذا النوع وانه طلب منه توليها كخصم لانه يثق بشهامته وتقيده بالقانون قبل ان يتولاها محام آخر يد خلها ال عالم من المساومة والضغط وربما التزوير. كيف عرف سعيد الحايك تفاصيل القصة ؟ لقد اشار سعيد الحايك في التحقيق ال رسالة مماثلة لتلك التي وصلت للشاب الارجنتيي، وقد جعل السيد الحايك موكلي يطلح على تلك الرسالة الغامضة ، كخصمين شريفين ليس لديهما ما يخفيانه. نحن ايها السادة امام مجرم حقيقي شديد الذكاء، واخشى ان يكون قد ضللنا جميعا، لقد اتصل بالوريث المزعوم واتصل بعائلة الحايك وانتظرمن الاتصالين ان يفرضا محاميا، ليتيسرله ان يلعب لعبته في الوقت المناسب.
======================
تابع