هل أصبح من الصعب أن تشرق شمس يوم واحد على عالمنا العربي من دون أن نقرأ أو نسمع عن فشل أو انحراف ابن أو ابنة من أبنائنا؟
لقد غابت الرقابة الأسرية بكل أسف، وانشغل الآباء والأمهات بالبحث عن لقمة العيش أو بمضاعفة حساباتهم في البنوك وربما بالقفز إلى أعلى درجة في السلم الوظيفي،
تاركين أبناءهم وبناتهم يواجهون مصائرهم ومصائبهم، في الوقت الذي يكونون فيه أشد احتياجاً لرعاية آبائهم وليس لثرواتهم، فما أكثر المآسي التي تحدث كل يوم نتيجة غياب رقابة الأهل على الأبناء، ومعظم الآباء لا يفيقون إلا بكارثة تصيب فلذات أكبادهم.
تعاطي الهيروين
أخذت التجارة كل وقت التاجر صفوت "من القاهرة" الذي انشغل عن أسرته تماماً حتى فوجئ بمن يبلغه بسقوط ابنه الوحيد المدلل "تامر" في يد الشرطة متلبساً بتعاطي الهيروين، وقتها تمنى صفوت لو أخذوا كل ثروته ومنحوا ابنه الحرية، ولكن هيهات، فها هو الشاب البالغ من العمر 22 عاماً يعيش الآن في السجن ليقضي أجمل 3 سنوات من عمره خلف القضبان.
زواج عرفي
أما الطبيب البشري مراد الذي يعمل في إحدى دول الخليج فلم يكن أسعد حظاً من التاجر السابق بل كان أتعس منه، بعدما ألقي القبض على ابنته الجامعية بصحبة شاب في إحدى الشقق المفروشة وتبين أنهما متزوجان عرفياً ويبدو أن قلب الأب لم يحتمل الصدمة فأصيب بجلطة أنهت حياته بشكل مأسوي!
آلة المال
حكاية أخرى لأحمد مجدي "مدرس الرياضيات" الذي يقضي جل وقته في الدروس الخصوصية، أحياناً ينام في سيارته بسبب ضيق الوقت، لا يرى أولاده إلا صدفة، لا يهمه إلا مراقبة حركة أرصدته في البنوك، تاركاً مسؤولية ابنيه لزوجته،
ولما صار الحمل ثقيلاً على الأم صرخت بأعلى صوتها طالبة نظرة رعاية من الأب الذي تحول إلى آلة لجمع الأموال ونسي دوره الأبوي، الأم اكتشفت أن أحد أبنائها تم فصله من مدرسته لتغيبه المستمر وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل سقط الولد في بئر الإدمان.
إدمان المخدرات
ونختم بهذه الفتاة التي شبت في بيت مفكك لأبوين منفصلين، كان كلاهما تزوج من جديد وعاش لنفسه فقط، أما هي فقد عاشت حياة مضطربة غير مستقرة تقضي بعض الوقت في بيت أبيها، وعندما تشعر بالضيق تذهب إلى بيت أمها، وفي الحالتين لا تجد من يلقي بالاً بها، ومن ثم وجدت الجو مهيئاً للانحراف،
فتركت دراستها الجامعية وتعرفت على شاب سيئ الخلق أقامت معه علاقة غير مشروعة وأدمنت المخدرات، وتحولت إلى الاتجار في جسدها حتى لو كان المقابل "شمة" هيروين، حتى ألقت الشرطة القبض عليها مع عشيقها وبحوزتهما كمية من المخدرات وتجري محاكمتها الآن،
والحقيقة لا نعرف إن كانت هذه الفتاة مجرمة أم ضحية مجني عليها؟ لا نعرف إن كان من الأحرى محاكمة والديها اللذين كانا سبب انحرافها وسقوطها في مستنقع الدعارة والإدمان!
انعدام المراقبة
وقبل أن نعرف رأى علم الاجتماع في هذه القضية المهمة تعالوا نتعرف على أرقام أحدث دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول النتائج السلبية لغياب رقابة الأهل وانشغالهم عن أبنائهم، فقد ذكرت الدراسة أن 40 في المئة من الآباء والأمهات في مصر لا يراقبون أبناءهم المراقبة المطلوبة سواء داخل البيت أو خارجه، وأن 13 في المئة من جرائم إدمان المخدرات وقع فيها شبان وشابات تحت العشرين بسبب غياب رقابة الوالدين، وأن أكثر من 50 في المئة من الطلاب والطالبات الفاشلين رسبوا بسبب انشغال الآباء عن متابعتهم والاكتفاء بمنحهم الأموال فقط !
الدكتور رشاد عبداللطيف خبير علم الاجتماع والأستاذ بجامعة حلوان يقول: "لا شك أن كل شاب وشابة عرضة للانحراف إذا ما توافرت العوامل المشجعة لذلك، ولأن أبناء اليوم ينعمون بحرية أكبر، بدون أي رقابة، فإنهم يصبحون فريسة سهلة للانحراف"،
مضيفاً: "يجب أن درك الآباء والأمهات مدى المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه أبنائهم، فليس بالمال وحده نربي أبناءنا، بل لابد أن نرعاهم، ونتابعهم ونراقبهم خاصة في سن المراهقة التي يكونون فيها أكثر احتياجاً لحضن الأسرة،
لماذا لا يخصص الأب يوماً لعائلته يستمع لهم ويتحدث إليهم ليتعرف على مشكلاتهم؟ بدلاً من أن يترك هذه المهمة الصعبة كاملة لزوجته"،
ولفت إلى أن الرقابة الأسرية على تصرفات وسلوكيات أبنائنا لابد أن تكون معتدلة، فلا نبالغ فيها، ولا نهملها حتى لا نعاني من مشكلات المبالغة أو الإهمال، لهذا أقول للأهل المنشغلين عن أبنائهم وبناتهم، نحتاج إلى يقظتكم أكثر من غفلتكم.
نحتاج على حنانكم أكثر من نقودكم، مارسوا الرقابة المعتدلة ولا تنسوا حديث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".
وأنهى دكتور رشاد كلامه قائلاً: "هذه مسؤولية الأسرة بشكل أساسي ومعها في ذلك المجتمع، وعليه فإنه يجب علينا كمجتمع وكمؤسسات تحمل النتائج إذا لم نقم بدورنا في التوعية والتثقيف من جهة وفي احتواء الحالات التي تقع فريسة الانحراف".
تقرير روتانا