روائي مصري يوثق بدايات ظاهرة الشيخ إمام وفؤاد نجم
بجوار أعمال فنان الشعب سيد درويش، فقد احتلت أغاني الشيخ إمام عيسى التي كتبها شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، مكانا بارزا في المشهد المصري، إذ إنها كانت تدفئ سماء ميدان التحرير في برد شتاء 2011، طوال 18 يوما انتهت بتنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وأغرت ظاهرة “إمام – نجم” الروائي المصري عبده جبير، بتوثيقها في كتاب “النغم الشارد.. المعركة حول ظاهرة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وآخرين”، وهو كتاب توثيقي لا يقل إعداده أهمية عن كتابة رواية أدبية، وفقا للروائي جبير.
ويعتقد جبير أن “الظاهرة” جديرة بالتسجيل ليعرف الجيل الجديد كيف كانت البدايات التي أسهمت في نجاح هذا الثنائي، وكيف أن البعض حاولوا القضاء على “الظاهرة المقلقة”، بحجة أن الظروف لا تسمح “بترف انتقاد” نظام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بعد حرب حزيران/ يونيو 1967.
وقال جبير على هامش احتفال في جناح “دار آفاق للنشر والتوزيع” في معرض القاهرة الدولي للكتاب بمناسبة صدور الكتاب، إن “القدر” حفظ إحدى مخطوطات الكتاب بعد ضياع النسخ الأخرى ونحو 90 ساعة تسجيل لـ”نجم وإمام”، عندما اقتحمت قوات الشرطة بيته عام 1979، واستولت على نسخة أخرى من مخطوطة الكتاب ومواد تصلح لأن تكون فصولا أخرى من سيرة “ظاهرة إمام ونجم”.
وأضاف أن بدايات نجم (1929- 2003) في الكتابة كانت “ساذجة” حين كان فتى في ملجأ خيري، في محافظة الشرقية بعد وفاة أبيه، ولكن لقاءه بالشيخ إمام (1918- 1995) عام 1962 “غير مسار حياتهما معا… أصبحا رمزا لفن الغناء الثوري.. والتعبير عن وجدان رجل الشارع”.
ومن كلمات نجم الملقب بـ”شاعر تكدير السلم العام”، غنى الشيخ إمام قصائد، منها: “يا فلسطينية”، و”شيد قصورك”، و”يعيش أهل بلدي”، و”جيفارا مات”، و”بقرة حاحا”، و”مصر يا امه يا بهية” التي تضمنها فيلم “العصفور” ليوسف شاهين عام 1972، و”شرفت يا نيكسون بابا” بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون لمصر عام 1974.
وسجل جبير أن “أول قصيدة لنجم نشرت عام 1954 في جريدة الأخبار عن طريق عبد الحليم حافظ”، ثم كان ديوانه “صور من السجن والحياة” هو “أول عمل تتلمس في قصائده ميوله السياسية وتطوره الذي أخذ في النضج” في السنوات التالية.
وفي مذكرات نجم بعنوان “الفاجومي” -وهي كلمة عامية تعني الإنسان الصريح الذي لا يعجبه شيء- أنه قبض عليه عام 1960 بتهمة الاشتراك مع زميل له في تزوير أوراق رسمية، وحكم عليه بالسجن الذي تعرف فيه على معتقلين شيوعيين، كما أنه تعرف على قصائد الشاعر فؤاد حداد الذي كان معتقلا منذ عام 1959.
وقال جبير إن ديوان “صور من السجن والحياة” الذي كتبه نجم متأثرا بصحبة مثقفي اليسار في السجن أثار “على بساطته.. معركة حامية” بعد أن أرسله نجم من السجن إلى مسابقة في المجلس الأعلى للفنون والآداب، وانقسمت بشأنه آراء لجنة الشعر، إذ إن عباس محمود العقاد رفضه، وتحمس له بيرم التونسي وسهير القلماوي ومحمد فريد أبو حديد، وحصل الديوان على الجائزة. وأوصت اللجنة بطبعه على نفقة المجلس، كما أنها أوصت برعاية الشاعر الذي عين في منظمة التضامن الأفروآسيوي.
وأضاف أن أول تعارف لـ نجم بالشيخ الضرير، كان حين استمع منه إلى بعض التواشيح وألحان سيد درويش وزكريا أحمد “وأصيب نجم بما يشبه اللوثة… رأى أنه فنان عبقري”، وقرر أن يقيم معه في بيت متواضع يملكه صديقهما المشترك محمد علي عازف الإيقاع، بالقرب من الجامع الأزهر. وكان أول تعاون بينهما أغنية “أنا أتوب عن حبك أنا”.
وقال إنه حتى عام 1968، لم تكن الأغاني ذات عائد على المغني أو الشاعر، لأنهما اتفقا منذ البداية على أن يكون لهما دور انتقادي “وعدم المتاجرة بالكلمة التي نقولها واللحن الذي نغنيه”. ويرى أن هذا الهدف “النبيل” أوقعهما في متاعب مادية، واصفا تضييق الخناق على “الظاهرة” بأنه كان “حرب تجويع”.. إلى أن نظمت لهما مجلة “الكواكب” برئاسة تحرير الناقد رجاء النقاش، حفلا في نقابة الصحفيين في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1968.
وقال إن هذا الحفل الذي كان “أول لقاء لهما مع الجمهور العريض في مكان عام” بعدما كانت الأغاني تسجل في بيوت الأصدقاء في جلسات محدودة وتتناقلها الأيدي، مضيفا أن هذا الحفل نقل هذا الثنائي “إلى حيز الوجود كحقيقة لا يمكن تجاهلها. حقيقة تقف في قلب الحركة الشعبية الناهضة وفي قلب الحركة الفنية الجادة”.
وسجل بعضا من ردود الفعل عقب الحفل، ومنها وصف الكاتب والمخرج عبد الرحمن الخميسي لألحان الشيخ إمام بالعذوبة، وقول كامل زهيري نقيب الصحفيين الأسبق إن فيها “قسوة وفكاهة وروحا مصرية ذكية. إنها أقرب إلى ألحان الشعب… (وكلمات نجم) صريحة وقاسية ومليئة بالمفارقات وطازجة وهذا ما نحتاجه…”.
وقال إن هذا الحفل فتح الطريق أمامهما إلى الإذاعة، حيث إن محمد عروق مدير إذاعة صوت العرب أدرك أنه “أمام ظاهرة فنية جديدة… فرصة صحية وعريضة لفنان جديد قضى سنوات طويلة من عمره يلحن ويلحن دون أن يعرف عنه أحد شيئا سوى أصدقائه المقربين إليه”.
ولكنه رصد مقالا نشرته صحيفة الأهرام آنذاك يصف ألحان الشيخ إمام بأنها “تقليدية عادية… لا يتمتع بقدرات موسيقية فطرية أو ثقافة موسيقية علمية مكتسبة”، وهو رأي أثار ضائقة أستاذ الفلسفة حسن حنفي، فكتب ردا في مجلة “الكواكب” اعتبر فيه أن “عبقرية الشيخ إمام.. بساطة اللحن وطبيعته وصدقه… ألحان شعبية أصيلة”.
وسجل جبير أن إمام، غنى لنحو 35 شاعرا، منهم بيرم التونسي واليمني عبد الله البردوني والفلسطينيون سميح القاسم وتوفيق زياد وتيسير الخطيب وفدوى طوقان، ومن المصريين فؤاد حداد ونجيب سرور وزين العابدين فؤاد ونجيب شهاب الدين.
ولم يكمل جبير مسار ظاهرة “إمام – نجم” في عصر الرئيس الأسبق أنور السادات، وقال إن القبض عليه في صف 1979 “بتهمة الشيوعية” بدد الأوراق والوثائق و90 ساعة تسجيل لـ نجم وإمام، ولولا النسخة التي كان أعطاها إلى المخرج السينمائي المصري مجدي أحمد علي، لضاع هذا الكتاب.