أخبرني صديقي بأن استبدلكِ بزجاجةِ نبيذٍ معتق حين رحيلك، كان يعتقد انكن بنفس النكهةِ والطعم، وأنكن تُسكِرن مسائاتي المترنحةِ ووردي المخملي المبعثر في طريق السؤال .
كان صديقي يعشق جمع الزجاجات الفارغة، حاول عبثاً بانتظار ان تفرغ منكِ زجاجاتي .
-2-
بكت كثيراً، بكت وهي تبتسم لأنها تعتقد بانتصارها العظيم على نفسها، حين أخبرته بأنها تحبه، وأنها راحلة.
في محطة الانتظار، كل الرحلات متجهة اليه، حمَلت حقيبتها وسارت في الاتجاه المعاكس.
-3-
التحفت الغرور فوق الوجع، كسرت زجاجة عِطرها ونثرت هداياه على الأرض، حضنت صدرها بين يديها بشهيقٍ قاتل، نظرت الى قدميها، ابتسمت حين أخبرها يوماً أن حذائها الكلاسيكي مغرٍ جداً.
-4-
الصمت خيانة، لم تكن تعي ذلك، ولم تكن تعلم بأنه من الذكاء يعلم كل شيء، وأن النهايات نصنعها نحن، وأن نهايتها صنعتها هي، كانت الخيارات متأخرة ، لكن التضحيات حاضرة فالحبر لا يمسي حبراً إن لم نطعنه بالورق، والورق يبقى سخيفاً إن لم نجرحه بالكلمات.
-5-
رسمها لوحةً بقلم اشتياق، وعلى كل خطٍ في ملامحها أمل، وفي كل نظرةٍ الى عينيها حنين، وفي كل همسةٍ على شفتيها ابتسامة، انتهت اللوحة، غادرت مسرعة ، ترك اقلامه على صدر لوحته وانطلق في وجه الغياب .
-6-
لا رغبة لي بالحزن ذاك المساء ، اتجهتُ مسرعاً حيث نافذتها المطلة على عبوري المتأخر، جلستُ بانتظار عابرةٍ كانت هنا في الركن الأيسر من صدري، لا رغبة لي بالحزن فما زلتُ أنتظر أن تعبُرَ مرةً أخرى.
-7-
أخشى أني على قيد الموت، قد تساوى الفرح والحزن، البعد والاشتياق، الغياب والحضور، الحقيقة والكذب، الأمل والاستسلام، البكاء والضحك، الخيانة والوفاء، العشق والكراهية ، أنا وأنتِ.
احتاج الى بعثٍ جديد، أو موتٍ أكيد.
-8-
المساء المتأخر في حانة فرحٍ تنكرت له بردائها العاري المغري، جلست بين الحضور في زاوية القلق والانتظار، هي تعلم أنه لن يأتي أبداً، قد ترك هنا ذكريات عاشقٍ حين راقصها الفالس.
في المساء المتأخر جداً عادت غرفتها، خلعت كل شيء إلا رائحة عطره .
-9-
هو، النهايات دائماً غير متوقعة، كان يعلم ذلك .
هي، كانت ميتة في عالم الأحياء، ظنَت أنها قادرة على أن تتنفس الحُلم في روايةٍ بطلها هو.
هو، حاول مِراراً كتابة الفصل الأخير، لكنه في نهاية الرواية يخطئ التفاصيل.
هي، أغلقت جميع النوافذ إلاّ الى الله، اكتفت بدعاءٍ وصمت.
هو، لم يكمل الرواية بعد.
-10-
في زاوية الوقت التي نهملها دائماً تركت هناك ذاكرتي، كان قراري بالرحيل صائباً بل قراري بالموت سليماً، فلا مكان هناك للأمنيات في عالمٍ قذر.
في زاوية الوقت التي نهملها دائماً تركت ردائها المخملي، هي لم تعد أنثى معتقة بالعطِر والورد، قد أمست سلعةً للبيع، جاهزة للموت بلا أحلامٍ في عالمٍ قذِر.