بيت آخر والٍ عثماني على بغداد، متحف لأول حاكم جمهوري عراقي
وزارة الثقافة العراقية تحوّل بيت التاجر العراقي عبدالجبار الخضيري إلى متحف يضم مقتنيات الزعيم عبدالكريم قاسم، أول رئيس وزراء عراقي.
العرب:بغداد – بعد 52 سنة على مقتله، عاد الزعيم عبدالكريم قاسم، أول رئيس وزراء عراقي في العهد الجمهوري ليحل في أقدم بيت من بيوت بغداد كان يتخذ منه خليل باشا، آخر الولاة العثمانيين على المدينة، سكناً له.
قامت وزارة الثقافة العراقية بتحويل بيت التاجر العراقي عبدالجبار الخضيري الذي بناه نهاية القرن التاسع عشر، وسكن فيه الوالي العثماني المذكور، إلى متحف يضم مقتنيات الزعيم عبدالكريم قاسم، أول رئيس وزراء عراقي في العهد الجمهوري، نزولاً عند رغبات أنصاره.
وافتتحت الوزارة هذا المتحف في ذكرى مقتل الزعيم، الذي يطلق عليه أنصاره اسم “الزعيم الخالد” و”أبوالفقراء” بحضور عائلته وشخصيات رسمية وشعبية.
ووسط الحشد الذي تجمع في باحة البيت التي انتصب وسطها تمثال للزعيم قاسم، وهو من عمل النحات العراقي الراحل خالد الرحال، قال إبراهيم محمد البهادلي، وهو رجل مسن، لـ”العرب” إنه جاء ليقدم صورة توثق زيارة الزعيم للواء العمارة ولقاءه بشيوخ العشائر والجمعيات الفلاحية والفلاحين والبسطاء والفقراء في العام 1959، هدية إلى متحف الزعيم نيابة عن رئيس عشيرته، مشيراً إلى أن أجداده موجودون في هذه الصورة.
ويشكر البهادلي من أسهم وسعى إلى إقامة هذا المتحف، معتبرا أن تخليد شخصيات العراق ضرورة كبيرة، فهو يعبر عن العرفان للجهود التي بذلوها فضلاً عن الجذب السياحي الذي سيحققه.
وفي المكان نفسه كان عبدالله حامد قاسم وهو ابن شقيق الزعيم، يتحدث عن شعوره وهو يشاهد المقتنيات التي جمعها هذا المتحف والهدايا التي قدمت إلى الزعيم، فهو رآها قبل أكثر من نصف قرن، وقال: إن بعض هذه المقتنيات قدمتها عائلة الزعيم وأنا شخصياً قدمت عدداً منها وإخواني وشقيقاتي أيضا، لذلك فإن هذه المقتنيات الشخصية ستبقى في هذا المكان لكي يشاهدها زوار هذا المتحف.
وتقدم رجلٌ تجاوز عمره الثمانين عاماً ليقف أمام تمثال الزعيم ويؤدي له التحية العسكرية، ويعرف نفسه للحاضرين بأنه العميد المتقاعد شاكر محمود العزاوي، الذي كان آمر حماية الزعيم والناجي من الإعدام في الانقلاب على الزعيم في العام 1963، راوياً قصصاً عايشها عن قاسم، منها أن الزعيم كان يسكن داراً قديمة بسيطة يسكن مثيلاتها ذوو الدخل المحدود من الطبقة الفقيرة في شارع لا يزال العراقيون يسمونه شارع الزعيم، استأجرها بمبلغ 15 ديناراً شهرياً من مديرية الأموال المجمدة لليهود، وأن الزعيم كان يكلفه كل شهر بتسليم بدل الإيجار إلى الدائرة المعنية.
وزير السياحة والآثار عادل فهد الشرشاب، قال إن وزارته عازمة على الاهتمام بالحقب الزمنية كلها التي مرت بالعراق، ومنها حقبة حكم الزعيم قاسم، مبيناً أنها بذلت جهداً كبيراً بالتعاون مع الكوادر الوظيفية بالوزارة وعائلة عبدالكريم قاسم ومحبيه وأنجزت المتحف، الذي يضم كل ما يمتلكه الزعيم، مشيراً إلى أن هناك قاعة خاصة داخل المتحف لعقد الندوات الحوارية أو البحثية في سيرة هذا الرجل.
وأعلن الوزير أن الأيام المقبلة ستشهد افتتاح متحف الشاعر الكبير بدرشاكر السياب في داره بالبصرة، فضلا عن افتتاح المتحف الوطني العراقي ومتحف في كل محافظة.
من جانبها، أوضحت المديرة العامة لدائرة التراث في الهيئة العامة للآثار والتراث الدكتورة فوزية المالكي، إن المتحف يضم أغلب مقتنيات الزعيم عبدالكريم قاسم والهدايا والدروع التي قدمت إليه أثناء فترة حكمه للعراق والتي قدمتها له مختلف الدول فضلا عن صور للمشاريع التي أنجزت خلال حكمه، مشيرة إلى أن الكثير من المواطنين قدموا إلى المتحف العديد من الوثائق التي تتعلق بالزعيم، وخصوصاً عائلته التي قدمت المقتنيات الشخصية الخاصة به مثل “البطانية” التي كان يتخذها غطاء له وجهاز “الراديو” الذي كان يستمع به للإذاعة والقلم الخاص به والشراشف والكرسي الذي جلس عليه الزعيم عندما تولى رئاسة الوزراء.
عرض سيارة قاسم وعليها آثار الرصاص الذي أطلقه صدام حسين ورفاقه على الزعيم
وأضافت إن المقتنيات توزعت على خمس قاعات ضمت أيضا الأسلحة، والدروع والصور التذكارية للزعيم مع شخصيات مختلفة، فيما ضمت إحدى القاعات أرشيفاً يوثق مرحلة عبدالكريم قاسم وحوت كتباً وصحفاً ومجلات، وأخرى للمحاضرات وعرض الأفلام الخاصة. وتُعرض كلها للزائرين أثناء الدوام الرسمي في المتحف وتبلغ عدد القطع الموجودة فيه 500 قطعة مختلفة الأشكال والأحجام ومن أهمها السيارة التي شهدت محاولة اغتيال الزعيم وبقيت في وزارة الدفاع، إذ تم ترميمها وعرضها بعد الحفاظ على آثار الطلقات النارية التي استهدفت الزعيم والتي أطلقها الرئيس الراحل صدام حسين ورفاقه.
وبينت المالكي أن التمثال الموجود في باحة المتحف للزعيم هو من تنفيذ الفنان الراحل خالد الرحال، فضلاً عن تمثال نصفي آخر من تنفيذ الفنان نفسه، مؤكدة أن المتحف يعد أول متحف تراثي في بغداد والخامس على مستوى العراق.
وتحدثت المالكي عن المبنى الذي أقيم فيه المتحف قائلة “إن هذا المبنى من أقدم المباني التراثية في مدينة بغداد، بناه التاجر العراقي عبدالجبار الخضيري في نهاية القرن التاسع عشر، وقبل نهاية العهد العثماني اتخذه آخر وال عثماني على بغداد هو خليل باشا محلاً لسكنه”، مشيرة إلى أن خليل باشا هذا هو الذي شق شارع الرشيد وارتبط الشارع باسمه فسمي “خليل باشا جادة سي”.
وبعد انتهاء الحكم العثماني ودخول الاحتلال البريطاني للعراق عقد في المبنى أول اجتماع لمؤسسي وزارة الدفاع وبعد ذلك استخدم كدائرة للاستيراد والتصدير وبقي إلى أن استملكته الهيئة العامة للآثار والتراث في ثمانينات القرن الماضي وأجرت عمليات الصيانة والترميم مرات عدة إلى أن تقرر اتخاذه متحفاً للزعيم عبدالكريم قاسم.
وتقول المديرة العامة لدائرة التراث: إن اختيار هذا الموقع جاء لتميزه وتفرده المعماري التراثي الذي يؤهله لهذا الغرض كونه بيتاً بغدادياً يمتلك عناصر البناية البغدادية من شناشيل وأعمدة وهو من أقدم المباني التراثية في مدينة بغداد، فهو يحمل الكثير من الأبعاد والقيم الاجتماعية والثقافية والسياسية.