هل كان اعتراف دي ميستورا المتأخر...بدون موافقة امريكية ؟!
... د. تركي صقر
سألني معدّ نشرة أخبار المسائية في قناة العالم الإخبارية: هل تصريح المبعوث الأممي دي ميستورا بأنّ الرئيس الأسد جزء من الحلّ قد تمّ من دون إيحاء من واشنطن؟
لم أتردّد في القول إنّ مثل هذا التصريح المنعطف لا يمكن أن يتمّ من دون رضى الإدارة الأميركية وذلك لأسباب عدة في مقدمها أنّ ما من مبعوث أممي على الغالب إلا ويتلقى توجيهاته الأساسية من الخارجية الأميركية هذا أولاً، ثانياً إنّ التصريح المدوّي جاء خارج النصّ أي خارج سياق التصريحات المعروفة لدي ميستورا ومن سبقه من المبعوثين الدوليين، لذلك يقتضي العودة إلى المرجع في البيت الأبيض، ثالثاً وهو الأهم، أنّ هذا التصريح يلغي كلّ ما سبقه من تصريحات أدلى بها أوباما وجميع القادة الغربيين حول تنحي الرئيس بشار الأسد، كشرط لأي حلّ للأزمة السورية وأنّ الأسد جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحلّ وهذا سبب كافٍ لأخذ الموافقة الصريحة عليه من واشنطن.
واضاف د. صقر في حديثة لصحيفة البناء ، إنّ ما قاله دي ميستورا يفاجئ بل يصدم من خدّرتهم أقوال أوباما وهولاند وكاميرون وأمراء وملوك العروش العرب بأنّ أيام الأسد معدودة؟ قالوها طوال السنوات الأربع، فهل سيخجلون من أنفسهم ومن مواطنيهم ومن كلّ من سمعهم بعد تصريحات دي ميستورا الذي يمثلهم أكثر مما يمثل الأمم المتحدة؟ وماذا سيقولون بعد أن أنهار جبل الأكاذيب وذهبت أدراج الرياح غيوم التضليل والتلفيق السوداء كلها التي دفعوها فوق السماء السورية؟ ماذا سيقولون لشعوبهم التي بدأ الإرهاب المدعوم من قبلهم يرتدّ إليها ويلدغها في عقر دارها؟
نقول: ما الذي جرى حتى يعترف دي ميستورا اليوم بما كان ينكره بالأمس؟ هل هي يقظة ضمير وصحوة وجدان من القوى التي أرادت الشرّ بسورية واستخدمت كلّ الوسائل لتدمير الدولة الدستورية وإسقاط رئيسها؟
بالتأكيد لم يأتِ هكذا تصريح عن طيب خاطر من دي ميستورا ومن يقف وراءه، وهو ما كان ليكون لولا أن شهد الميدان السوري تغييرات جذرية ناجمة عن صمود القيادة السورية وصبرها الاستراتيجي، وناتجة عن امتلاك الجيش العربي السوري زمام المبادرة على كلّ الجبهات، فالتصريح بمفرداته القليلة ما هو إلا انعكاس تامّ لما يجري على الأرض السورية من تقدم ونجاح لم يعد في إمكان أعداء الدولة السورية نكرانه والاستمرار في تجاهل الوقائع والحقائق الساطعة على الأرض.
لا نتجاوز الواقع إذا قلنا أنّ تصريح دي ميستورا يكتسب أهمية خاصة كونه جاء في ظلّ ارتباك أميركي وتخبط غربي تجاه التعاطي مع ظاهرة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وفي ظلّ فشل ذريع للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في القضاء عليها أو الحدّ من شرورها أو وقف ارتداداتها إلى قلب أوروبا وأميركا، فيما بدأت الأوساط السياسة والديبلوماسية الغربية توجه أصابع الاتهام إلى حكوماتها جراء سياساتها الخاطئة تجاه الإرهاب مؤكدة أنه لا يمكن مواجهة الإرهاب مواجهة حقيقية وجدية وصادقة إلا بالتنسيق مع القيادة السورية والاعتماد على قدرات الجيش السوري وخبراته، وهو الذي أثبت جدارة مدهشة في محاربة الإرهاب. كما لا يمكن النظر إلى إقرار دي ميستورا المزلزل لأصدقاء أمريكا وعملائها من المعارضات السورية البائسة بعيداً مما يجري من تقدم لمحور المقاومة في اليمن والبحرين والعراق وفلسطين وسورية ولبنان والملف النووي الإيراني، بالتوازي مع تراجع ملحوظ في السطوة الأميركية على امتداد المنطقة.
على أية حال، ليس هناك ما يمنع من التفاؤل بتصريح دي ميستورا، رغم أنه جاء متأخراً لكن على طريقة أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، كما لا يمنع من الحذر والحيطة حول ثبات دي ميستورا على تصريحه. فقد اعتدنا على تقلب التصريحات وتناقضها من أمثاله حسب الظروف والمعطيات والأوامر الصادرة من البيت الأبيض، إضافة إلى أنّ ما طرحه حول تجميد القتال في حلب لم يكن نقياً وصافياً ومن دون ألغام… لكننا لن نرحل بعيداً في عالم النوايا وسنقرأ بحسن نية ما جاء في أقواله مصحِّحين لدي ميستورا أنّ الرئيس الأسد ليس جزءاً من الحلّ فقط وإنما ضمانة للحلّ كله في سورية.
المصدر