النتائج 1 إلى 8 من 8
الموضوع:

بوذا حكم ومواعظ

الزوار من محركات البحث: 157 المشاهدات : 2347 الردود: 7
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 2,041 المواضيع: 145
    صوتيات: 12 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1476

    بوذا حكم ومواعظ

    البوذية هي الديانة الوحيدة الّتي لا يعلن مؤسّسها أنّه إله أو حتّى رسول الله أو نبيّه، بل يعلن أنّه البوذا (الساهر أو اليقظ) الّذي يعلن طريقةً لخلاص البشر من دائرة الولادة المتكرّرة (سمسرة). لكنّ أتباعه حوّلوا تعاليمه إلى مبادئ دينيّة وألّهوه. ولد بوذا في حوالي السنة 558 ق.م. في إقليم ساكيا (جنوب النيبال). توفيت أمّه مايا وهو في السابعة من عمره، فربّته عمّته. تزوّج في السادسة عشرة، وترك البيت الزوجي في التاسعة والعشرين ليعيش اختباراتٍ روحيّة ويعلن عقيدته، ومات وهو في الثمانين من عمره. لكنّ كتّاب سيرة حياته أضافوا إليها بعض الأمور الملحميّة الأسطوريّة كي تكون حياته قدوة، ويمنحوا مؤسّس ديانتهم صفة قدسيّة إلهيّة. وتظهر هذه الملامح في الفنّ البوذيّ والعبادات والطقوس.

    بوذا ( 558 ق.م. - 483 ق.م. ) و اسمه الأصلي سيذهارتا غوتاما (صاحب الهدف المحقَّق) مؤسس الديانة البوذية إحدى الديانات الكبرى . أبوه كان حاكماً لإحدى المدن في شمال الهند على حدود مملكة نيبال وينتمي إلى طبقة المحاربين (كشاطريا). توفيت أمّه مايا وهو في السابعة من عمره، فربّته عمّته. تزوج في السادسة عشرة من عمره إحدى قريباته و في مثل سنه . و قد ولد في الأبهة و الفخامة ، و لكنه كان في غاية التعاسة . فقد لاحظ أن أكثر الناس فقراء ، و أن الأغنياء أشقياء أيضاً ، و أن الناس جميعاً ضحايا المرض و الموت بعد ذلك . و قد فكر بوذا كثيراً ، و اهتدى إلى أنه لابد أن يكون في هذه الحياة العابرة شيء أبقى و أنقى من كل ذلك .

    و عندما بلغ الحادية و العشرين من عمره و بعد ميلاد ابنه ، قرر أن يهجر هذه الحياة و يتفرغ تماماً للتأمل في أمر الدنيا و البحث عن الحقيقة .ترك كل شيء و تحول إلى متسول مفلس ، و درس على أيدي عدد من رجال الدين ، و بعد أن أمضى بعض الوقت اكتشف أن الحلول التي يقدمونها لمشاكل الحياة ليست كافية . و كان من المعتقد في ذلك الوقت أن الحل الوحيد لمتاعب الدنيا هو الزهد فزهد في كل شيء . و امضى سنوات لا يأكل و لا يشرب إلا القليل . و لكنه عاد فاكتشف أن تعذيب الجسد يملأ العقل ضباباً و يحجب عن النفس رؤية الحقيقة فعدل عن الزهد إلى حياته العادية يأكل و يشرب و يجلس إلى الناس . و في العزلة أخذ يتأمل مشاكل أن ديانته هذه قد انشقت بعضها على بعض
    ذات يوم، صادف عجوزاً أنهكته الشيخوخة، ومنظره يبعث على الاشمئزاز. فسأل الحوذيّ:

    - أيّ نوعٍ من الناس هذا؟

    - إنّه يا سيّدي إنسان حنت السنون ظهره.

    - وما الّذي فعله حتّى أصبح هكذا؟

    - إنّه مصير كلّ إنسانٍ يا سيّدي. لابدّ للشباب أن يذوي وللشيخوخة أن تأتي.

    فصاح سيذهارتا مضطرباً:

    - يا لتعاسة الخليقة الجاهلة الضعيفة. يسكر ذكاؤها من كبرياء الشباب فلا يرى الشيخوخة. عُد بنا أيّها الحوذيّ، ما نفع اللهو والملذّات إذا كان المصير هو أن نشيخ!

    وفي المرّة الثانية، صادف رجلاً مصاباً بالطاعون، وقد ملأت القروح جسده واسودّت بشرته. كان يجلس على قارعة الطريق يتنفّس بصعوبة. وسأل الحوذيّ عنه فأخبره ما هو المرض. فقال:

    - الصحّة إذاً حلمٌ جميل. ولبشاعة المرض شكل رهيب. أيّ حكيمٍ يسعى إلى الملذّات بعد أن يرى حقيقة الوجود هذه؟

    في المرّة الثالثة، رأى جنازة تتّجه نحو المحرقة. وسأل الحوذيّ فأخبره ما هو الموت. فقال:

    - الويل للشباب المفخّخ بالشيخوخة. الويل للصحّة الّتي تدمّرها جميع الأمراض. الويل لحياة الإنسان الّتي لا تدوم دهراً. الويل لسحر الملذّات الّذي يستولي على قلب الحكيم.

    وفي المرّة الرابعة التقى زاهداً (بهيكشو) بيده قصعة، والناس يلقون إليه بالصدقات. فسأل الحوذيّ:

    - مَن هذا الرجل صاحب التنفّس الهادئ، الّذي يسير مطأطئ الرأس، ولا ينظر إلاّ إلى الأرض القريبة من قدميه؟ يبدو عليه الهدوء والسكينة.

    - إنّه راهب زاهد يا سيّدي. هجر مُتَعَ الشهوات ليعيش حياة منتظمة، باحثاً عن سكينة ذاته. إنّه يتنقّل سائحاً، ويقبل الصدقات ولا يشعر بأيّ عاطفة.

    - حسناً أجبتَ أيّها الحوذيّ. كم أتشوّق إلى حياةٍ كهذه. فالحكماء يمدحون الدخول في الدين لأنّه يفيد الذات والكائنات. إنّها حياة يسودها الهدوء ويملؤها اللطف وتكثر فيها ثمار الأعمال الصالحة.

    ظ الأب تغيّر مزاج ابنه، وعلم أنّه ينوي ترك المجد للبحث عن الحقيقة الّتي تحرّر الإنسان من الشيخوخة والمرض والألم والموت. فحاول ثنيه عن عزمه عبثاً. وفي آخر الأمر قال له:

    - ابقَ في القصر واطلب ما تشاء.

    - أريدكَ يا أبتِ أن تمنحني أربعة أشياء: أن أحافظ على نضارة شبابي، وألاّ أصاب بمرض، وألاّ يكون لحياتي نهاية، وألاّ يفنى جسدي.

    صمت الأب حزيناً فتابع سيذهارتا كلامه.

    - إذا كنتَ عاجزاً عن أن تجنّبني الشيخوخة والمرض والموت والفناء، ساعدني إذاً على ألاّ أعود إلى الحياة ثانيةً.

    وأنجبت زوجة سيذهارتا طفلاً سمّته رؤولا. فشعر بأنّه وفى دينه لأجداده. فتسلّل ليلاً من البيت وهرب إلى الغابة. وخلع ثيابه الفاخرة، ولفّ جسده بلحاء الشجر، وقصّ شعره وساح يبحث عن الحقيقة زاهداً. في بداية الأمر، عاش سيذهارتا مع الكهنة البراهمانيّين، وتعلّم منهم طرائق البحث عن الأنا (أتمان) وإيصاله إلى الطاقة الكونيّة (براهمان). لكنّه وجد أنّ هذه الطرائق معقّدة وقاسية لا رأفة فيها. ولا تؤدّي في آخر الأمر إلاّ إلى هروبٍ مؤقّتٍ من الولادة المتكرّرة (السمسرة). فهجرهم وانضمّ إلى جماعة راما بوترا النسكيّة الّتي تعيش في قمّة النسور بالهيمالايا. وتتلمذ على يد اليوغيّ ألارا كلايا. فتعلّم الجلوس متربّعاً والثبات في هذه الوضعيّة مدّةً طويلة بدون حركة، والسيطرة على إيقاع التنفّس، والصوم أيّاماً على مثال الحشرات في سباتها الشتويّ. فلا يأكل إلاّ أرزّةً واحدة يوميّاً، وينام على سرير من الأشواك البرّيّة. لكنّه شعر أيضاً بعد عدّة سنوات، بأنّه لن يبلغ الخلاص بتعذيب جسده أو السيطرة على حواسّه. فترك معلّمه وسار يبحث عن الحقيقة بنفسه. التقى سيذهارتا في طريقه بخمسة زهّادٍ فجعلهم رفاقه، وأقام معهم بالقرب من جدولٍ صغيرٍ مدّة سبع سنوات. وكان يحاول في تأمّلاته ألاّ يعير جسده انتباهاً كي يزيد من سموّ فكره. ولم يكترث للسيطرة على حواسّه كما يفعل اليوغيّون، لأنّ غايته هي بلوغ المعرفة. وإذ أخفقت جميع محاولاته، قرّر أن يعيش حياة الزاهدين (بهيكشو). فسخِرَ رفاقُه منه ونعتوه بالجبن لأنّه سيهجر التقشّف القاسي لينعم بعطايا المحسنين. فلم يكترث لسخريتهم، وأخذ كفناً صنع لنفسه منه ثوباً، وصار يتسوّل، فشعر بأنّه يقترب من المعرفة

    ات مساء، جلس سيذهارتا تحت شجرة تين، بالقرب من قرية أورفِلا. فقدّمت له بنت البستانيّ طبق أرزّ بالحليب أعدّتها تقدمةً لروح الشجرة. فأكل الآرزّ ثمّ قال في نفسه:

    - لو كنتُ سأتمكّن اليوم من أن أصير بوذا، فليذهب الطبق بعكس التيّار، وإلاّ فلينجرف معه.

    ورمى الطبق في الماء فانزلق على سطحه حتّى منتصف النهر، ثمّ شقّ المياه متقدّماً بعكس النيّار كسفينةٍ تدفعها رياح شديدة. ثمّ غاص في دوّامة ماء وسقط على قصر الأفاعي، فارتطم بأطباق بوذا سبقوه، واصطفّ بجانبهم. وسمع مارا ملك الأفاعي صوت الارتطام فصاح:

    - ماذا؟ بالأمس عاش بوذا وها إنّ آخر قد ولِدّ ؟!

    وتربّع سيذهارتا على مقعدٍ من القش ووجهه نحو الشرق، واتّخذ وضعيّة اللوتس وقال:

    - حتّى وإن جفّ جلدي، حتّى وإن شُلّت يداي، حتّى وإن تفتّتت عظامي، لن أتحرّك عن هذا المقعد طالما لم أبلغ المعرفة. ودلّى ذراعه اليمنى فلمست راحته الأرض لتكون له شاهداً. وعلم مارا، إله الملذّات وزعيم عالم السمسرة، بما فعله سيذهارتا، فخاف واضطرب اضطراباً شديداً لأنّه لا يريد أن يفلت أيّ حيّ من شريعة الموت والولادة. فجعل يجرّب الرجل الجالس على التبن تحت الشجرة ليمنعه من اكتشاف طريق الخلاص. فأحاط المتأمّل بظلامٍ دامسٍ، ثمّ أمطر عليه حجارة وجمر ورمادٍ وطين، حتّى إنّ الآلهة هربت هلعاً. لكنّ سيذهارتا ظلّ ثابتاً والأرض تشهد له. وعندما انهزم مارا، تهلّلت الآلهة وصاحت: "لقد انهزم مارا، وانتصر الأمير سيذهارتا، فلنحتفل بالنصر". وعانقت الأفاعي الأفاعي، والعصافير العصافير، والآلهة الآلهة، وفاح عبير الورود حول العظيم الجالس على عرش الحكمة.

    وأدرك الساهر المتأمّل في ليلته الأولى جميع حيواته السابقة، وفهم سرّ السمسرة (الولادة المتكرّرة)، فتحرّر منها وأصبح بوذا. وفي الليلة التالية، فهم حالة العالم الحاضرة. وقبل أن ينهي الفجر ليلته الثالثة، عرف تسلسل الأسباب والنتائج فقال:

    - ما أتعس هذا العالم! إنّه يشيخ ويموت ثمّ يولد ثانيةً ليشيخ ويموت أيضاً إلى ما لا نهاية ... أليس سبب الشيخوخة والموت هو الولادة والرغبة في الولادة؟ إذا قتلنا الرغبة الّتي تقود الكائن من ولادةٍ إلى ولادة، نعيق الولادات الأخرى والآلام الأخرى. وما من وسيلة تقتل هذه الرغبة غير الحياة النقيّة.

    بعد أن أصبح سيذهارتا بوذا، تساءل هل يعلن ما اكتشفه للناس؟ ألن يسيئون فهمه؟ لو ظلّ صامتاً، لأصبح براتييكا بوذا (اليقظ من أجل نفسه) مثل كثيرين سبقوه. لكنّ الإله براهما تدخّل ورجاه أن ينشر تعاليمه. ففكّر البوذا بالقريبين من الحقيقة ولا يحتاجون إلاّ إلى عونٍ يسير لبلوغها، وشعر بالأرض الّتي يمسّها، وتذكّر صعوبات حيواته الماضية، وقارن بين السلام الأبديّ في الخلاص (نيرفانا) وحبّه للبشر، وقرّر أن يكون بوذا خلاص الناس. فصرخ:

    - ليُفتح باب الأبديّة، ومَن له أذنان للسماع فليسمع الكلمة ويؤمن. لقد انشغلتُ بآلامي أيّها البراهما فلم أكشف حتّى الآن الحقيقة للناس.
    انطلق بوذا يبحث عن رفاقه الخمسة، فهم أقرب الناس إلى الحقيقة. ووصل إلى بنارِس، فوجدهم مجتمعين في حديقة الغزلان. فسخروا منه حين رأوه، لكنّهم سرعان ما لاحظوا نوراً يشعّ منه فسجدوا له قبل أن يخبرهم أنّه أصبح بوذا. فألقى عليهم خطبته الشهيرة الّتي سُمّيَت "عظة بنارِس".

    أنا القدّيس الكامل، البوذا الأعظم. افتحوا آذانكم أيّها الرهبان واسمعوا لي فقد وجِدَ الطريق. أيّها الرهبان. على مَن يعيش حياة روحيّة أن يتجنّب تطرّفَين. فما هما؟ الأوّل هو التعلّق بملذّات الحواس وبكلّ ما هو دنيء سافل أرضيّ رديء. فلهذا التعلّق عواقب وخيمة. والثاني هو التعلّق بكلّ ما هو إماتات وإرهاق. فلهذا التعلّق نتائج وخيمة. أيّها الرهبان. لقد تجنّب البوذا هذين التطرّفين واكتشف الطريق الوسط الّذي يمكّن من الرؤية والمعرفة، ويقود إلى السلام والحكمة واليقظة والنيرفانا. فما هو الطريق الوسط الّذي اكتشفه البوذا، والّذي يقود إلى السلام والحكمة واليقظة والنيرفانا؟ إنّه الطريق الضيّق النبيل. أي الفهم الصائب والفكر الصائب والكلام الصائب والعمل الصائب والسلوك الصائب والجهد الصائب والانتباه الصائب والتركيز الصائب. هذا هو، أيّها الرهبان، الطريق الوسط الّذي اكتشفه البوذا، والّذي يسمح بالرؤية والمعرفة، ويقود إلى السلام والحكمة واليقظة والنيرفانا. هذه هي أيّها الرهبان الحقيقة النبيلة عن الألم (دوهخا) . الولادة ألم، والشيخوخة ألم، والمرض ألم، والموت ألم. الاتّصال بما لا نحب ألم، والانفصال عمّا نحب ألم، وعدم الحصول على ما نرغب به ألم. باختصار، العناصر الخمسة (سكانذا) كلّها ألم . هذه هي، أيّها الرهبان، الحقيقة النبيلة عن سبب الألم. فالرغبة تسبّب الوجود المتتالي والصيرورة المتتالسة. وللرغبة شراهةٌ عنيفة. فهي تجد ملذّاتها تارةً هنا وتارةً هناك، كالتعطّش لملذّات الحواس، والتعطّش إلى الوجود والصيرورة، والتعطّش إلى عدم الوجود. هذه هي، أيّها الرهبان، الحقيقة النبيلة عن زوال الألم. إنّه الزوال الكامل للتعطّش، إهماله، التخلّي عنه، التحرّر منه، التجرّد أمامه. هذه هي، أيّها الرهبان، الحقيقة النبيلة عن الطريق الّذي يقود إلى إيقاف الألم. إنّه الدرب الثماني النبيل، أي الفهم الصالح والفكر الصالح والكلام الصالح والعمل الصالح ووسيلة الحياة الصالحة والجهد الصالح والانتباه الصالح والتركيز الصالح. وبعد أن أنهى بوذا كلامه، رسم بعصاه عجلة الحياة (دهارما فاستانا) حيث المراحل الاثنتيّ عشرة لعدم الخلود. وقال: في هذه العجلة سماء الآلهة والبشر والحيوانات وأحياء الدرَك الأسفل، والشرارات الّتي تحيي كلّ جسد حيّ قبل أن تثبت في المركز إلى الأبد. وهي تنتقل من حلقة إلى أخرى بحسب الأعمال (كارما). تذكّروا هذا جيّداً. لا تغضبوا من ظروف حياتكم الحاضرة لأنّها عقاب عن الماضي. واعلموا أيضاً أنّ قدَرَكم في المستقبل يتعلّق بنقاوة قلوبكم. إنّها شريعة الكارما (الأعمال) الّتي أعلّمها.

    أمضى البوذا خمسين سنة من حياته يعلّم عقيدته، وأسّس جماعةً من الرهبان الرجال أوّلاً ثمّ من النساء. واهتمّ بتعليم أبناء النبلاء (بارهمانا) والمحاربين (كشاتريّا) لأنّهم مثقّفون، وإيمانهم بالسحر والخرافات أقلّ من الطبقات الأخرى. فعاداه الكهنة البراهمانيّون لأنّ عقيدته تنفي دورهم في التوسّط لإيصال الأتمان (الأنا) إلى البراهمان (الطاقة الكونيّة). وهذا من شأنه أن يحرمهم مال التقادم والذبائح. كان البوذا وديعاً يرأف بالمتألّمين. ولم يغضب في حياته إلاّ مرّةً واحدة، حين ادّعى واحد من الرهبان أنّه يفوق البوذا معرفة. فألقى عظةً سمّيت "العظة الناريّة":

    يجب إطفاء نار الحياة الدنيا لأنّ كلّ ما في العالم يلتهب بنار الرغبة ونار الحقد ونار الجهل. الولادة والشيخوخة والموت والهموم والتذمّرات والألم والحزن والحبّ الجسديّ ليست إلاّ ألسنة لهب ... الأشياء الّتي تراها عيناكَ أيّها البراهمان تلتهب. الأشياء الّتي تسمعها أذناكَ تلتهب. وكذلك الأمر بالنسبة إلى حواسّكَ الخمس وحاسّتكَ الداخليّة. ألا تقرف من حواسّكَ وما تثيره فيكَ من أشياء وانطباعات ومشاعر؟ إذا شعرتَ بالقرف، فاعلم أنّكَ نجوتَ من الشهوات وتحرّرتَ. وافهم حينذاك أنّ الحياة انتهت عندكَ، وأنّ القداسة الّتي تتحدّث عنها ستكتمل. وما خلا ذلك فهو وهم يلتهمكَ. وعاد بوذا، ذات يوم، إلى مسقط رأسه نزولاً عند رغبة أبيه العجوز، ورأى خالته الّتي ربّته وزوجته وابنه رؤولا من دون أن يتأثّر. ثمّ قاد السكّان إلى خرائب قصرٍ ملكيّ وشرح لهم عجلة الحياة، ثمّ نظر إلى الجموع وقال: - ها هي القواعد الخمس لحياتكم اليوميّة. كونوا رؤفاء واحترموا الحياة حتّى في أبسط أشكالها. أعطوا وخذوا بحرّيّة، ولا تأخذوا شيئاً بدون استحقاق. لا تكذبوا البتّة، حتّى في المواقف الّتي يبدو الكذب فيها مسموحاّ. تجنّبوا المخدّرات والكحول. احترموا المرأة ولا تقترفوا عملاً جسديّاً غير شرعيّ أو يخالف الطبيعة.

    وبلغ بوذا الثمانين من عمره من دون أن تبدو الشيخوخة عليه. وفي أحد الأيّام، شعر بالحمّى تسري في جسده، وعجزت ساقاه عن حمله، فأدرك أنّ أجَلَه قد حان. فجلس في وضعيّة اللوتس وقال للتلاميذ حوله: - ليس في العوالم المرئيّة وغير المرئيّة إلاّ قدرة واحدة لا بداية لها ولا نهاية. لا شريعة لها إلاّ شريعتها. لا تميّز ولا تحقد. تقتل وتخلّص ولا هدف لها إلاّ تحقيق القدَر. الألم والموت مكّوك مهنتها، والحبّ والحياة ولداها. لا تسعوا إلى قياس ما لا يُقاس بالكلمات، ولا إلى التعمّق في التفكير بما لا يُدرَك. السائل يخطئ والمجيب يخطئ. لا تنتظروا شيئاً من آلهةٍ عديمة الرحمة، تخضع هي أيضاً لشريعة الكارما. تولَد وتشيخ وتموت لتولد ثانية، ولا تستطيع أن تتفادى آلامها. اعتمدوا على ذواتكم، ولا تنسَوا أنّ الإنسان يصنع سجنه بنفسه، وأنّ كلّ واحد يستطيع أن ينال تفوق قوّة الأندرا. وسالت الدموع في عينيّ عناندا، ابن عمّه وتلميذه الّذي رافقه طوال أيّام حياته التبشيريّة. فصوّب المعلّم سبّابته نحوه وقال: - ويحك. أتشعر بالألم على الرغم من كلّ ما علّمتُكَ إيّاه؟ أيصعب كثيراً على الإنسان أن يتخلّى عن جميع آلامه؟ لا تبالغ يا عناندا. فالحياة نزاع طويل، وما هي إلاّ ألم. حين يبكي المولود عند ولادته فهو محق. إنّها الحقيقة الأولى. أمّا الثانية فهي أنّ الرغبة تسبّب الألم. يعشق الإنسان ظلالاً ويتيه بالأحلام. ويغرس في مركز كيانه "أنا" زائفة. ويشيد عالماً خياليّاً حولها. لكنّه يهلك عندما يفارق الحياة، لأنّه ارتوى من شرابٍ سامّ، فيولد ثانيةً مع رغبةٍ شديدة للشرب مرّة أخرى. أمّا ثالث حقيقة فهي إمكانيّة زوال الألم. لا تستطيع أن تبلغها يا عناندا إلاّ إذا تغلّبتَ على جميع أنواع الحبّ فيكَ، ونزعتَ الشهوات نهائيّاً من قلبكَ. عندئذٍ تعيش أسمى من الآلهة. اسمع الحقيقة الرابعة جيّداً، فهي طريق خلاص له ثمانية دروب. إحرص أوّلاً على الكارما الّتي تصنع مصيركَ في المستقبل. لا يكن لديك إلاّ مشاعر خالية من الإهمال والنهم والغضب. احرُس شفتيكَ وكأنّهما باب قصر يسكنه ملك، واحرص على ألاّ يخرج منهما أيّ دنس. وفي آخر الأمر، ليكن كلّ عملٍ من أعمالكَ هجوماً على الخطأ أو مساعدة لمن يستحقّ النمو. هذه هي الدروب الأربعة الأولى. ألا تظنّ أنّه بوسع كلّ إنسانٍ أن يسلكها؟ وحين تتغلّب الكبرياء والإيمان الكاذب والشكّ والحقد والشراهة، وتولد مرّةً أخرى، تستطيع في حياتكَ التالية أن تسلك في الدروب الأربعة الباقية وهي: النقاوة المستقيمة والفكر المستقيم والخلوة المستقيمة والانخطاف المستقيم. فتصبح أهلاً لقهر رغبتكَ في الحياة على الأرض، ورغبتكَ في كسب السماء، وأخطاءكَ خصوصاً الكبرياء، لأنّكَ تقدّمتَ في طريق القداسة. حينئذٍ تكون قريباً جداً من النيرفانا. وشعر البوذا بألمٍ في بطنه، فاستلقى وأشار بيده ليصرف الجمع وقال: -انظروا إلى جسد بوذا. كلّ ما هو مركّب مصيره الخراب ... تابعوا مسيرتكم باعتدال. وانطفأ البوذا.



  2. #2
    في الحياة قصص اخرى
    ~أإنســــآنــهـ~
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: in my Dream
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 6,411 المواضيع: 287
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 5
    التقييم: 780
    مزاجي: تمام
    موبايلي: nokia x2-01
    آخر نشاط: 16/April/2014
    مقالات المدونة: 3
    بوذا ماادراك ما بوذا
    الموضوع طويل والعيون صغيرة
    لكنني قراة مقتطفات منه
    فلك خالص الود والتقدير على الموضوع الجميل

  3. #3
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: البصرة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 27,178 المواضيع: 3,882
    صوتيات: 103 سوالف عراقية: 65
    التقييم: 5826
    مزاجي: هادئة
    أكلتي المفضلة: مسوية رجيم
    موبايلي: Iphon 6 plus
    آخر نشاط: 5/August/2024
    مقالات المدونة: 77
    شرح مفصل عن بوذا
    موضوع هائل اخي وتستحق الشكر والتقييم
    تقبل مروري في متصفحك

  4. #4
    من أهل الدار
    شكرا لمروركم
    واتمنى الفائدة للجميع

  5. #5
    من أهل الدار
    زوزو
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: KUT
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 3,631 المواضيع: 82
    التقييم: 80
    مزاجي: كويس
    المهنة: STUDENT
    أكلتي المفضلة: البيتزا -- المعكرونة
    موبايلي: nokia n 95
    آخر نشاط: 18/August/2016
    موضوع جميل شكرا الك ساليوت على المجهود

  6. #6
    مؤسس
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: كوكب الارض
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,708 المواضيع: 240
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 443
    مزاجي: برتقالي
    المهنة: مهندس زراعي
    أكلتي المفضلة: تنتوني
    موبايلي: سمبيان !!!!
    آخر نشاط: منذ 2 أسابيع
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى Ali Onger
    مقالات المدونة: 109
    و الله يا ساليوت عاشت ايدك اني احب هيج مواضيع حلوة ....تستحق التقدير خوية

  7. #7
    صديق نشيط
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: العراق حاليا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 334 المواضيع: 136
    التقييم: 21
    مزاجي: مبتسم
    موبايلي: I PHONE 4G
    آخر نشاط: 13/April/2014
    الاتصال: إرسال رسالة عبر MSN إلى غيث السعيدي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى غيث السعيدي

    يسلمووووو

  8. #8
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: October-2011
    الدولة: في دفتر ذكرياتي
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 994 المواضيع: 72
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 5
    التقييم: 43
    مزاجي: حزين
    المهنة: nurse
    أكلتي المفضلة: اكل امي
    موبايلي: NOKIA C6
    آخر نشاط: 8/August/2018
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى حمود سطو
    مقالات المدونة: 2
    شكرا جزيلا

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال