فوق الرصيف:
خرج ذلك الولد الصغير (علي) حاملا حقيبته التي ملاتها الكتب . حالما بايام منيرة تنتظره . عله يرد بعضا من افضال تلك الوالدة الحنون عليه . التي ما فتئت تودعه راشة خلفه بعضا من ماء كعادة الام العراقية حينما تودع عزيزها . ناثرة وراءه فيض دعواتها الهتانة ليحفظه لها وينميه ويبارك فيه
راح علي يحث الخطى
ظل فكره يترنح بين دقتين . بين دقة جرس الدرس الاول حيث ينتظره موضوع جديد بمادة يحبها كثيرا تاريخ العراق وحضارته
وبين دقات قلبه البريء الذي ينتظر اسئلة استاذه كي يجيب عنها بسرعة البرق منتظرا ثناء الاستاذ على ذلك المجد
يتامل علي كلما قطع حجرا او حجرين من ذلك الرصيف الذي يامل (علي) يوما ان يكون احسن حالا مما هو عليه
يامل ان يكون زاهي الالوان مخضر الجانبين
وتنطلق ذكريات في خلد ذلك الغلام - ذكريات لم يعشها اصلا لكنه تصورها عن سيرة الاباء والاجداد عما طرزته اكف السابقين في رفع عرنين هذا البلد عاليا
وفجأة اختفى (علي) واختفى الامل معه
خنقتني سحابة من الدخان الاسود ممزوجة برعد لم يمطر الا دما . وبريق لم يومض الا اشلاء
ما زلت اتنفس ريح الموت - عطر الدماء - تشبعت رئتاي بروائح ذلك البارود الاسود الذي انهال على جانبي الطريق مختلطا بانهار فياضة لاعهد للفرات ولا دجلة بجريانها - عيناي لا تبصران دمع ودخان - اذناي قد صمتا - صمت وذهول - هل فعلا هنالك صمت؟؟؟!!!
لا بل وجوم خيم على مخيلتي ما قطعه الا صرخات ام علي - بني علي اين انت
لقد نسيت ان اضع بين جيوب حقيبتك متاعا يقويك على ساعات الدرس اين انت يا قرة عيني
هل الارض تهتز من تحتي؟!!
ام ام علي ترقص امامي؟!!
ام ان كياني قد تزلزل فلم اعد ارى الاشياء ثابتة امامي...
شعور ولا شعور يتراودان في داخلي هل انا في حلم ام يقظة؟
ليتني احلم
لكن لا لست بنائم هذه ام علي تتخطى اشلاء زرعت كالورود على جانبي الرصيف
ولا يزال بيدها متاع ولدها الذي لم ياخذه
هل لها ان تتصفح وجوه النومى؟ اعني القتلى ؟
كلا
اذ لا وجوه لهم فقد تناثروا كاوراق الخريف المتساقطة
وفجاة صرخت وا ولداه بتلك اللهجة العراقية الاليمة : ( يما علي)
سيدتي انى عرفتيه وميزتيه؟
فبين حشرجة الالم ولواعج الحزن انبثق منها صوت خافت قطع نياط قلبي قائلة الفارس علامة فارس الصف علقتها على قميصه قبل ان يخرج هذا ولدي وثمرة فؤادي
ما عساها ان تقول وكيف ستصنع؟!
ولولت واعولت
وصرخت وتنهدت لكني لم اعد ارى وجهها الكئيب اذ علاه سحائب الدم صابغة صفحة خدها - انها دماء الشهيد -
بنياه : كم كنت اتامل ان اجد لك قطعة مكتوبة على اروقة هذا الرصيف تحمل اسم عيادتك الطبية
فعاجلني اجلك المخروم ليكتب على ساحة رصيف الحزن اسمك مخطوطا بدمائك بدل المداد
بني علي: كم املت وحلمت ان تحمل رمام نعشي على كتفيك باكيا خلف جنازتي الى رمسي ومثواي الاخير
رجوتك يا علي تعيش بعدي *** لتوسد جثتي رمس اللحود
وتمشي باكيا خلف جنازتي *** كما يبكي الوليد على الفقيد
يا سماء اهطلي بمائين ماء يغسل الدماء المنتثرة على رصيف الموت وماء يغسل درن تلك القلوب العمياء