رائدات فضاء لم يغادرن كوكب الأرض
في غمرة السباق الفضائي، تدربت مجموعة من قائدات الطائرات الماهرات على السفر إلى الفضاء، لكنهن لم يغادرن كوكب الأرض. الصحفية سارة كروداس تلقي الضوء على الأسباب.
في إبريل/نيسان عام 1959، أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا التي كانت أنشئت للتو عن تشكيل مجموعتها الأولى من رواد الفضاء، والتي أطلقت عليها اسم ميركوري 7.
وتقدم للانضمام لهذه المجموعة أكثر من 500 من أفضل الطيارين الأمريكيين، ممن لم تتجاوز أعمارهم 40 عاماً، وتتوفر فيهم مقاييس محددة من حيث الطول والوزن. كما اشترط فيهم أن يكونوا حاصلين على تعليمهم في المجال الملائم للمهمة.
عدد قليل فقط من هؤلاء خضعوا لسلسلة من الاختبارات النخبوية لانتقاء أوائل رواد الفضاء الأمريكيين منهم.
ولم يكن الرجال وحدهم من خضعوا لهذه الاختبارات، فقبل 55 عاماً، استدعت مؤسسات خاصة أول مجموعة من قائدات الطائرات لإجراء الاختبارات ذاتها، وتفوقن في بعض الاختبارات على الرجال.
هذه النخبة من النساء أصبحت تعرف باسم "ميركوري 13".
تقول سارة راتلي، إحدى النساء اللاتي خضعن للاختيار: "كنت واحدة من أكثر قائدات الطائرات نشاطاً في عصري" .
وتضيف: "كان حلم الكثيرات منا أن يشاركن في برنامج الفضاء."، فما الذي حدث لهؤلاء الرائدات ولماذا لم يسافرن إلى الفضاء؟
في ذلك الوقت كان الطيران مهنة للرجال وحدهم. تقول راتلي التي تحمل شهادة في الرياضيات مع تخصصات فرعية في الفيزياء والكيمياء: "بدأت الطيران بينما كنت في المدرسة الثانوية، والتحقت ببرنامج مدفوع الثمن للتدريب على الطيران التجاري كجزء من تعليمي الجامعي. واصلت العمل في مجال الطيران بعد التخرج، وكنت أعمل مهندسة بدوام كامل في الوقت ذاته."
وقد ضمت مجموعة رائدات الفضاء المرشحات الـ 13 كلاً من جيري كوب، بيرنيس ستيدمان، جاني هارت، جيري تروهل، ريا وولتمان، جان وماريون ديترتش، ميرتل كاغل، جين نورا جيسين، جين نيكسون، والي فانك، وايرين ليفيرتون. البعض جئن إلى هذه المجموعة من خلفيات غاية في التواضع لكي يصبحن ضمن نخبة الطيارين.
من بين المرشحات كانت ليفرتون الحاصلة على أكبر رصيد في عدد ساعات الطيران، وكانت طيارة معروفة في ذلك الوقت.
وهي الآن في الثمانينيات من العمر، وتتكلم بصعوبة، ولكن حسب ما تقوله صديقتها التي تتولى رعايتها كاثي شماير، فقد كانت نشأتها فقيرة أثناء فترة الكساد العظيم في الولايات المتحدة.
فقد اعتادت في صغرها أن تحضر إلى البيت فتجد مقتنياتها ملقاة في الشارع
وتضيف شماير: "كان للأسرة كلب، لكنهم تخلصوا منه لأنهم لم يكن باستطاعتهم إطعام أنفسهم، فما بالك بإطعام كلب. لقد كانت في طفولتها تحب اللعب التي على شكل طائرات بدلاً من العرائس، وكان تفكيرها منصباً على الطيران."
تمويل ذاتي
تخلت ليفرتون عن منحة دراسية في معهد شيكاغو للفنون من أجل أن تحقق حلمها بالطيران، مستخدمة أي مبلغ تحصل عليه مهما كان صغيراً لتمويل دروس الطيران التي كانت تتلقاها. وتقول شماير: "لقد واضبت هي بينما استسلم آخرون للفشل".
لم تبد وكالة ناسا رغبتها علناً في إرسال النساء إلى الفضاء، لذا فإن إجراء الاختبارات لاختيار النساء لريادة الفضاء كان بتمويل خاص بدأه الدكتور وليام لوفلايس الذي كان مشاركاً في تقييم فريق ميركوري 7.
كان بعض العلماء يعتقدون أنه صغر حجم المرأة مقارنة بالرجل، يمنحها أفضلية في السفر إلى الفضاء والتكيف مع ضيق المركبات الفضائية.
في عيد الحب عام 1960 كانت جيرالدين كوب أول من سافر للالتحاق بمؤسسة لوفلايس في ألبوكويركيو في ولاية نيومكسيكو. وكانت جيرالدين أو (جيري) طيارة ماهرة في سجلها ما يزيد عن 700 ساعة طيران، وصاحبة رقم قياسي عالمي في الطيران بلا توقف لمسافة طويلة.
يقول أل هالونكويست، مؤرخ رحلات الفضاء، الذي عمل مع مجموعة ميركوري 13: "تضمنت المرحلة الأولى من الاختبارات 75 اختباراً منفصلاً في علم وظائف أعضاء الجسم، وفي مهمات تتعلق بالفضاء". وتضمنت الاختبارات أيضاً ابتلاع أنبوب مطاطي، لاختبار أحماض المعدة، أو الاستلقاء على طاولة مائلة لاختبار الدورة الدموية.
نجاح أولي
وبذلك، سافرت كوب إلى مركز أبحاث لويس التابع لناسا في كليفلاند للخضوع لاختبار محاكاة مناورات الهبوط المضطرب التي قد يضطر إليها الرواد في الفضاء. بعد ذلك ذهبت إلى أوكلاهوما سيتي للخضوع لاختبارات نفسية وعقلية شملت البقاء وحيدة في قمرة للعزل.
أخرجت كوب من تلك القمرة بعد تسع ساعات وأربعين دقيقة، وهو ما كان رقماً قياسياً في ذلك الوقت، حيث لم يتحمل أي رجل البقاء في قمرة العزل أكثر من 6 ساعات و20 دقيقة، كما لم تتحمل أي امرأة البقاء فيه أكثر من 6 ساعات. علاوةعلى ذلك، لم تعان كوب من أي هلوسة نتيجة هذا الاختبار.
وأنهت كوب اختباراتها في الكلية البحرية لعلوم الطيران في فلوريدا.
يقول هالونكويست: "حسب ما أفاد موظفون مشرفون على الاختبار، أظهرت النتائج أنها مؤهلة جداً للمشاركة في رحلات الفضاء".
بعد انتشار أخبار نجاح كوب، تمت دعوة نساء أخريات للمشاركة في الاختبارات.
قدم اسم راتلي إلى لولايس وفريقه.
وتقول راتلي: "تلقيت مكالمة هاتفية تبعتها رسالة تطلب مني المشاركة في البرنامج. كنت مصممة على النجاح وكنت أتطلع لخوض مغامرات جديدة".
لكن من بين كل اللواتي خضعن للاختبارات، تمكنت 13 امرأة فقط من اجتيازها بنجاح.
كانت أصغرهن والي فانك، البالغة من العمر 23 عاماً آنذاك، بينما كانت أكبرهن جين هارت ذات الـ 41 عاماً، وهي أم لثمانية أبناء، وحصلت على رخصة الطيران خلال الحرب العالمية الثانية.
من ثم بدأت النسوة بالاستعداد للذهاب إلى الكلية البحرية لعلوم الطيران في فلوريدا.
في ذلك الوقت كانت جميع المشاركات يحلمن بالسفر إلى الفضاء. تقول راتلي: "لقد تخلينا عن وظائفنا وأعمالنا لنتمكن من المشاركة،" لكن قبل يومين من وصولهن تقرر إلغاء الاختبارات.
خيبة أمل كبيرة
رغم احتجاج بعض النساء، في جلسة استماع عامة عقدت عام 1962، كانت الإجابة بالرفض.
في ذلك الوقت، اشترطت ناسا أن يكون جميع رواد الفضاء طياري اختبار، وهو أمر لم يكن مسموحاً أن تقوم به النساء.
تقول راتلي: "شعرت بخيبة أمل كبيرة. بعد إلغاء البرنامج، تمسكنا بأملنا. واصلت نشاطي في مجال الطيران آملة أن يستأنف البرنامج،" بيد أنه لم يتح لأي من النساء الـ 13 المشاركة في السفر إلى الفضاء. واكتفين بدلاً من ذلك بمتابعة تحليق رجال الولايات المتحدة في الفضاء، ومن ثم إلى القمر.
مضت أكثر من 30 عاماً لتتمكن رائدة فضاء ناسا، إيلين كولينز، من تحقيق حلم الثلاث عشرة امرأة، بأن أصبحت أول امرأة تقود مكوكاً فضائياً. في الثالث فبراير/شباط عام 1995، أصبحت كولينز أول امرأة تقود سفينة فضاء.
ولدى انطلاق المكوك الفضائي ديسكفري من كيب كانفرال، كانت النساء الثلاث عشرة يتابعن الحدث، ولكن مع الجمهور.
تعويض جزئي
تقول راتلي: "عندما تابعنا انطلاقها إلى الفضاء، شعرنا بأننا حققنا جزءاً من مبتغانا".
وتضيف شماير: "ايرين ليفرتون كانت فخورة حقاً بإيلين، لقد كانت على تواصل معها لعدة سنوات، وذهبت لحضور عدة انطلاقات للمكوك الذي كانت على متنه.
وكانت تشعر بالفخر لالتقائها بعدة نساء من اللاتي نجحن في تحقيق حلمهن".
ولو نجحت بعض النساء من الثلاث عشرة في السفر إلى الفضاء، ما كان ذلك ليجعلهن أولى من سافرن إلى الفضاء، فقد سبقتهن لذلك الروسية فلنتاين تيريشكوفا التي أكملت 48 دورة حول الأرض في يونيو عام 1963.
وكان من شأن ذلك أن يدفع ناسا إلى أن تضع رائدات الفضاء على رأس أجندتها في رحلاتها القادمة إلى النجوم.
بدلاً من التحليق في الفضاء، أصبحت راتلي محاسبة. لكنها لا تشعر بالمرارة من تجربتها، ولم تتوقف عن دعم استكشاف الفضاء، وتقول: "أدى برنامج الفضاء إلى ظهور اختراعات واكتشافات عدة ساعدتنا في حياتنا اليومية. فكلما واصلنا الاستكشاف، سوف تستمر حياتنا في التحسن. وآمل أن يستمر برنامج الفضاء بلا توقف."
المصدر
http://www.bbc.co.uk/arabic/sciencea...the_space_race