كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بكثير من الأعمال التعبُّدية قبل أن ينام، وكأنه يشعر أن فترة النوم هي فترة يتوقَّف فيها العقل عن الذكر والخشوع والعمل لله عز وجل، فيُريد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُعَوِّض هذه الفترة بكثرة العبادة قبل النوم؛ وقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنِ المَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ".
فالنائم بنصِّ الحديث ليس عليه تكليف أو عبادة؛ ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى إلى تحصيل أكبر قدر من الحسنات قبل أن ينام لتكون حصيلته في اليوم كله كبيرة، ومن هذا أنه كان يقرأ بالمسبِّحات قبل أن ينام؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن- عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ المُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَيَقُولُ: "إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ".
والمسبِّحات -كما قال الطيبي- هي كلُّ سُورة افْتُتحت بسُبحان، وسبَّح، ويُسَبِّح؛ وهذا يعني أنه كان يقرأ قبل نومه سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
والآية الأعظم من ألف آية غير معروفة لنا، ولكي تستوثق من نيل أجرها ينبغي قراءة المسبِّحات كلها، وقد ورد في حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورتي الإسراء والزمر قبل أن ينام؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن عَائِشَةُ رضي الله عنها، "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ".
وهذه في الواقع أعمال كثيرة، ولكن لو تذكَّرنا أن الحرف من القرآن بعشر حسنات هان علينا الأمر، فضلاً عن الآية التي تزيد في فضلها عن ألف آية؛ أي ما يقرب من سُدس القرآن، فهذا يدفعنا إلى مزيد من بذل الوقت في هذا العمل الجليل، ومَنْ لم يستطع أن يحافظ على ذلك كل ليلة، فلا ينبغي له أن يحرم نفسه من أداء هذه السُّنَّة ولو مرَّة كل أسبوع.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
د.راغب السرجاني