النتائج 1 إلى 4 من 4
الموضوع:

الشيء الاخر (الروايه كامله)

الزوار من محركات البحث: 50 المشاهدات : 602 الردود: 3
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    بنت الزهراء
    تاريخ التسجيل: January-2014
    الدولة: في تراب الوطن
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 8,268 المواضيع: 1,296
    التقييم: 2889
    مزاجي: هادئ؟؟احيانا

    الشيء الاخر (الروايه كامله)


    الشي الاخر:من قتل ليلي الحايك (غسان كنفاني)
    1
    الشيء الآخر -الرواية -1
    القصة تتحدث عن محام اتهم بقتل سيدة ... اجتمعت جميع الادلة ضده... و نسجت بطريقة غريبة جعلت من المستحيل ان تشك و لو للحظة انه ليس القاتل...

    هو بدوره قرر الصمت... و ترك نفسه ضحية لحبل المشنقة... لانه لم يجد شيئا غير الصمت ليجيب على ذلك الشيء الاخر...

    اراد غسان كنفاني ان يقول انه احيانا لا يكون هناك فائدة من قول الحقيقة... بل على العكس، قد يزيد الامر سوءا...
    ا




    وفجأة _ وراء الصمت المطبق _ نبع صوت من الصفوف الخلفية وصاح : "مجرم" . ثم قام الرجل العجوز الضئيل واخذ يسير نحو الباب دون ان ينظر واندفعت زوجتي نحو القفص ودخلت اصابعها في شباكه ، واخذت تصيح في نوبة من الهستيريا: تكلم يا صالح . . تكلم ستموت . دارت الجملة في رأسي واخذ بدني يرتجف ، ونظرت فجأة الى المنصة فجاءت عينا القاضي تنظران مباشرة في عيني ، وهز رأسه هزة خفيفة، وصاح صوت آخر من يبن الحضور: - تكلم ياصالح، تكلم... وعادت زوجتي تصيح : ستموت يا صالح ، تكلم ... و احسست ان جسدي اخذ ينضح بالعرق و بدات شفتاي تتحركان كانهما شقا فخ من القصب يهتز تحت ضربات جناحي عصفور مغلوب على امره. وصمتت القاعة- دفعة واحدة- صمتا مطبقا. .كان الكلام قد وصل الى اسناني ، وسط الصمت المطبق الذي ران على الجميع ، حين جاءت ليلى الحايك فجأة ال راسي . وعرفت انني سأسقط : لقد اجتاحتني موجة من الحمى فتمسكت بالحديد وما لبث الحارس ان دفع تحتي كرسيا فجلست . ورأيت زوجتي تنظر الي بشفقة ووراء كتفيها كان وجه سعيد الحايك قلقا وكانت الدموع تملأ عينيه . ولكن ليلى الحايك وصلت . وعرفت اني لن اتكلم . . عرفت ان حركة شفتي كانت ارتجافا بائسا ولم تكن قرارا بالكلام . . لقد كان قرار الصمت في اعماقي اقوى من ان يحطمه الخوف لانه كان وليد شيء آخر: لوكان وليد الشجاعة لحطمه الخوف ولكنه كان وليد الاقتناع . . كلا، وليد ما هو اكثر عمقا من الاقتناع ، وليد الشعور بالعبث . الم اقل لكم ان الفخ المنصوب في سهوب الجليد لصيد الضبع قد اطبق اسنانه الفولاذية على قوائم كلب طريد لقد جاءت ليلى الحايك فملأت رأسى . وفجأة اختفت المحكمة ، والرعب ، والارتعاد ، وزوجتي . . واستلقت ليلى الحايك كسولة ومستثارة عل الكرسي الطويل في غرفة الجلوس وتركتني استلقي عل جانبها . وقلت - يومها - كأنما لنفسي : - غرمعقول . كانت عائمة فوق امواج المغامرة المثيرة،و سالت بصوتها الهادء نصف النائم الواثق والعميق: - ما هو غير المعقول؟ - انت . كانت امرأة . امرأة . كانت كل النساء ايها السادة. . وانا حزين يا ديما العزيزة ، اذا ما قلت ذلك ولكن من الذي جعلها رائعة غير انت ، كانت رائعة لانها حطمت العادة ، لانها اعادتك... اتذكرين تلك الليلة التي اتيت فيها اليك متعبا ومتأخرااحمل كيسا من الكعك ؟ تلك الليلة هي بالذات كانت ليلتي مع ليلى قد جئت يومها مباشرة من بيتها. . اتذكرين ؟ قلت لي يومها حين قبلتك وانت تحضرين العشاء في المطبخ : انت تلتهب . . ما الذى حدث ؟ الذي حدث انني كنت اريدك اكثر من اي وقت مضى . .. و انت نفسك قلت لي ليلتها< بعد ان استلقيت واخذت تلهثين ال جانبي كنت مرعبا ورائعا، ما الذي تعشيناه ؟ سأطبخ لك كل ليلة صحنا من السجق الحار ان كان يلهبك بهذه الطريقة. لا. لم يكن السجق الحار يا ديما . . لم يكن السجق . . كانت ليلى. كانت ليلى . . التي جاءت الآن ال قفص الاتهام ودخلت في ثيابي واطبقت شفتيها على صمتي... كانت ليل التي قتلت... و التي تحولت في رأسي - لانها ماتت - الى عشيقة حقيقة... لقد انتظر القاضي فترة طويلة ان اتكلم . كان يعتقد ان ارتعادي وارتجافي كانا مقدمة لتحطيم الصمت ولم يعرف -كيف ؟ - اني كنت مع ليلى ومعك في حظة خاطفة خارج المعقول . ولكنه عاد فانتفض غاضبا . وقال شيئا لم افهمه - ذلك اني كنت اخرج لتوي من سريريكما - ثم صاح بي ان انظر اليه فنظر ت . وسأل بغضب : - هل فهمت كل شيء في المرافعة؟ و صمت فيما قلت بيني و بين نفسي، " نعم " _ هل لدي اي اعتراض؟ اية ملاحظة ´؟ اي نقض ؟ وترك لي فرصة ان اجيب ولكني صمت . _ لقد طلب لك الاعدام فهل تراني بحاجة لاشرح لك معنى ذلك ؟ وظل الصمت مطبقا . . فيما عاد بعد لحظة يصيح : _ لقد روى الاتهام قصة الجريمة ، وسمعتها بحذافيرها . . هل استطيع للمرة الاخيرة ان اسألك اعتراضك ؟ وخيم الصمت عميقا وحاسما هذه المرة. استعرضت مرة اخرى قصة الاتهام ولكني لم اجد _ مرة اخرى _ ما يقال . الآن فقط ، استطيع ان اقول لكم _ خارج منطق القانون وخارج مسطرة القضاء _ انها قصة غير حقيقية . . ليس من حيث التفاصيل وواقعيتها فقط ولكن من حيث "قاعدة البحث " ايضا. ان موجز القصة اذن هو ان "شيئا ما" قد رتب لي جريمة لم ارتكبها، جريمة قمت بكل شيء فيها ما عدا مسألة الطعنة التي هي في الواقع جزء يسيرجدا من مجموع الجريمة، وحتى هذه المسألة التي ربما تكوذ قد استغرقت نصف دقيقة عل الاكثر لا استطع ان اثت بأني لم اقم بها ... فما هي الحقيقة ايها السادة ؟ هل هي مجموعة براهين ؟ هل هي مسألة حسابية ؟ ان القانون لا يعترف بالنية ، الا حين يفترضها هو، وهولا يفترضها الا على ضوء سلسلة من البراهين ، ولكن الى اي حد توجد علاقة بين البراهين والنية ؟ بل الى اي حد يمكن ان تكون البراهين حقيقية... لا شك اني كنت سأبدومضحكا تماما لوحاولت ان اقول هذا في المحاكمة . انا الذي كنت دائما امثل دور الرجل الغاضب حين يحاول رجل ما في حضرة العدالة ان يكون ذاتيا او رومانطيقيا او بعيدا خطوة>> واحدة عن القانون فهل ترى هذا الكلام يعني شيئا آخر حين تسمعونه انتم انفسكم ، من فم رجل ميت ؟ لنحاول ان ننظر ال مسألة العدالة بدءآ من طوفها الاخير، وليس من طرفها الاول كما جرت العادة . سأوضح ما اقصد . لقد جرت العادة ان يكون حكمها هو نهاية القصة . فلنحاول ان ننظر اليها حين نفترض ان ذلك الحكم سيكون مجرد البداية . نحن نقول عادة ان جويمة ما تستحق حكما معينا ، ونحل المسألة على هذه الصورة ، فماذا يحدث لو سألنا عما اذا كان ذلك الحكم يوازن الجريمة ؟ ان الجريمة هي سلوك ذاتي ، واذا كانت العدالة تتميز، كما نقول ،بأنها غير ذاتية فلماذا تلجأ الى الانتقام الذي هو قيمة ذاتة . هل العدالة اجراء انتقامي؟ نحن نقول لا . ولكن اذا قتلنا رجلا باسم العدالة لانه قتل رجلا باسم السلوك الشخصي فما الذي نكون قد فعلناه غير الانتقام ، والانتقام بمقاييس شخصية ايضا ان الشخص يرتكب الجريمة ، غالب الاحيان ، بتخطيط شخصي،في احيان كثيرة يرتكبها دون تخطيط ، في كلتا الحالتين نحن ، باسم العدالة ، نخطط وسيلة الانتقام ، ولكن على مقاييس ذاتية وليس على مقاييس اجتماعية . سوف يبدو وكأني اعتبر نفسي قاتلا وانصرف الى منا قشة الحكم وعدالته ، والحقيقة اني لا اعتبر نفسي كذلك ، ولكن ما قيمة اعتبارى الشخصي امام ذلك الهيكل الكامل من البراهين المبنية على مصادفات تكاد تكون وقائع مادية منطقية مسلسلة، في قلب ذلك الاله المقدس الذي نسميه القانون ، والذي نجعله بصورة غيرمباشرة ، يمثل آراء ذاتية محضة ؟ لقد شعرت باكتفاء غريب حين استمعت الى مرافعة الاتهام ،وتأكدت اكثر من اي وقت مضى اني كنت في جانب الصواب حين اخترت الصمت ، وعلى العكس فلو اطلقت للسان العنان لاسأت الى عدد كبيرمن الناس الذين حبهم دون ان اقدر على اثبات براءتى . ما الذي سأكسبه من تلويث ليلى ؟ وما الذي سأجنيه من توريط سعيد. ان هذه القوة المجهولة التي رتبت الامر بكليته ، متسترة وراء صمتي ، هي التي يجب ان تتقدم من تلقاثها لاثبات براءتي ولوحدث ذلك ، يا الهي لوحدث ذلك ! يا الهي ! سيضحي القانون مهزلة ، وسيثبت لي انا على الاقل _ وهو امر في منتهى الاهمية _ ان الفي سنة من الاجتهاد لم تستطح ان تضبط العنصر البشري في قارورة .. لقد استمعت بصمت وتأمل الى مرافعة الاتهام ، كان منطقيا، وقداستعمل الحقاثق المتوفرة ليصل الى قناعات ليس فيها شيء كثير من التجني، ولم يكن بوسعه الوصول الى شيء آخر حين كان يستعمل المنطق البارد في حل مسألة غير منطقية القانون . ولكن اين هوالقانون الذي يستطيح ان يتعامل مح مسائل لم يحدث ان استطاع الانسان اخضاعها للقانون ؟ انا لا اتكلم عن المصادفة فقط التي وقعت ضحية كسيحة بين يديها،ولكني اتكلم ايضا عن الغضب ، عن الغيرة ، عن الحب ، عن الخيانة ، عن الملل ، عن رغبة رجل يعيش مثل بقية الناس ويخطر على باله ذات يوم ان يكسر طوق العادة ليجعل من حياته شيثا فريدا وحارا وله نكهة ، بمجر ان يفعل يكون قد خطا الى خارج العالم الذي يحكمه قانونكم . هل يستطيع القانون ان يغضب ؟ ان يغار؟ ان يشعر بمراوة الخيانة ؟ ان يمزقه الملل ؟ ان يفهم منطق الخروج عن العادة ؟ انه لا يستطيع لانه كما نقول ، ليس ذاتيا، فلماذا اذن يحاكم هذه الظواهر من الخارج ، ثم يضع لها احكاما من منطقها؟ هل تفهمون ايها السادة ؟ ان القانون لا يقبل بان يقوم رجل غاضب بارتكاب جريمة ، ولكنه ، كي يعاقبه ، يقتله _ كأنه هوذاته هذا القانون رجل غاضب . لماذا لا يقبل الغضب ولكنه يقبل استعمال ادوات الغضب ؟ لماذا ايها السادة ؟ لماذا لا يقبل المصادفة ولكنه يعتمد عليها في اثبات الواقع ؟ لماذا ، ايما السادة ، يأخذ من المصادفة اثباتا للواقع ولا يأخذ منها ، هي التي تجي ء في اعتقاده فوق الواقع او وراءه، عدم منطقيتها؟ وقف المحامي الشائب ، ووجهه يكتسي بمسحة حزن حقيقية واخذ يهز اوراقه امام الناس محتارا اكثر مما هو في الحقيقة ،كان ذلك كله اخلاصا ضروريا لطقوس العدالة ، وكنت اريد حقا ان اعرف كيف سيدامع عني . كان في موقف صعب ، هذا شيء قدره له الجميع بما فيهم الخصم ، ولكن في حالة مثل حالتي ، على قدر ما علمتي خبرتي ، يمكن لهذا الصمت ان يكون اداة ممتازة في الدفاع اذا احسن استعمالها، وكنت مشوقا لمعرفة الكيفية التي سيستعملها بها . لقد طلب من المحكمة في البدء :ان تقدر له ظروف القضية ،فهو يواجه من ناحية ادلة علمية ليس بالوسع دحضها ،من حيث انها ظواهر لفعل ما، وهو من ناحية اخرى يواجه ما هو اقسى من ذلك،صمت الرجل المتهم الذي يرفض ان يقول لا او نعم... كانت القاعة اكثر ازدحاما مما كانت في المرة السابقة ، وبدت ديما اكثر طبيعية ، ربما لانها تعودت مثلي على الظروف الجديدة . وقد شهدتها تتحادث مع الصحفيين فتبدو لي من بعيد محامية اكثر من زوجة ،تتحدث بهدوء وعبر صوت افقدته عمدا رنة العاطفة لتبدو، فيما تحسب ، معقولة . وفتح المحامي اوراقه ببط ء متعمد فيما خيم صمت ثقيل ، وقد حدق الي وهويرفع الصفحة الاول لفترة طويلة ، كانه يرجوني ،هذه المرة ، ان اتمسك بصمتي ال الابد . لقد اعلن في نظرته تلك اني خرجت نهاثيا من القضية التي تدور حول رأسي ، وان الموضوع كله قد اضحى حوارا طريفا حول دجاجة ما ، ورهانا مسليا لا يمكن ان يستكمل اثارته الا اذا استكملت صمتي ، الى الابد . لقد تضاءلت الآن ، (او تراني ارتفعت ؟) من شخص الى تجريد،لدى ألاتهام ولدى الدفاع في آن واحد، وكنت سعيدا ان ذلك قد حدث بهذه السرعة بعد ان اعتبرت نفسي، عبر الصمت ، تجريدا لا يمكن للعدالة ان تتعامل معه انني ارفق دفاع المحامي، ايضا. بهذهالاوراق-كي نستكمل الموضوع من كافة جوانبه . "انتم تحاكمون الآن رجلا صامتا، لم يقل لا، ولكنه ايضا لم يقل نعم ، ومع ذلك ان الدفاع عنه مهمة شاقة . ان اثبات براءته مسألة صعبة ولكن ما هو اصعب هو ادانته . لماذا يصمت المتهم ؟ لقد كان تفسيرالادعاء بانه صمت لانه لا يستطيع ان يقول شيثا امام الادلة ، انه احتمال اقبله بكل احترام شرط ان نقبل الاحتمال الآخر الذي يقول بان الادلة ايضا جاءت صامتة . انها ايها السادة لا تعني شيئا دون ان يقول المتهم كلمته ،اما الشخص الآخر الذي يستطيع ان يقول كلمة مماثلة فقد مات . لقد وجد موكلي نفسه ، دون تمهيد، في مصيدة من الادلة التي تعني انه القاتل بنفس المقدار الذي تعني فيه انه ليس قاتلا، وامام حيرة من هذا النوع سأسمح لنفسي ان اقول انه اصيب بنوع من الجنون : فهولا يستطع ان يصدق ، وشاهده الوحيد ليس ميتا فقط ولكنه ايضا صديق عزيز ميت ، والمجرم الحقيقي نفذ جريمته بتخطيط شديد الذكاء ليضع انسانا بريئا امامكم على قاب خطوة من الموت ، فما الذي يستطع رجل ان يقوله في هذه الحالة . لقد رأينا كثيرا من المتهمين الابرياء؟ يعلنون اضرابا عن الطعام حتى الموت ، اي انهم يختارون الموت يانفسهم قبل ان تجبرهم عليه اخطاء العدالة ، ان الصمت هوصراخ من النوع نفسه . اكثر عمقا واكثر لياقة بكرامة الانسان . الا تستطيعون ايها السادة ان تسمعوا في صمت هذا الرجل صراخ الرجل البريء المغلوب على امره ؟ صراخ الضحية التي وضعها مجرم مجهول في مصيدة دون ان يتيح لها فرصة الدفاع عن نفسه؟ اي برهان على براءة هذا الرجل اكثر قوة من ان يصمت حين تكون حياته نفسها علىحافة السكين. لو تكلم المتهم فانه لن يفسر شيئا وقد يستطيع ان ينقذ حياته اوبعضها ولكن حين يصمت فقد يخسرحياته ، فلماذا يصمت اذن اذا لم يكن الصمت هو اعمق دفاع انساني عن الحياة ؟ ان مرافعة الادعاء تحتوي على تناقض نظري فاضح : فهويقول ان موكلي ارتكب جريمة عن سابق تخطيط وتعمد و اصرار ، ثم يقول انه صمت لانه يعترف بها،ولكن لوكان هذا صحيحا لكان من المفروض ان ينبري المتهم للدفاع عن مخططاته . لوقال الادعاء ان موكلي ارتكب جريمة مفاجئة ،دون عمد واصرار،لكان بوسعنا ان نفهم بأن صمته هو ند م عميق واعتراف كامل ، لان الجريمة اذن حدثت خارج سيطرته العقلية واحس بفداحتها الآن ، ولكن اذا كانت الجريمة وليدة خطة طويلة الامد فالذي لا شك فيه اذن ان المتهم كان قد وضع في حسبانه.ان يدافع عن نفسه ، واعد للامر عدته . سأسمح لنفسي ايها السادة ان اقول ان جريمة مخططة طويلة ألامد لا يمكن ان تترك ادلة بهذه الكثرة ، خصوصا اذا كان الرجل الذي قام بها محاميآ خبيرآ وذكيآ. الا اذا وافقنا بان الجريمة قد حدثت في لحظتها،دون تخطيط ودون تعمد واصراروربما للدفاع عن النفس ،ولكن هذا كله غير مثبت ،ان الشيء الثابت هو ان الجريمة مخططة بدقة واحكام ،وهذا تناقض آخر، تناقض بين وجود ادلة عديدة ، وبين ما نعرفه جميعا عن ذكاء موكلي وطول تمرسه بقضايا الجنايات. ولكن يجب ان لا يخيل لاحد اني اريد ان اقول ان موكلي قد ارتكب الجريمة دون تخيط ودون سابق اصرار، اني -ايها السادة - لست هنا لاطالب بالسجن المؤبد لموكلي بدلا من الاعدام - اني اطالب له بالبراءة... لقد قال الادعاء ان اتصالا غير مباشر قد حدث بين موكلي وبين الشاب الارجنتيي قبل وفاة والد الضحية ليلى ، ولكنه ليس من الثابت ان موكلي هوالذي قام بهذا الاتصال - صحيح ان موكلي اعتمد على هذا الاتصال الاولي غيرالمباشرحين اضحى محامي الشاب الارجنتيي ولكن ذلك لا يثبت ان موكلي هو الذي اجرى الاتصال الاول . من الذي اجرى ذلك الاتصال الاول مع الشاب الارجتيني ؟ ان هذه المسألة في غاية الاهمية ذلك انها، لو استطاعت العدالة حلها،تدخل الى القضية الرجل المجهول الذي لعب الدور الاساسي كله ،الذي قد يكون ارتكب الجريمة . ان رجلا مجهولا ما زال خارج نطاق العاالة ، ليس ثمة اي اثبات تركه . ولكنه موجود، وليس بوسعنا ان نمضي في هذه القضية الى نهايتها دون ان نعرف من هو . لنعد الى القصة الاولى من اولها: كان والد ليلى الحايك على وشك الموت ، مخلفا ثروة طائلة لابنته الوحيدة ، حين تلقى الشاب الارجنتيي كما قال في اعترافاته رسالة مغفلة التوقيح ، مركبة من كلمات مطبوعة مأخوذة من جريدة ما، تفتح عينيه على موضوع الارث. من الذي ارسل له هذه الرسالة ؟ الادعاء يوحي بان موكلي هوالذي فعل ، ولكن هذه الواقعة ليست مثبتة قانونيا، وقد لعبت عند الادعاء دور المدماك الاساسي الذي ركب عليه قصة الجريمة برمتها. . . لقد علم موكلي بالقضية من رسالة مماثلة وصلت الى السيد الحايك ليست مهمتي اكتشاف ذلك الرجل ، ولكن القانون يعطيني حق افتراض وجوده ، وسأبني القصة ، في ظروفها التي تعرفونها جيدا، على افتراض وجود ذلك الرجل. ليس بوسعي ، وليس بوسع الادعاء ايضا، معرفة الطريقة التي تم الاتصال بها بين موكلي والشاب الارجنتيي، ولكن لدينا حقيقة واحدة في هذا المضماروهي ان موكلي اتصل بالشاب الارجنتيي بعد تعرفه الى عائلة الحايك وليس قبل ذلك. من اقوال الشهود لدينا اثبات آخر وهو ان سعيد الحايك ، هو الذي طلب من موكلي موعدا وليس العكس ، هذا يعني ان موكلي لم يكن على علم بتلك القضية - بل اكثر من ذلك فقد قال سعيد الحايك انه هو الذي اطلع موكلي على وجود قضية من هذا النوع وانه طلب منه توليها كخصم لانه يثق بشهامته وتقيده بالقانون قبل ان يتولاها محام آخر يد خلها ال عالم من المساومة والضغط وربما التزوير. كيف عرف سعيد الحايك تفاصيل القصة ؟ لقد اشار سعيد الحايك في التحقيق ال رسالة مماثلة لتلك التي وصلت للشاب الارجنتيي، وقد جعل السيد الحايك موكلي يطلح على تلك الرسالة الغامضة ، كخصمين شريفين ليس لديهما ما يخفيانه. نحن ايها السادة امام مجرم حقيقي شديد الذكاء، واخشى ان يكون قد ضللنا جميعا، لقد اتصل بالوريث المزعوم واتصل بعائلة الحايك وانتظرمن الاتصالين ان يفرضا محاميا، ليتيسرله ان يلعب لعبته في الوقت المناسب.

    ======================
    تابع


  2. #2
    من أهل الدار
    بنت الزهراء
    الشيء الآخر - الرواية -2


    لدينا سؤالان الآن ايها السادة : هل كان ذلك الوريث الارجنتيني مزعوما حقا؟ ولماذا اتصل الشخص المجهول بهذه الطريقة بسعيد الحايك وخصمه وادخل المسألة الى القضاء؟ ماهي مصلحته في ذلك ؟ ليس لدى موكلي ، حتى لحظة وقوع الجريمة البشعة . ما يثبت ان اللوريث الارجنتيني هووريث مزور، وبوسع اي منا ان يتصور نفسه في مكان موكلي : قضية ارث معقدة . فيها احتمالات متساوية ولكن فيها ايضا الاغراء الذي يمكن ان يجلبه الانتصار، حصة قانونية من الثروة . . فما هو المانع من ان يتولى موكلي القضية طالما هي في نطاق القانون ؟ صحيح ان الشاب الارجنتيني لم يستطع ان يثبت نسبه الى والد ليلى،و لكن الصحيح ان ليلى لم تستطع ان تثبت العكس . . ان الوثيقة الوحيدة القادرة ان تحسم الاحتمالين لم تبرز الا بعد مقتل الضحية وكما قال الشهود فان موكلي لم يكن على معرفة بها وبحقيقتها حتى حين اعلمته الضحية بوجودها . اذن ، من الناحية المنطقية ، ليس لدى موكلي اي مانع من ان يأخذ القضية وعلى العكس فقد اخذها بناء على نصح خصمه ، لان خصمه هذا كان يثق بنزاهة موكلي وحرصه على القانون . ولكن من اين جاءت تلك الوثيقة الوحيدة ، والتي لم تكشف الا بعد وقوع الجويمة ؟ انه سؤ ال مهم ايها السادة ، في غاية الاهمية بالرغم من ان كل الشهود لا يعرفون قصتها . . انني اجرؤ على القول بان جهل جميع الشهود بتلك الوثيقة هو اثبات لا يدحضه الشك بوجود رجل مجهول . وسرت فجأة ضجة في قاعة المحكمة فاخذ القاضي يضرب المنضدة بكفه طالبا الهدوء ، وصاح صوت قريب لم استطع تبين صاحبه :" انت تزيد ألموضوع تعقيدا" . ولكن المحامي الشائب اخذ يهز اوراقه مستثارا ، طالبا من القاضي ان يهيء له فرصة اكمال مرافعته بهدوء ، وبدت وجوه الحاضرين ، حين نظرت اليه ، مملوءة مرة اخرى بالحيرة التي كانت عليها قبل مرافعة الاتهام. وكان المدعي العام يهز رأسه ساخرا ولكن بصمت ، وفجأة نظر المحامي الي وكأنه يستشيرتني فالتزمت الصمت . . ولكنه بدا لي في تلك اللحظة اكثر ذكاء ودهاء مما توقعت ، يجيد هو الآخر استعمال المواد الخام ليبن هيكله الخاص دون ان يرتكب مغامرة غير مأمونة العواقب . واعترف اني انا نفسي لم اكن لافكر بمثل هذا المخرج ، لقد كان وضع نغمة "الرجل المجهول " في الدفاع وسيلة بارعة لتحميله كل التفاصيل التي ظلت غامضة ، وفي هذه الحالة فان المحامي لا يخسرشيئا وليس اسهل عليه من تأليب القضاء على رجل ما زال فارا بعد ان قام بخديعة رهيبة . لقد كان المحامي بارعا في استغلال نقطة حساسة في القضية هي صمتي ، وكان صمتي يثقل ضمير المحكمة وقد جاء المحامي ليتيح لها مخرجا لائقا عن طريق القاء التبعة على اكتاف رجل هارب ولكن القاضي لم يكن قد استطاع - بعد - اسكات الضجيج ، وكان المحامي الشائب ما زال يلوح باوراقه مطالبا باتاحة الفرصة له ليكمل مرافعته وكانت زوجتي وسعيد الحايك يهزان رأسيهما للمحامي مشجعين في تعابير بدت وكأنها تتمسك بما تبقى في اوراقه من امل . وفجأة ضرب المحامي منضدته بجماع كفه فاحدثت دويا هائلا اعقبه صمت مطبق ، وانطلق صوته الراجف وسط ذلك الصمت يصيح : - نعم ، ايها السادة . . سترون - لو تكرمتم اعطائي فرصة اكمال دفاعي - ان هناك رجلا مجهولا قام بارتكاب هذه الجريمة البشعة ويريد الصاقها بموكلي. وهز اوراقه في وجه الحاضرين: -ان سراح موكلي ينغي ان يطلق فورا. . ولدي هناك الاثبات ، وصاح صوت في الصف الخلفي: - انه منطقي . . دعوه يكمل فقد ينقذ الرجل ومرة اخرى طلب القاضي من صاحب التعليق ان يغادر القاعة ومرة اخرى شهدت الرجل العجوز الضئيل يخرج بهدوء وكأنه جاء فقط ليقو ل هذه الكلمة. ووسط الصمت المستثار الذي خيم بعمق ثقيل على القاعة مضي المحامي الشائب في محاولته البارعة لابعاد حبل المشنقة عن عنقي … وكنت اعرف ، في شعور غامض ، أن القنبلة التي رماها المحامي العجوز في قاعة المحكمة، حين تحدى الاتهام بوجود رجل مجهول وراء الجريمة ، هي قنبلة لا تحتمل الفحص . وان الضجة التي احدثتها بين الحضور كان سببها الاساسي انهم لم يستمعوا لتتمة المرافعة . وكنت ارى- بيني وبين نفسي - انه لوطوى المحامي اوراقه عند تلك النقطة ومضى لكان ترك في القاعة اثرا ابعد واعمق واكثر تشويشا من ذلك الذي سيتركه بعد انتهاء المرافعة وعلى اي حال فقد كنت اعرف ايضا اني لا استطيح تقدير حقيقة كفاءة ذلك المحامي الذي فاجأني بمدخل لم اكن اتوقعه . . . وحين قمت بحسابي الخاص رأيت ان ذلك المحامي ، لو كان اكثر كفاءة مما هو،لاستطاع ان يحوك قصة بارعة قد تنطلي إن ليس على المحكمة، فعلى الرأي العام : ماذا اقصد بكلمة كفاءة ؟ اقصد انه لو استطاع ،مثلا ، اقناع الشهود باسقاط جمل لا يعتبرونها مهمة في شهاداتهم لجاءت قصته محبوكة تماما. ولكني كنت اعرف ان ذلك الشيء لن يحدث لا نه يحتاج الى درجة في الذكاء والتصور هي عادة من اسلحة العقل الشاب المغامر و ليست من مؤهلات العقل العجوز.. لقد عاد االمحامي يقرأ بهداوء، صار الآن اكثر ثقة بنفسه واشد تماسكا، وقد رمقني بنظرة خاطفة يوحي. بانه لم يعد- بعد- بحاجة الى معونتي . بدا فكرر قراءة صفحته كي يعيد وصل الموضرع بدقة ويجعله اكثر تأثيرا…. وانتهى بلهجة عنيفة الى التأكيد الذي سبب مقاطعته قبل دقائق: . . ((من اين جاءت تلك الوثيقة الوحيدة التي لم تكشف الا بعدوقوع الجريمة ؟ انه سؤال مهم ايها السادة . . في غاية الاهمية بالرغم من ان الشهود لا يعرفون قصتها. اني اجرؤ على القول بان جهل جميع الشهود بتلك الوثيقة هواثبات لا يدحضه الشك بوجود رجل مجهول . . من هو هذا الرجل.؟ نحن ألآن في طريقنا لاكتشاف جواب السؤال الذي طرحناه قبل قليل : لماذا أختار الرجل المجمول ان يدفع القضية الى المحاكم بتلك الوسيلة الخبيثة ؟ ايها السادة ، لقد اختار ذلك ليجد الوقت المناسب كي يطر ح الوثيقة التى يمتلكما للبيع ، والقمية فى ذروتها قد كان من الممكن ان تكون الوثيقة الآن في يد الشاب الارجنتيي لو ان اتصالات الشخص المجهول بليلى قد اتخذت مجرى آخر. . وكان الشاب ، على الاقل كما يفترض ذلك الرجل المجهول ، مستعدا لشراء الوثيقة الوحيدة التي يمكن ان تحول بينه وبين الارث ، ولكن المجهول اتصل بليلى لانه افتوض انه يستطيع ان يبيعها الوثيقة بسعر اغلى . ان الشاب الارجنتيي فوجىء بالقصة كلها ،وقد اعترف بذلك ،كانت الثروة بالنسبة له مصادفة تهبط من السماء ولذلك قبل بحصة صغيرة ،اما المحامي فان مهمته كما تعلمون ،اكبر من ذلك و اكثر التصاقا بالعدالة. صحيح ان موكلي طلب للشاب الارجنتيني ثلثي الارث ، دون ان يكون الشاب نفسه قد طلب ذلك،ولكن لماذا ينسى الانهام ان موكلى كان قد منح السيدة الحايك وعدا بعدم المساومة،و قد اكتشف حين جاءته مع زوجها لتساوم انها واقعة تحت ضغط الزوج.و كان موكلي يريد الالتزام بوعده في ان يطلب لموكله ثلثي الارث ليصرف نظرا لزوج نهائيا عن التفكير بالمساومة؟>> ان هذا القول مجرد افتراض وانا اميل لأكون اكثر واقعية من الاتهام في هذا الصدد فأقول اننا كيفرا قلبنا الامر فاننا سنرى ان موكي لم يكن يلعب، على الحبلين كما قال الاتهام. اننا نسقط هنا امام اعينكم قصة سمعتموها من الادعاء تقول ان موكلي كان يلعب لعبة غير قانونية ، و نسقط مهعا افتراضا اعند عليه الادعاء يقول ان موكلي كان يضغط للخروج بحصة كبيرة لنفسه من تلك الثروة . ان كل الذي اراده موكلي هوان يتابع القضية قانويا. وهو لم يطالب بالثلثين لموكله حين جاءته عاثلة الحايك للسماومة الا لان تلك المساومة اقنعته بان فرصته لكسب الدعوى متوفرة ما تزال ، وهذا الطلب لم يكن خروجآ عن وعد الشرف الذي كان قد أعطاه للضحية لانه لم يطالب بالثلثين بديلأ عن القانون ، ولانه ، من ناحية اخرى،مرتط ايضا بوعد شرف آخر، واكثر قيمة ، امام مهنته وموكله. ان التحقيقات وشهادات الاطراف المختلفة تعطينا الموقف التالي: كانت الضحية واثقة من ربح الدعوى ولذلك كانت غير راغبة في المساومة ، وكان زوج الضحية السيد الحايك أقل ثقة لانه اكثر شكا وكان ميالا للمساومة اما موكي فقد كان رجل قانون ، لا يتعامل بالطبيعة مع الظنون ، وكان يترك للعدالة ان تقرر كل شىء، مانحآ موكله وخصمه ، في نبل نادر، وعد شرف بان يكون ملتزما بالقانون وبارادة العدالة بناء على هذا الموقف نستطيح ان نفهم ان السيد الحايك قد استطاع اقناع زوجته اخيرا ببذل محاولة للمساومة خصوصا وانها قررت التبرع بالمبلخ كله لعمل خيري ، وقد جاء لزيارة موكلي بهذا الشأن ولكن الصفقة لم تتم وبدت الضحية كما قال الشهود مصرة على ان تأخذ القضية مجراها الطبيعي ، وكذلك موكلي - اما السيد الحايك فقد اراد ان يبذل محاولة اخرى مباشرة مع الخصم نحن نعلم ايها السادة ان الضحية اتصلت بموكلي المرة الاولى كي تقنعه بأن لا يشجع زوجها عل اجراء اية مساومة ، وأن موكلي منحها وعد شرف بذلك ، فلماذا لا نعتتد انه اتصل بها في اليوم الذي وقعت فيه الجريمة ليسألها عن رايها الآن. وقد ذهب زوجها ليجري اتصالا مباشرا مع الخصم ؟ انتم ترون ايها السادة الآن ان مثل ذلك الاتصال كان واجبا، فقد توقع ان يتصل به موكله ليسأله رأيه ، ولذلك كان لا بد له من معرفة طبيعة الموقف الجديد للسيدة الحايك التي كان قد منحها وعدا بعدم قبول اي تسوية من هذا النوع. وليس بوسح اي منا ان يعرف ما الذي قيل في تلك المخابرة ، اثنان يعرفان ذلك فقط : واحد صامت والآخر ميت اما الذي نعرفه ايها السادة فهو ما يلي : ان القضية الآن لم تخرج من يد موكلي ، كما قال الادعاء ولكنها خرجت من يد الشخص المجهول ، الذي لا يعرفه اي واحد منا. ان موكلي حتى تلك اللحظة لم يخسر شيئا، في الحقيقة انه لا يملك ان يخسر او ان يربح - الشخص الآخر هو الذي كان يخسر، الشخص المجهول الذي بدأ تلك القضية ثم احس بأنها خرجت من سيطرته . شخص آخر ، بالاضافة لهذا المجهول ، كان يخسر ايضا. . ذلك هو السيدة ليلى الحايك ، التي كانت ترفض اية مساومة مع الوريث المزعوم ،سعيد الحايك لم يكن خاسرآ بالطبح ، موكلي لم يكن خاسرآ أيضا،الشاب الارجنتيي لم يكن خاسرآ : فقط السيدة الحايك التي كانت تشعر بأنها ستدفح مبلغآ لشاب لا تعرفه اساء الى ذكرى والدها، ثم ذلك المجهول الذي كان يشعر بأن الصفقة قد خرجت من يديه ، كوسيط فلماذا لا يبذل ذلك المجهول محاولة أخيرة ؟ لماذا لا يتصل بنفسه هذه المرة بالسيدة الحايك فيقول لها انه يستطيع ان ينهي تلك القضية بوثيقة واحدة اذا منعت زوجها من اعطاءالعشر للوريث المزعوم واعطته له بدلا ذلك ؟ لنقل ، افتراضا، انه اتصل بليلى وحدثها بشأن الوثيقة ولكنه طالبها بأن لا تبوبح بها، وقد اشارت ليلى الى الموضوع لزوجها ولكن بثقة قليلة : فهي لا تعرف حقيقة تلك الوثيقة ولا تملكها بعد ، وهذا ما يفسر انها رفضت اعطاءها لزوجها او لموكلي او الدخول في التفاصيل بشأنها معهما . وهي من ناحية اخرى لا تعرف كيف سترسو الصفقة مع الشاب الارجنتيي لتساوم المجهول على اساسها ، وكان زوجها- كما قال بنفسه - مصرا على المساومة فتركته يفعل واثقة بانها ستكون ، في نهاية المطاف في جانب الانتصار. لسنا نعرف ما الذي قيل في تلك المخابرة الموجزة التي حدثت بين الضحية وموكلي ظهر اليوم التي وقعت فيه الجريمة ، ولكننا نستطيع ان نستنتج بناء على وقائع حدثت فيما بعا، انها طلبت منه مقابلتها في بيتها في السابعة من ذلك المساء . لماذا في السابعة وهي التي تعرف ان موكلي يغلق مكتبه في السادسة ؟ انه سؤال مهم ايها السادة ،ففي السادسة كان موعدها مع الرجل المجهول ، وكانت تريد ان تستشير موكلي بعد مقابلة الرجل المجهول لتكون على بينة ، ولكنها لم تقل ذلك لموكلي ،كما يبدو، لانها لم تكن مطمئنة بعد الى حقيقة تلك الوثيقة ولا الى صدق الرجل المجهول ومرتبطة بوعدها له بعدم الحديث لقد اغلق موكلي مكتبه ، وضيع وقتا في التجوال ريثما يحين موعده مع الضحية ، فليس من المنطق في هذه الحالة ان يذهب الى بيته الذي يقع في الطرف الآخر من البلدة _ ويبدو انه تذكر بان الاستعانة ببعض الاوراق قد تصبح ضرورية فعاد الى مكتبه حين فاجأه البواب يضع "شيئا متطاولا" في جيبه ، ولم يكن هذا الشيء الا الاوراق التي لا بد لمحام ما ان يصطحبها معه الى لقاء يتعلق بالعمل. ليس من المعقول ان يكون موكلي ء في تلك الفترة التي وقعت بين السادسة والسادسة والنصف من يوم الجريمة ، قد ذهب الى بيت الضحية - ليس لدينا اي اثبات على ذلك ، والبواب يقول انه لم يره ، واذا كنا نعتقد ان موكلي _ غافله ، فانه من الصعب ان نصدق بانه نجح في ذلك اربع مرات متوالية في ظرف نصف ساعة ، خصوصا وان البواب لم يغادر مكانه كما قال الا لفترة قصيرة . لقد وصل موكلي الى بيت الضحة في موعده، ولكنه لم يجد أحدا- وقد اراد كما يبدو ان يعرف فيما اذا كانت الضحية في البيت ، كي يواصل محاولته ، ام خارجه كي ينتظر وليس ثمة الا طريقة واحدة لمعرفة ذلك المفتاح ، وفيما كان يحاول تحسيس مكان المفتاح ،اسقط علبة سجائره . لم يجد موكلي المفتاح في مكانه فعرف ان السيدة ليلى في الداخل ، وانها لسبب من الاسباب لا تريد ملاقاته ، او انها نائمة - ولم يكن الامر يعنيه كثيرا فغادر المنزل ، ولكنه اكتشف انه ضيع علبة لفافاته فعاد، وكما يحدث مع اي انسان آخر يقابل انسانا في المصعد وهو في طريقه لزيارة امرأة ذات زوج مسافر يشعر بانه قد يجرجها امام جيرانها فعاد ادراجه . لو كان موكلي قد ضيح علبة لفافته في مسرح جريمة قتل لما ترد في بذل محاولة لايجادها، فهي البرهان الاوحد في هذه الحالة وبالوسع اخفاؤه ، ولكن حين كان الامر كله يتعلق بعلبة لفافات شبه فارغة فان العودة ال باب منزل امرأة وحيدة امام اعين جيرانها، عمل لا يستحق الاصرار. الان ، ما الذي حصل بين السادسة والسادسة والنصف ؟ لقد جاء ذلك الرجل المجهول ليسارم ليلى ، وابرز لها الوثيقة الحاسمة ولكن يبدو ان الاتفاق لم يحدث ، وليس يعرف احد _ الا الضحية والرجل المجهول _ لماذا قامت الى الهاتف : ربما لتستدعي الشرطة ، ربما لتستعجل موكلي ، ولكن الجريمة حدثت تلك اللحظة بالذات ، فيما كانت الضحية بين الهاتف والمقعد _ كان المجرم المجهول يفترض كما يبدو انه يستطيع الان تأمين الارث للشاب الارجنتيي وحده ، وبالتالي فان حصته ستضحي اكبر وقد كان لا بد من تلك الجريمة لان امره كان على وشك الافتضاح ايضا. انني لا ادعي اني اعرف دوافعه كاملة فذلك من شأن تحقيق آخر تقوم به المحكمة _ ولكني لا ارى بالنسبة لرجل قدير مثله مانعا من ارتكاب هذه الجريمة نهاية منطقية وعقلية لما بدأه. لقد أثبت التحقيق ان القاتل كان يلبس قفازين ، فلماذا لم يلبسهما موكلي ، اذا كان هو القاتل ، حين فتش عن المفتاح ؟ ان الرجل الذي يلبس قفازين ليرتكب جريمة لا يترك ايها السادة بصمات اصابعه على حافة باب مغبر، ولا يعرض نفسه امام ثلاثة شهود على باب المصعد ، ولا يسقط علبة سجاثره حين يغادر المسرح ثم لا يعود ليأخذها وأنا اعرف ان الادعاء سيتحدث عن رزمة القاها موكلي في البحر، لكني اعتقد انه لا يعرف عنها شيئا هو الآخر بقدر ما اعرف انا – ان قذف رزمة ما، مجهولة ، في البحر ليست دليلا على اي شيء، والعدالة لا تستطع ان تشنق رجلا لانه القى رزمة في مياه البحر . ليس ثمة سبب ليرتكب موكلي جريمة من هذا النوع ، ان جميع الشهود اتفقوا على ان ذلك الانهام شيء بعيد الاحتمال .و قد رايا ها هنا انعدام الحافز ايضا .و بنفس القوه استطيع ان اقول اني لا اعرف احدا يهمه ارتكاب هذه الجريمة الا ذلك الرجل المجهول... لقد وجه ذلك المجهول الذي نجح حتى الآن في تجنيب العدالة طعنة محكمة واحدة الى خاصرة الضحية فيما كانت توليه ظهرها، وامعانا في اخفاء جريمته والتمويه على حقيقتها قام ياستلاب بعض المجوهرات ،ولكنه في غمار اضطرابه لم يعثر على الوثيقة الحاسمة ، التي وجد ها التحقيق مدفونة في خزانة الكتب القريبة . كيف وصلت الوثيقة الى هناك ؟ هل يعقل ان تضع امرأة ما وثيقة هامة كهذه كانت في حوزتها منذ زمن بين كتب زوجها؟ لا يعقل، وقد وجدت الوثيقة هناك لسبب بسيط هو ان الضحية غافلت الشخص المجهول الذي كان هناك وخبأتها في اقرب مكان ، اوكانت قد اشترتها منه ودفعت ثمنها مجوهراتها بناء على اصراره ثم غافلها وقام يطعنها لسبب لا نستطيع ان نكتشفه الان . ان كثيرا من الاحتمالات يمكن ان ترد هنا، وذلك لسبب بسيط وهو ان المجرم الحقيقي ليس هنا : هل اعطاها المجرم الوثيقة قبل تلك الجلسة في اليوم المشؤوم ثم اختلف معها وانتهى الخلاف بالجريمة ؟ هل قتلها في محاولة لاسترداد الوثيقة ثم فوجئ بجرس الباب وبيد تبحث عن المفتاح فاركن الى الفرار او الاختباء بشكل ما؟ هل كانت الوثيقة حقا في حوزة الضحية قبيل الجريمة ؟ هل هي الوثيقة التي تستطيع ان تحسم القضية ام ثمة وثيقة اخرى جعلت امر فقدان الوثيقة الاولى ثانويأ؟ هل كان المجرم قريبا من العائلة الى حد الاطلاع على تفاصيل ثانوية ام انه كان على معرفة بماضي الاب ؟ ان هذه الاسئلة ، وكثيرا جدا غيرها، ينبغي ان نجد اجوبتها، اين ؟ هذا هو السؤال المهم . ايها السادة ، يوجد رجل اخر، او اكثر وراء هذه الجريمة المروعة ، رجل استطاع تضليلنا جميعا وليس قتل امرأة فاضلة بريئة فقط ولكن محاولة قتل رجل بارع بريء ايضا، وكي لا نسمح لذلك بالحدوث فان علينا بد ء التحقيق من جديد واطلاق سراح موكلي فورا .. لقد قوبلت تلك المرافعة بالصمت والذهول ، واكتشف كثير من الحضور كما يبدو ان المسألة اكثر تعقيدا مما حسبوا، وكان الادعاء، طوال الوقت ، يهز رأسه مستنكرا ،اما القاضي فقد نجح في ان يجعل وجهه جامدا تماما، مكتفيا بتسجيل ملاحظة بين الفينة والاخرى وفورا بدأ استجواب الشهود مرة اخرى ، الا ان الدفاع والاتهام معا لم يستطيعا ان يضيفا شيئا جديدا نتيجة لاسئلتهما المعقدة ، لقد عاد كل شاهد فكرر بالضبط ما كان قاله في الاستجواب السابق ، ويبدو ان شعورا ما قد سيطر على الجميع بان القضية كانت تمر في تلك اللحظة بمرحلة دقيقة من التوازن ، وان كلمة اضافية واحدة قد ترجح كفة ما ، فيذهب رأسي ثمنا ، او كفة اخرى فيطلق سراحي فورا . ولم يكن اي من الشهود راغبا في تحمل مسؤولية اي من الاحتمالين .
    -----------------------

    تابع


  3. #3
    من أهل الدار
    بنت الزهراء

    الشيء الآخر - الرواية -3

    وبدت القضية كلها - تلك اللحظة - امام لحظة حاسمة... ورغم ارادتي اخذ قلبي يخفق بعنف حتى كدت اسمع دقاته في السكون المتوتر. . . واخذ قلبي يخفق بعنف حتى كدت اسمح صوته يدوي وسط السكون المطبق الذي كان مخيماا على الجميع. وبدا لي تلك اللحظة بالذات ان قصة المحامي العجوزالمختلقة ، قد تكون حقيقة ، بل اني مضيت _ في الدوار الذي اصابي والذي كنت اجهل حتى الان حقيقة دوافعه _ مضيت اتصور القاضي يقوم عن مقعده فيربت على كتفي وعيناه مغرورقتان بالدموع . . . ويقول لي امض الى بيتك ايها المسكين . . . فأنت بريء . حتى تلك اللحظة لم اكن اعلم ابدا حقيقة الدوافع وراء هذه الافكار الساذجة ،كانت شيثا آخر يختلف تماما عما حسبته في البدء . كنت احسب -وإنا خاضع للجوالذي خيم بعد مرافعة المحامي _ ان المسألة كلها هي مباراة في البراعة وان براءتي تتوقف على ان يكون محامي ابرع من الاتهام بغض النظر عن الحقيقة . . وان الذي يستطيح - بين الاثنين -اختلاق القصة الاكثر اقناعا لا القصة الاكثر" واقعية " هو الذي يفوز برأسي : فاما ان يرسله الى اليت او يرسله الى المشنقة القصة الاكثر واقعية ؟ ما هو الواقع ايها السادة ؟ انه - في اعتباركم - المعقول والمنطقي .. ولكن كم من الاحداث الواقعية بين معقول ومنطقي؟ ما هى االعلاقة بين الواقع والمعقول ؟ هل الحرب ، مثلا واقعية ام معقولة... اترون ، اننا نلعب على بعضنا، اننا نزور العالم كي نفهمه ... يا للتعاسة... قلت انني حسبت ان براءتي اضحت على مرمى حجر، ولكني كنت واهما. كانت الحقيقة وراء مشاعري المغفلوطة هي ان القصة الحقيقية التي حدثت باتت غيرمهمة ، واننا كنا ندخل في عالم شفاف ، مزيف ، كان لا يعني اي واحد منا وحين ذهبت الى زنزانتي صفا ذهني من جديد. واستعرضت المسالة بدقة . وادركت ان مرافعة الدفاع تحتوي على سلسلة من الاخطاء المهلكة. وفي الوقت الذي كنت متأكدا فيه ان الاتهام سيكشف تلك الاخطاء واحدة بعد الاخرى فقد كنت واثقا انه ، بالرغم من ذلك ، فسيظل منطق الادعاء مهزوزا امام بضعة نقاط اخرى لا سبيل الى دحضها او كشفها، اجاد الدفاع استعمالها ال ابعد مدى يستطيعه. وكنت قد نجحت في ان اضع نفسي خارج الموضوع واراقبه عن بعد فحسب ، كما كان يفعل الجميع تقريبا، تسألونني الم تكن حياتي تهمي على الاطلاق ؟ بلى من منا لا يهتم بذلك ؟ ولكن الامر كما حاولت ان اقول في هذه الاوراق كلها اكثر تعقيدا من ان يؤخذ بمثل هذه البساطة . انني مطوق بصورة تستعصي على الافلات ، قد تكوذ هذه الحقيقة هي الكبرى في تحديد مشاعري الان ، ولكن ثمة حقائق اخرى تتراكب وتكون ما هو اكبر من تلك الواقعة القانونية انتم حين تعزلون السجين عن العلاقات البشرية ، عن الحب ، عن العمل انما تساعدونه على اجراد تقويم خاص وجديد للحياة ذاتها، ما هي الحياة ايها السادة ، اذا كانت تجري في معزل عن ذلك كله ؟ قد تقولون انها تنعي، حينذاك ،الامل في استرجاع تلك القيم جميعا ذات يوم ، ولكن هذه المواساة ليست حقيقية الا بمقدار بسيط ، فالزمن وحده هوالذي سيكشف للانسان المعزول بين جدران اربعة ان تلك القيم انما هي في االواقع لعبة اخترعناها نحن لنعبر شوطنا دونما ملل كبير فما الذي ستعنيه الحياة حينذاك؟ لن ادعي هنا اني لم اكن لاخشى الموت ، كلا - هذا شيء لم افكر فيه كثيرا في الحقيقة - . انه من اصعب الامور ملى الانسان ان يتصور موته الخاص. بلا سبب . لقد كنت افترض الموت كاحتمال نظري امامه احتمال اخر و مساو، ان الصمت قد ساعدني كثيرا على اعتياد ذلك الافتراض الى درجة لم اعد اخشاه كثيرا كنت مريضا جدا يوم عقدت المحكمة جلسة خاصة للاستماع لرد الاتهام ، وسمح القاضي بغيابي شرط ان اطلع على نسخة من المطالعة وقد جيء لي بها عند الظهيرة ، كانت تكرارا للقصة كما يراها الاتهام مع شيء من التفاصيل . لقد رفض الاتهام فكرة وجود رجل مجهول آخر في الجريمة ، وسخر من هذه النقطة التي اعتمد عليها الدفاع ، وتساءل عن ذلك المجهول الذي لم يبرز الا عند الجريمة ، ولم يقبل ما قاله الادعاء حول الرسالتين اللتين وصلتا في فترة واحدة تقريبا للشاب الارجتنيي ولسعيد الحايك وتحداه في ان يثبت ، باية صورة من الصور، وجود شخص مجهول قام بتوجيههما للرجلين ، وقال انه حتى لو افترضنا وجود مثل ذلك الشخص فما هي مصلحته من دفع الطرفين الى المحكمة في وقت كان يستطيع فيه ان يتصل مباشرة بعائلة الحايك للمساومة دون الدخول في حيثيات القضاء. ووصف الاتهام قصة قيام المجهول بارتكاب الجريمة بانها "خيالية وغيرمعقولة وتفتقر الى الادلة " وقال بأن كون بواب العمارة لم يشاهدني وأنا ادخل الى البناية في المرة الاولى ليس برهانا على اني لم ادخلها فشهادة البواب في هذا المضمار ليست قاطعة اولا لانه اعترف بغيابه لفترة ما تلك الليلة ، وثانيا لان عمارة من اربع عشرة طبقة يقوم بالدخول اليها والخروج منها عدد من السكان والزوار ليس بوسع ر.جل واحد تذكر وجوههم جميعا ورفض الاتهام في في لهجة قاسية ، الطريقة التي برر فيها الادعاء رمي رزمة متطاولة في البحر، ولم يقبل تفسير الادعاء لموضوع الوثيقة الحاسمة وكيفية وصولها الى يد ليلى ووصف كلا الامرين بانهما تصور يفتقر الى الادلة وكان المحامي الاشيب جالسا على مقعد خشبي في الزنزانة ، ينظر الي قلقا وانا اقرأ الاتهام بامعان " وحين انهيت القراءة ناولته الاوراق فاخذها وطواها بدقة " فيما كان منصرفا ال تفكير عميق " ووضعها في محفظته ثم انشأ يحدق الي محتارا و اخيرا قال ، بصوت تعس ، انني اضعه بصمتي مضحك . ونهض وربط يديه وراء ظهره وخطا نحوي وهو يقول : انا محام يا استاذ صالح، ولست كاتب قصص ... لماذا ل تساعدني... ؟ وانتظرمرهفا حواسه جميعا، اية اشارة جديدة الا انه عاد فهز رأسه ومضى يسير بخطوات صغيرة داخل الزنزانة ثم وقف والتفت نحوي: - انه من النادر ان يستطيح محام مثلي اخذ قضية لمحام مثلك على عاتقه ، انا واثق انك تستطيع ان تكون عنصرا مساعدا جدا، انت اكثر خبرة منا جيعا، ثم ان القضية قضيتك " ولم يستطح ان يضبط صوته فصاح : - و هي حياتك ايضا . وحين يئس تماما عاد الى المقعد فجلس ، وفكر قليلا ، ثم قال: - انا واثق من شيثين على الاقل، اولهما انك لم ترتكب الجريمة وثانيهما ان رجلا مجهولا لعب الدور الاساسي ، ولكن هذا كله لا يعني شيثا امام الادلة الموجودة - انا في حاجة ال عقلك ومقدرتك وكان يتوقح كما يبدو ان تلاقي هذه المحاولة الجديدة ما لقيته المحاولات السابقة ، فاتكأ بهدوء وحدق الى السقف ومضى يرسم لوحة : - ثمة ة رجل مجهول كان يتابع الامركله عن كثب ، كان يمتلك وثيقة واحدة تثبت ان الصبي الارجنتيي ليس وريثا، ولكنه لم يكن ليستطيع استعمال هذه الوثيقة الا اذا انبرى الشاب للمطالبة بحقه ، وكان يعرف انه حين تتعقد القضية في المحاكم يستطيع ان يبيع الوثيقة الى احد الطرفين ، وهكذا دفعها ببراعة نحوالقضاء، واختفى طيلة تلك الفترة ليظهر في الوقت المناسب " كما ترى وعكس ما قال الادعاء ان ذلك المجهول لم يكن ليستطع مساومة آل الحايك على تلك الوثيقة لانهم لن يهتموا بها، كان المجال الوحيد امامه هو ان يخلق الجو الذي يضمن لتلك الو ثيقة قيمة ما. " وفكر مليا فيما قاله ، ونفض يديه امامه محتارا واخذ يهز راسه و تمتم متحسرا - ولكن كيف يمكن اثبات وجود ذلك الشخص المجهول ؟ ونظر الي من طرف عينيه ، متوقعا بصورة تكاد لا تلحظ ان اعطي جوابا ما، وحين لمس فشله الجديد مضى كأن شيئا لم يحدث : - " لو افترضنا اننا نكتب رواية مثيرة لوضعنا احتمالا آخر. لقلنا ان الرجل المجهول هو الاب الحقيقي للشاب الارجنتيي ، وان ما فعله كان عملا يستهدف منفعة الابن الذي امضى عمره كله يظلمه ، والذي بات موت والد ليلى يهدد؟ بظلم افجع !" وضحك ، بمرارة ، ثم نهض متثاقلا وحمل حقيبته واخذ ينظر الي ، قاعدا على السرير الخشبي الواطئ كقطعة منه : - انك الوحيد الذي يستطيح ان يثبت شيئا هاما، اين كنت بين السادسة والسادسة والنصف من ذلك المساء المشؤوم ؟ ولماذا ذهبت الى ليلى؟ وخطرت في جبينه فكرة سريعة فعاد وجلس : - في الواقع هناك اسئلة اخرى بحاجة ال جواب : لماذا عدت الى مكتبك ؟ ما الذي حملته معك ؟ ما الذي رميته في البحر؟ لماذا رفضت التسوية بين آل الحايك والشاب الارجنتيي؟ لماذا؟ وبهدوء، وبصوت كالثلج ، جاء السؤال الذي توقعته منه دائما : - أتكون أنت الذي قتلتها ايها التعس ؟ ووضح حقيبته على الارض وانحنى باتجاهي : -.قد تكون ذهبت لليلى لسبب شيطاني لا اعرنه ، هذا لا يهمني الآن. . ولكن من الذي قتل ليلى ؟ وبالرغم من انني لم اكن انوي الجواب الا انني مضيت ، حقا ، افكر بالسؤال ،ولم استطع ان اجد اية بادرة لاي جواب فهززت رأسي بالرغم من سيطرتي على نفسي فصاح : - هاإ ها! نحن اخذون في التحسن الان . اني على يقين انك على لأقل تستمع الى مااقول "ما كان ضرك لو بدلآ من هذه الحركة ، قلت شيئا؟ وشجعته البادرة فنهض و قرفص امامي كما يفعل والد رحب الصدر : - سعيد الحايك؟ سأل بصوت خفيض ، يكاد لا يسمع ، مشحونا بالتردد وبتانيب الضمير، ثم وضع بنفسه حيثيات الجواب : - يبدو ذلك مستحيلا، فقد حاول الانتحار حين علم ، وكان في الارجنتين آنذاك يحضرلها مفاجأة سعيدة ، ثم لماذا؟ كان يحبها بجنون ،قد منح الارث كله لاعمال خيرية باسمها دون ان يكون مضطرا لذلك لقد كان الوحيد الذي يعرف انها نوت ذلك ، وكان بوسعه لاحتفاظ بالارث كله ، لو شاء. . وتردد قليلآ وسآل : - هل كانت تخونه ؟ وحدق الي متحفزا ، ولا شك ان فكرة جهنمية عبرت جينه عبورا صاعقا ، فقال ،مستثارآ : - معك انت؟ ومضى يضع جوابآ : - ليس ثمة أي دليل ، لا مادي ولا حتى ظني . . ومعك أنت ؟ هذه مسألة ليس من الهين اثباتها،وحتى لوكان هذا صحيحا فمن الأكيد ان سعيد الحايك لم يكن يدري ، لقد حققوا معه طويلا في مثل هذا الاحتمال ولو كان يدري اذن لما حاول الانتحار. . ثم لماذا يقتلها هي؟ معك انت ؟ ثم لماذا يدفع عنك تكاليف الدفاع ؟ ونفض ذراعيه - .. وهذا لا يثبت شيثا على اي حال - الا انك زرتها ليلتذاك والا انك كنت ، اغلب الظن ، في الداخل - اي انك ارتكبت الجريمة . و قرر دعنا من هذه القصة ، هل ثمة رجل آخر؟ وسار في الزنزانة ، يدق خطواته في حيرة وتردد، ثم توصل الى موضوع جديد - لنقل ما يلي : - ذهبت انت لتزورها ، و قبل ذلك بنصف ساعة حاول لص ما ان ...


    ---------------------
    تابع

  4. #4
    من أهل الدار
    بنت الزهراء
    الشيء الآخر - الرواية -4


    وسكت فجأة ، كما لو انه اكتشف بنسه ان ما سيقوله لا يحمل اية قيمة ، ورغم ذلك فقد احتملت رغبته في الكلام فترة صغيرة من التردد، ثم قال : - طيب ، لنقل ان لصا ما كان في تلك الاثناء يحاول سرقة البيت، وفوجىء> بليلى فطعنها، وكان ينوي حقا السرقة وليس اي امر آخر، وقد سرق المجوهرات . لنقل ان سرقة المجوهرات ليست تمويها، الا يبدو ذلك منطقيا لو... وسكت مرة اخرى، وما لبث ان قالها : - ... لو انهيت اضرابك ، وقلت شيئا ، وساعدت في وضع مطالعة قانونية ؟ كانت الحيرة هي التي اخذت تدفع به من تصور الى آخر، في الحقيقة ان كل ما كان يريده النذ هو ان احكي لقد بات يشعر ان صمتي قد حمله مسؤولية لم يكن يتوقعهاتماما، وانني لو تكلمت لتخلص من جزء كبير من هذه المسؤولية. لقد استنفد وسائله فعاد يلتقط حقيبته ، ودون ان يقول شيئا اشار للحارس ان يفتح الباب ، وفقط حين انتهى الحارس من اغلاق القفل مرة اخرى التفت الي ، وبدا لي في لحظة واحدة سجينا، وانني انما أزوره ، وقال محذرا - انت لست في موقف حسن . . . واخشى ان يكون رأسك اقرب الى المشنقة مما تتصور، وانا اقول لك ذلك كي تقرر مصيرك بنفسك . واستمعت ، حالما، الى صدى خطواته الثقيلة المترددة تعبر الرواق الحجري الكامد، كأنها كانت تعتزم بالرغم منه العودة الي ، وبدا لي ان كل شي،تبقى من هذا العالم آخذ في الابتعادعني للمرة الاخيرة ، وقد قمت بهدوء فامسكت بقضبان الحديد وفكرت بكل ما لدي من قوة للحظة واحدة فقط ، ولكني لم اجد شيثا جديدا يستحق ان يجبرني على تغيير قراري ، لقد جاؤوا بالعشاء فاكلت دون اهتمام من ذلك النوع الوحيد من الطعام الذي اعتادوا ان يقدموه لي ، كانت الآلام ما تزال تختبىء في معدتي ، وكنت اعرف اني سأمضي ليلة متعبة ، ولذلك غفوت مبكرا. وفوجئت يوم الحكم بان المحكمة اعطت فرصة لسعيد الحايك كي يتكلم بناء على طلب ملح ، وحين وقف على منصة الشهادة بدا تعسا و حائرا قال سعيد الحايك انه - رغم كل ما حدث - لا يعتقد اني القاتل ،ولا يعتقد اني انا الذي كتبت الرسالتين المغفلتين اللتين ارسلتا له وللشاب الارجنتيي، وقال انه حين قابلي اول مرة لم اكن اعرف اطلاقا اي شيء عن القضية ثم استأذن المحكمة في ان يتوجه بالكلام الي مباشرة ، وحين منح الاذن استدار نحوي، وخيل الي اني رأيت في عينيه دموعا، ورجاني في صوت مؤثر ان اتكلم ، لا لاقو ل اي شيء ولكن لاوجه اليه اي سؤال اشاء، واقسم ان يجيب بكل ما يعرف... وانتظر دقائق وهو يحدق الي ، وكانت القاعة كلها تحدق الي ايضا ،وحين خيم صمت ، ثقيل عاد سعيد الحايك فقال انه قد يكون ذا نفع في جانب لا يعرفه ، وقال لي اني قد اعتقد انه يعرف شيئا، او إنه قد يساعد في ايضاح بعض النقاط ورجاني مرة اخرى ان اسأله اي سؤال او اطلب منه الحديث في اي موضوع ولكني اعتصمت بالصمت. ومرة اخرى استدار واخذ يخاطب القاضي ، اقسم في البدء انه قال كل ما يهم المحكمة ان تعرف ، ورمقني بطرف عينيه ، وهويقسم ويده امامه بانه لا يعرف شيئا عن الذي ارسل الرسالين المغفلتين ، ونظر الي مباشرة وقال : قد تكون شاكا في امر الرسالتين ، ولكني اقسم لك بذكرى ليلى- وانت الذي يعرف كم اقدس هذه الذكرى - باني لا اعرف شيئا الا ما قلت للمحكة. ومرة اخرى خيم الصمت ، وكنت انظر الى البلاطة التي تقع بين حذائي ، مسيطرا تماما على كل حواسي وجسدي ، وقد سمعته ، وانا مجمد، يعلن للمحكمة ولي انه سيمنح نصف الارث لزوجتي ، تعبيرا منه عن عطفه علي ، وانه سيكتفي بمنح النصف الآخرللمشروع الخنيري الذي اوصت به زوجته . ونزل سعيد الحايك عن المنصة ببط ء ، وحين صار امام القفص وقف هنيهة ، وسأل وهو يرتعش : اتريد ان اقول شيئا؟ وحين لم يتلق جوابا ،مضى بهدوء ، الى مقعده . واخذت الضوضاء ، في القاعة تتصاعد من الهمس الى الكلام الى زحزحة المقاعد ، وعبر هذه الدوامة التي كان صداها يرتد من جدار الى جدار، ضيعت كل قدرتي على فهم سعيد الحايك ، لقد بدا ذلك الرجل المصطبغ بالنبل الضروري جالسا بين الناس لغزا يستعصي على الفهم.ولكني كنت واثقا انه لم يرتكب الجريمة كما كان واثقا باني لم افعل ، لقد كنا نتبادل ، صامتين ، عملة عجيبة اسمها التواطؤ ، دون ان نتفق على ذلك ، وكان كل ما حدث بيننا امرا يخصنا وحدنا . لقد فكر سعيد الحايك كما يبدو ان يروي حقيقة قصة الارث ، ولكني ادرك الآن انه هو ايضا لم يكن يعرف الحقيقة الكاملة . ولم يعد يعرف كيف فلتت الخطة من بين اصابعنا معا، وحتى لو قال الحقيقة فان ذلك لم يكن ليحل الاشكال ، ان قصته لا تبرهن على اني لم افكر بالمساومة ، وليس ثمة ما يثبت صحتها _ ستبدو محاولة صبيانية يذلها صديق لانقاذ صديقه من الموت ، ومهما يكن فقد كنت عاجزا عن تصور الطريقة التي اقنع سعيد الحايك نفسه بواسطتها بأن عليه ان لا يقول تلك الحقيقة الجزئية العابرة ، وقد منحي فرصة عادلة لاوافق على اجتهاده ففعلت . ان سعيد الحايك كان يراوده الشك منذ البدء في اني قد استغل هذه القضية لمصلحتي ـ وقد اشار الى ذلك عابرا مرة او مرتين ، فاذا كان هو ذاته يشك في الامرء فلماذا لا يتيح للقضاء ايضآ فرصة مماثلة ؟ الم يكن ذهابه الى الارجنتين من وراء ظهري تعبيرآ عن ذلك الشك ؟ كيف سيبرره اذا روى القصة الحقيقية ؟ ماذا عنده ليقول حول علاقتي بليلى وهو الذي يعرف انه لا توجد اية علاقة بخصوص القضية المتفق عليها .كيف سيبرر ذهابي لبيتها؟ ما هو الاتهام البديل ؟ بمن يشك اذن ؟ لقد طرح بلا شك هذه الاسئلة على نفسه واكتشف انها لن تؤدي الى جواب ، وقد اخذت القضية منذ البدء اتجاها فرضته مجموعة ظروف لم يكن يتخيل اي منا انها ستصل الى ذلك الحد، واذا ما بذل اية محاولة للعودة الى نقطة البدء فقد كان يدرك انه قد يقع في مكاني ، ان زحزحة صغيرة للاسس التي افترضها الاتهام ووافقه عليها الدفاع من حيث لا يدري ستغير امكنتنا، وستضعه هو بين فكي تلك المصادفة الرهيبة- انني استطيع ، لوكنت مكان الادعاء وكان سعيد الحايك في مكاني، ان اكتب مطالعة محكمة ، تضع رأس سعيد الحايك في حبل المشنقة ، دون ان يكون هو بالذات مرتكب الجريمة هل تريدون ان احاول ذلك ؟ انني استطيع ان افترض ان سعيد الحايك وجد دلائل تشيرالى علاقة بين زوجته والمحامي صالح ، وقد ادرك انه هو، من حيث لا يدري كان سبب هذه العلاقة نتيجة للعبة غريبة حول وريث مزعوم كان يدرك منذ البدء انه يستطيح التخلص منه في اية لحظة تحت وطأة وثيقة كانت معه منذ البدء، وهو الذي وضعها بين كتبه بعد الجريمة وليس قبلها ،وقد قرر ان يقوم بالجريمة لاسباب عاطفية اولا، ولان الارث سينصب عنده ثانيا، وقد نفذها بالواسطة ، ابان رحلة مصطنعة الى الارجنتين- ان قضية التبرع بالارث قد تكون وسيلة لابعاد الشبهة ، وسيظل من الميسور ان يجد المحامي البارع وسيلة ليثبت ان التبرع كان مشروطا وانه لم يكن حقيقيا تماما، وعلى اي حال فان هذه النقطة كانت للتمويه ، تماما كما كانت سرقة المجوهوات . وفي هذه القصة يمكن ان توضع قصة المحامي صالح في مكانها السليم ، زيارته لليلى ، وزجاجة العطر والدخان والبصمات والهاتف وكل شيء ولكن هل هذا الصحيح ؟ ان هذا الاتهام كله مبني عل ان سعيد الحايك كان يعرف بوجود علاقة بيني وبين زوجته : وهذا غير صحيح ،ومبني على ان غيرة سعيد الحايك هي الحافز وراء الجريمة وهذا افتراض خادع وغير مثبت في وقائع. و رغم ذلك فهل كان سعيد الحايك على استعداد ليروي القصة الحقيقية ؟ وهل كنت انا ، من ناحية اخرى على استعداد لاروي الجانب الحقيقي المتعلق بي ؟ وفي سبيل ماذا؟ اننا نحمل . كل على طرف ، قناعة كاملة ببراءة الآخر. . وكان لا بد لواحد منا على الاقل ن هوذاك الذي لا سبيل الى التقليل من الادلة ضده ، ان يدفح الثمن . ولكن من الذي قتل ليلى الحايك ؟ سؤال يؤرقه بقدرما ارقني - ولكني الان تخلصت من همه. الصدفة هي التي فعلت - ايها السادة - الصدفة - ليس يهمني ان كانت تلك الصدفة قد لبست ثوب لص ، او ثوب مجرم جهنمي كان ورائي منذ البدء، ذلك ان الذي يهمني هوان خصمي في هذه القضية الفاجعة انما هو الصدفة ، وهي التي دفعتي، باصر لا يصدق ، لقفص الاتهام. وعليها الآن – وحدها- ان تتقدم ،اذا شاءت ان تطلق سراحي! ***** مضى اسبوع آخر . . وعقدت الجلسة الاخيرة في جوحزين مشحون بالقلق . لقد رد القاضي بكلمات موجزة صارمة دفاع محامي ، واكد ان المحكمة لا تجد اي دليل لافتراض رجل آخر في الجريمة ، واعلن عن عدم قناعة المحكمة بتبريرات الدفاع وتفسيراته الافتراضية لجملة الادلة الثابتة. قال القاضي اني وقت وقوع الجريمة ، كنت في بيت ليلى وان قناعة المحكمة بهذه الحقيقة مستندة اولا الى بصماتي،وثانيا الى كوني لم استطع و لم يستطع اي شاهد اثبات وجودي في مكان آخر، وثالثا الى شهادة. هناء حول هاتف الظهيرة ، ورابعا الى وجود علبة سجائري في مكان الجريمة ، وخامسا الى شهادة الاشخاص الثلاثة من سكان العمارة الذين رأوني اتردد على باب المصعد ، وسادسا الى شهادة البواب الذي رآني اضع شيئا متطاولآ يشبه السكين في معطفي، وسابعا الى شهادة بائع السجائر الذي رآني اتخلص من هذا الشيء على شاطىء البحر . وقال القاضي ان لدى المحكمة قناعات بأن حافزي منذ البدء هو الخروج بحصة كبيرة من الارث ، وقد اثبتت الادلة المسلسلة تخطيطي للحصول على تلك الحصة ، واشاراعترافي من طرف خفي الى النية التي كادت ان تضيع علي حين عرفت ان سعيد الحايك سيجري اتصالا مباشرا مع الوريث المزعوم . وقال القاضي ان المحكمة تمتلك ادلة لا تدحض تثبت حاجتي الشديدة الى المال ، وانه كان علي ان اسدد ديونا بصورة نهائية خلال شهور قليلة. ورفضت المحكمة الزعم القائل بان محاميآ قديرا مثلي تفوته الحكمة وحسن التقدير فيأخذ على عاتقه قضية من هذا النوع لمجرد ان رسالة مغفلة وصلت الى خصمه ، واطلع عليها بالصدفة ونصحية ساذجة اعطاها له الزوج الشكاك وانتهى القاضي الى القول بان الجريمة كانت مخططة عن سابق تصور وتصميم ، واستند للوصول ال ذلك الاعتقاد بتسلسل الحوادث المنطقي ، وبعدم تركي اي بصمات في مسرح الجريمة ما عدا ذلك الاثر المصادف الذي تركته دون وعي على حافة الباب في المرحلة الاولى من الجريمة. وقال ان جريمتي لم تكن ضد انسانة فاضلة لمجرد تحقيق مطامع مالية فقط ، ولكنها كانت ايضا ضد شرف مهنتي وضد وعود اعطيتها للضحية ولزوجها. ووصل الى القول ان ذلك كله يظهر بان المحكمة انما تواجه مجرما محترفآ يتسلح بالذكاء وبالخبرة وان وجوده يشكل خطرا مهما على العدالة والمجتمع. وأعلن القاضي ان هيئة المحكمة قانعة تماما بان صمتي هونوع من الاعتراف بالجرم سببه وفرة الادلة التي لم اكن احسب لها حساب . وعدد فيما بعد، والجميع وقوف ، سلسلة لا تنتهي من المواد القانونية بلهجة شديد الفخامة . ثم نظر الي مباشرة وهو يقضي بان العقاب سيكون -كمااتوقعت وانا استمع الى حيثيات الحكم -الاعدام شنقا حتى الموت . انني امنحك هذه الاوراق جميعا، يا زوحتي الحبيبة ، لتتصرفي فيها كما تشائين.... انت وحدك التي تستطيعين ان تقرري ماذا ينبغي عليك ان تفعلي فيها: ان تحرقيها، او ان تهديها للعدالة ذات يوم -فاذا كنت انا قد مضيت بصمت فالذي تبقى مني هو انت . لقد شهدت في عينيك ، قبل الاستماع الى الحكم ، ومضات من نظرات الشك وانا لا الومك ولكني اعطيك القصة الحقيمية ، قصتي وقصة ذلك الشيء الاخر الذي كنت ، طوال ايام السجن القاسية ، في عراك صامت معه ، وراء القانون ، وراء الاتهام والدفاع ، وراء دموعك وعجزي ، وراء منصة القضاء ووراء الضحية التي طعنت حين كنت ، انا احلم بجسدها المعطر بين ذراعي . ولست انا الذي يستطيح وضع نهاية للقصة... اني احس ببرودة الموت في اطرافي ، واصحو في الليالي الصامتة لافك عن عنقي كابوسآ من الليف والزيت وامضي في ذلك الانتظار التعس خارج منطق الزمن والبشر، في عراك نادر مع شيء آخر لا أعرفه ولا نعترف به . لست انا الذي يستطيح وضح نهاية للقصة . . . ولست ادري ان كنت استطيع ان احبس لساني حين يأخذونني - ربما الليلة - الى الموت . انني لا ادعي الشجاعة ولكي اعترف بالعجز، واذا انفك لساني رغما عني وانا اصعد الى حبل النهاية فلست اعرف كيف ستكون الحياة بعدها ولكني اعرف انها ستكون قصيرة جدا، واني سأساق الى ذلك الحبل مرة اخرى اني شديد التعاسة لانني تركت لك ، امام الناس ، ميراثا قذرا ولم اكتب هذه الاوراق الا لاجعل تعاستك اقل ، واعطيك حريتك الكاملة في ان تقرري الميراث، الذي تريديه مني : اوراق القانون ام هذه الاوراق . ولكن هل تصدقين انني احببتك وسأظل احبك ؟ ستجدين صعوبة في ان تفعلي ، ولكن الكلمة الاخيرة التي ساظل اقولها لك هي انني احبك ، يا ديما، احبك احبك . تصرفي كما تشائين في الارث ، ارثي وارث ليلى المسكينة ، قد تحتاجين تلك الاوراق لتشقي طريقك نحو زوج آخر فانت صبية وجميلة والايام انما هي غبار تترسب ذراته الناعمة فوق ذاكراتنا... سأضع هذه الاورق مع محامي المسكين الذي بذل جهدا مشكورا في قضية يائسة ، وسأكتب له على الغلاف ان لا يعطيها لك الا بعد ان ينتهي كل شيء ، وارجو ان لا تدفعه حيرته الى فتحها قبل الوقت المناسب. وسادعو لنفسي ، ذلك انه لا يوجد اي انسان آخر يعرف الحقيقة ليدعو معي ، ان اسيطر عل لساني وانا اساق ، غدا او بعد غد لست ادري ، الى حبل الليف والزيت.... .... وان تستطيع رحلة الصمت عبور تلك الخطوات الرهيبة الى الموت...
    ------------------------
    انتهى

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال