الوافدون و الفارون في الاتجاه المعاكس .
أحمد الحباسى
بكثير من الخجل يتحدث البعض عن الديمقراطية الإسرائيلية و بكثير من الغرور تتحدث إسرائيل عن ” ديمقراطيتها” في محيط عربي متوحش و فاقد لكل ضروريات نمو العقل السليم في محيط ديمقراطي سليم ، و عندما تتم محاسبة التقصير بواسطة لجان تحقيق متخصصة سواء أكان ذلك اثر حرب أكتوبر 1973 على يد القوات المصرية أو بعد الهزيمة التاريخية صيف جويلية 2006 على يد حزب الله أو تتم محاكمة الرئيس موشى كتساف من أجل التحرش و القضاء بسجنه أو عندما تشكل اللجان لمحاسبة رئيس الحكومة الصهيوني الحالي أكثر من مرة فلا شك أن هناك من سيفاخر بوجود هذه المحاسبة الجادة و يدفع إلى اعتبار هذه الدولة الخارجة عن القانون الدولي واحة من الديمقراطية داخليا بالنسبة لأبنائها الفارين و الوافدين إليها من كل دول العالم إلى ما يسمى بأرض الميعاد التي أسقط عليها وعد بلفور الشهير ما يسمى “بالشرعية الدولية “.
طبعا ، هذا احد الأسباب و الدوافع المهمة للهجرة اليهودية من كل دول العالم إلى فلسطين المحتلة ، و طبعا إسرائيل و القائمين على تواصل هذه الهجرة يبحثون بكل الطرق ، و اليهود شطار في هذه المسألة ،عن كل السبل التي تريح الجالية اليهودية المهاجرة و تجعلها تخير البقاء في هذه الأرض رغم الأخطار و التحديات اليومية ، الحكومة الإسرائيلية أيضا تتمتع بدعم اللوبي الصهيوني المؤثر في مواقع القرار الدولي بحيث تتهاطل المعونات المالية بغير حساب و يتم تقديم الطلبات الإسرائيلية على كل طلبات دول العالم حتى يقتنع الجميع – على مضض في بعض الأحيان – أن إسرائيل هي بلد العالم الغربي المدلل و الحجر الأساس في كل الاستراتيجيات الدولية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط ، أيضا المنظومة الإعلامية الصهيونية لها دور فاعل و مهم في تغطية كل عيوب و همجية الاحتلال الصهيوني إلى الحد الذي أصبح العالم الغربي المنافق لا يرى إلا بالعين الصهيونية .
على الجهة المقابلة ، هناك من يحلم يوميا بالهجرة المضادة أو بالرحيل و الهروب إلى الغرب حيث يظن الحالمون أنه بالإمكان أن تتحقق هناك المطالب الثلاثة التي عجزوا عنها طيلة سنوات عديدة : لقمة العيش ، الحرية، العدالة الاجتماعية ، و لتحقيق هذا الحلم الدائم يتم البحث عن بعض الأموال بكل الطرق مقابل تحقيق هذا الحلم من طرف بعض مراكب الموت و تجار المأساة الإنسانية ، دون التثبت و البحث هل أن تلك الهجرة المؤلمة المجهولة العواقب و المصير هي الثمن المقبول مقابل التخلي عن وطن مهما تفشى فيه الفساد و الظلم و الاستبداد و البطالة ، لان الجميع على قناعة بأن هذه الأوطان العربية قد باعت كل أبناءها و قصرت خدماتها على بعض البطانة و أبناء البطانة الفاسدة و بل أنها لم تكتف بالقتل جوعا و تشريدا و إذلالا لتنتقل إلى لغة الرصاص كلغة ” حوار” مع المعارضين و الرافضين.
هناك أمر خارج عن المنطق و الواقع ، فبين “دولة” يتوافد إليها الآلاف يوميا و بين دول عربية تهجرها ألاف يوميا هناك معادلة عصية على الفهم و هناك هجرة معكوسة لا تقدر الكلمات و المفردات عن حل لغزها ، فإسرائيل سواء بحكم المساحة أو القدرات المالية و مهما كانت المغريات لا يمكن أن تكون منطقيا الملاذ المناسب و منطقة الأحلام لأي مواطن مهما كانت ديانته و مذهبه فكيف استطاعت إذن أن تشكل بالنسبة للوافدين إليها هذا الحلم لأنه في نهاية الأمر لا يمكن “للروحانيات” أن تكون السبب الوحيد لهذه الهجرة في حين أن الدول العربية التي تكتنز في داخلها كل ثروات الأرض تعجز عن استيعاب طموحات شبابها و شعوبها و تحولهم إلى قطيع هارب مهووس بالهجرة بعد أن لطخت المحسوبية و الرشوة و الفساد حائط قصور الحكام العرب العملاء الفاسدين و بات الجميع في انتظار “مقعد” بائس على مركب هائمة بين الأمواج المتلاطمة .
لعله من المؤسف أن هذا الوطن يقتل أبناءه على الطريقة السينمائية البطيئة ، ولعله من المؤسف أن بات الجميع على قناعة بان هذا الوطن لم يعد ملاذا آمنا للأحلام أو لمجرد بعض الأفكار الجانحة ، و من العار أن يهرول الوافدون إلى أرض فلسطين المحتلة في حين تنقل قوارب أخرى الآلاف من الفارين إلى سواحل لامبيدوزا الايطالية هربا من البطالة و من عسكر الحكومة القابضين على كل الأنفاس ، فهل أن ما يحدث هو هجرة معاكسة أو مشهد سريالي أم أن هذه الطيور العربية الفارة سترجع يوما إلى وطن لطالما شكل حائطا في وجه أحلامها المشروعة ، و هل أن من تلقفته هذه الهجرة المتوحشة و أصبح أحد أعمدة تجارة الحشيش و الرقيق الأبيض سيعود يوما إلى بلد ” المنشأ ” حتى لو كان في صندوق ، و نتساءل فى نهاية الأمر أما آن لهؤلاء الحكام المفلسون القتلة العملاء أن يرحلوا عن بلداننا العربية أم أنهم لن يرحلوا إلا نعوشا مطاردة بالنعال و اللعنات .
خاص بانوراما الشرق الاوسط
..