روتانا ـ متابعات
وافت المنية أمس الكاتب السعودي عابد خزندار في باريس عن عمر يناهز الــ80 عاماً ومن المقرر أن يصل جثمانه إلى جدة غداً "الخميس".
وقد لد خزندار في حي القشاشية بمكة المكرمة العام 1935، وعرف عنه صراحته ومباشرته في الطرح والمواجهة، وقد بدأ حياته العملية حين حصل على الشهادة الثانوية من مدرسة تحضير البعثات في مكة المكرمة العام 1953،
ثم التحق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، وتخرج فيها العام 1957، وحصل على درجة الماجستير في الكيمياء الحيوية العام ١٩٦٠ من أمريكا،
ومن ثم تدرج خزندار في الوظائف الحكومية في السعودية عقب عودته من الدراسة الخارجية، حيث عمل مديراً عاماً في وزارة الزراعة بالرياض إلى العام 1962.
في باريس
ووصل خزندار باريس للمرة الأولى في أواسط السبعينات الميلادية من القرن الماضي، حيث قصدها باحثاً ولاهثاً وراء العلوم والثقافة التي كانت آنذاك مقصداً ومطلباً لكل باحث عن المعرفة، حيث وافته المنية، بدأ الراحل خزندار رحلته مع المعرفة بدراسة الآداب الفرنسية، فعكف على دراسة علم الأسلوب في اللغة الفرنسية،
وقرأ كتاب رائد علم الأسلوب في الغرب ليوسبيتزر، وقرأ فكر جويس، جاك ديريدا، هيجل، هايدغر، شوبنهاور وكبار فلاسفة ألمانيا، وهناك أيضاً، حيث تقفى آثار جيمس جويس ويوليسيس اللذين سحرته أفكارهما، بحث عن حريته في التفكير والحوار، وهو ذات النهج الذي سار عليه طه حسين، الذي حضر خزندار بعضاً من محاضراته إبان دراسته في القاهرة.
كان هاجس خزندار الأكبر في كل ما يكتب هو المجتمع فقط، لأنه كان يحمل أصواتنا معه ليكتب بها وليس بصوته وحده. بل لم يكن كاتباً اجتماعياً فقط، فلقد عرف كناقد ومفكر ومبدع، كتب كثيراً من الدراسات المتعلقة بالحداثة حينما بدأت تصنع حراكها الخاص في أوساطنا الثقافية،
وخاض سجالات فكرية ونقدية عدة، كما كُتب عنه أيضاً دراسات نقدية وإبداعية ولعل من أشهرها كتاب الباحث الأستاذ محمد القشعمي الذي حاول فيه إخراج القدرة الفكرية التي حملها في فترة حياة وهو البالغ من العمر ثمانين عاماً، وكيف قضى عقوداً طويلة كان فيها قارئاً حصيفاً وناقداً نابهاً وكاتباً جريئاً، مستخرجاً من هذا كله مؤلفات تعد من أبرز الكتب النقدية في ساحتنا الثقافية.
مشاكسات في "نثار"
كانت لعابد خزندار مشاكسات عدة عبر عموده اليومي "نثار" الذي كان يتنقل به في عدد من الصحف المحلية، وينثر من خلاله كثيراً من النقد والمعالجة لمشكلات مجتمعه، لم تكن وليدة وقت متأخر من حياته الأدبية، إذ بدأت مشاكساته حين عاقبه أحد معلميه لحظة ضبطه متلبساً بقراءة رواية مجدولين التي عربها مصطفى المنفلوطي،
وذلك بحسب أحد تصريحاته الصحافية، التي قال فيها: "ﻗﺭﺃﺕ ﻋن ﺘﻭﻟﺴﺘﻭﻱ ﻷﻭل ﻤﺭﺓ ﻋﻨﺩﻤﺎ كنت ﻓﻲ ﻤكة ﺍﻟﻤكرمة، ﻭﺃﻨـﺎ ﻓـﻲ ﻤﺭﺤﻠـﺔ ﺍﻟﺘﺤﺼﻴل ﺍﻟﺜﺎﻨﻭﻱ، ﻭﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﺭﺴﺎﻟﺔ، ﻭﻻ ﺃذكر ﺍﻵﻥ كاتب ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﻻﺕ، ﻭكان ﺍﻟﻤﺤﻭﺭ ﻟﻬﺫﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﻻﺕ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﺍﻟﺤﺭﺏ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻓﺘﺸﺕ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻤكتبات ﻤكة ﻓﻠـﻡ ﺃﺠﺩﻫﺎ ﺒﺎﻟﻁﺒﻊ، ﻓﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻷﻴﺎﻡ ﻟﻡ ﺘكن ﻗﺩ ﺘﺭﺠﻤﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ".
علاقات مميزة
خلال حياته الطويلة كون خزندار علاقات جيدة عدة مع عدد من مثقفي العالم العربي والغربي على حد سواء، إذ كانت تربطه علاقة مميزة بأدونيس وعبدالمعطي حجازي، وهو الذي كان يختلف مع خصومه دون أن يفجر في الخصومة،
فيقول عن خلافه أو اختلافه مع الدكتور عبدالله الغذامي: "علاقتي به علاقة التلميذ بالأستاذ، ولم أكن مناهضاً يوماً للغذامي، والفرق بيينا أنه يكتب عن الحداثة، وأنا أكتب عما بعد الحداثة، كما أني أرى أن الاتجاه إلى الرواية أصبح أهم وسيلة لتصوير الحياة ووصف الواقع".
فيما وصفه الراحل الدكتور محمد عبده يماني بأن عابد خزندار: "ذا قيمة أدبية لم تكتشف، ولم تسلط عليها الأضواء بصورة تعطيها حقها في الدراسة والتقييم، لأنه في رأيي رجل مبدع نهل من ثقافتين، وتكلم وكتب بأكثر من لغة، فهو ممن يستحقون الوقوف عند عطائهم، والتعمق في فكرهم وأدبهم".
كما وصفه الأديب محمود تراوري بقوله: "لا يكتب عابد خزندار نثره بشكل تقليدي، فهو ومذ عرفته الساحة قبل أكثر من 4 عقود، يجنح لتحطيم البنية السردية، بتقاطعات وإحالات مستمرة بما يفضي إلى أن مخيلة القارئ تكمل مخيلة الكاتب، مكتفياً بقوله: هذه حكايات كتبتها في مارس 2008، ولم أنشرها حتى الآن لأسباب مختلفة، وهي مستلهمة من ألف ليلة وليلة".