الفضاء: ماذا يحمل لنا المستقبل بعد عام 2020؟
كيف ستبدو طموحاتنا الفضائية بالفعل بعد عقد من الآن؟ الصحفي العلمي ريتشارد هولينغهام يستطلع رأي عدد من الخبراء في هذا الشأن.
لم يكن الفضاء مثيراً إلى هذا الحد الذي نراه الآن منذ ستينيات القرن الماضي. فقد أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" مؤخراً مركبتها الفضائية "أورايون" القادرة على حمل رواد فضاء، وذلك منذ انتهاء برنامجها السابق "سبيس شاتل".
وتطور ناسا حاليا صاروخا عملاقا لينافس "زحل 5" الذي أطلقته أوروبا وأنزلت عن طريقه مسباراً فضائياً على سطح مذنّب يبعد عنّا 510 مليون كيلومتر. أما الصين فتطور أيضاً محطتها الفضائية التالية.
في هذه الأثناء، تقوم الشركات الخاصة بتغيير اقتصاديات الفضاء وذلك بالمضي قدماً في خططها لإرسال رحلات بشرية إلى الفضاء، ورحلات سياحة أيضا، وحتى إرسال بعثات إلى كوكب المريخ.
كما ستشهد السنوات القليلة القادمة اللمسات النهائية لبناء تلسكوب "جيمس ويبّ الفضائي" – وهو محطة رصد فضائية بمساحة ملعب للتنس.
وفي العقد الذي يبدأ بعام 2020، هل يمكننا أن نتطلع إلى عصر فضائي مبهر يشهد إنشاء قواعد على سطح القمر، ومستوطنات مريخية، ومزيد من الاكتشافات الكونية الاستثنائية؟
في محاولة لمعرفة ذلك، استطلعنا آراء مجموعة من الخبراء حول توقعاتهم لما بعد عام 2020. وخبراؤنا هم:
سكوت بَيس: مدير معهد السياسة الفضائية بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
ديفيد بيكر: مهندس سابق في وكالة "ناسا" الأمريكية، ومؤلف ومحرر في مجلة "سبيس فلايت" (أو رحلات الفضاء).
مونيكا غرادي: أستاذة علوم الفضاء والكواكب في "الجامعة المفتوحة" في بريطانيا.
كما تتوقعون، هناك شكوك عديدة فيما يخص الفضاء في السنين القادمة، وليس أقلّها تأثير السياسات المحلية والدولية. كما لا يتفق خبراؤنا فيما بينهم حول هذه التوقعات على الدوام. ونعرض أدناه ستة توقعات لهؤلاء الخبراء بشأن مستقبل الفضاء:
1- سيعاود البشر الهبوط على سطح القمر
ديفيد بيكر: يبعد القمر عنا بمسافة تبلغ رحلة مدتها ثلاثة أيام فقط، ويتطلب إرسال رواد فضاء إليه قدرات إضافية قليلة، ليمكثوا فترات قصيرة نسبياً. حددت الصين أن هدفها هو إيصال رواد فضائها إلى سطحه.
مونيكا غرادي: أتصوّر إقامة شبه دائمة على سطح القمر. ليس هذا استيطاناً، بل استخدام القمر كمنصة لإطلاق المركبات إلى المريخ – أي يصبح القمر قاعدة فضائية لاستكشاف المجموعة الشمسية في المستقبل.
سكوت بَيس: لا تكمن مشكلة السياسة الفضائية الحالية للولايات المتحدة الأمريكية فقط في نبذ فكرة الرحلات القمرية كخطوة تالية، واستبدالها بمسارٍ غامضٍ نوعا ما إلى المريخ والمذنبات. بل تتركها لشركائنا الدوليين.
كان لدينا شركاء محتملون، وقد إنصبّ اهتمامهم على القمر. ينبغي أن يكون القمر على جدول الأعمال لأنه مشروط بمنافع واهتمامات اقتصادية وتقنية وجيو-سياسية للولايات المتحدة الأمريكية وشركائنا الكبار.
2- لم يحن الوقت بعد للمريخ
مونيكا غرادي: المريخ هدفٌ للاستكشافات البشرية. رغم ذلك، فحالما تصل هناك وتثبّت علماً على سطحه، ما الذي سيحدث! أنا لست واثقة تماماً. هناك نقاشات تدور لجعل المريخ موطناً محمياً، على شاكلة المحميات الطبيعية على كوكبنا الأرضي.
سكوت بَيس: عندما قلنا إننا ذاهبون إلى المريخ، قالت العديد من وكالات الفضاء الصديقة أن هذا "أمر جيد، لكنه أكثر بكثير من قدراتنا". ومن الناحية الاستراتيجية، لقد اخترنا اتجاهاً أهمل أهم الأمور حسماً في عالم اليوم، ألا وهو الشراكة الدولية.
ديفيد بيكر: علينا أن ندرك أمراً هنا، وهو ارتباط "ناسا" بسياسات البيت الابيض. إن النظرة التي تقدمها "ناسا" للعالم تختلف كثيراً عن قدرات الوكالة.
باستطاعة مركبة الفضاء الجديدة "أورايون" أن تعمل ذاتياً لثلاثة أسابيع في الفضاء. هذه المركبة غير قادرة على توفير رحلة مأهولة نحو المريخ. الذهاب إلى المريخ محفوف بالمخاطر، ويعد عملية شاقة وسابقة لأوانها.
3- ستصبح الصين والهند من الدول الفضائية العظمى
ديفيد بيكر: بدأنا نشهد سباقاً نحو الفضاء بين الهند والصين. أعتقد أن ذلك سيسبب لهما إرهاقا خلال السنين القليلة القادمة.
سكوت بَيس: لا أعتقد حقاً أن هناك سباقا بهذا المعنى للكلمة. إن الفضاء بالنسبة للصين وسيلة لغرس الاعتزاز الوطني في الأنفس، ولدعم الحزب الشيوعي. وهو وسيلة لتحسين الجودة الصناعية، واستهواء جيل الشباب لمجالات العلوم والتكنولوجيا.
ديفيد بيكر: نحن في الغرب نقرر سياسة فضائية جديدة مع قدوم كل رئيس جديد أو حكومة جديدة. وفي هذا ضياع عام للاستمرارية، وإهدار كبير للوقت والمال. للصين أفضلية في هذا المجال، فلديها نظام سياسي غير ديمقراطي يمكنه وضع خطة لعدة سنوات مستقبلية وأن يراها تحققت وأُنجزت.
4- مستقبل المحطة الفضائية العالمية يكتنفه الغموض
سكوت بَيس: تعهد الأمريكيون بالبقاء هناك حتى عام 2024. تكمن المشكلة فيما إذا ظل شركاؤنا هناك حتى ذلك الوقت. يعتمد ذلك على العلاقات المستقبلية مع روسيا.
إذ ترتبط الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بالمحطة الفضائية العالمية بقوة، وهي علاقة عميقة وذات منافع متبادلة. وتُبذل جهود مكثفة لعزل تلك العلاقة عن المشاكل الأخرى التي تعترض علاقاتنا ببعضها البعض.
ديفيد بيكر: لا يستطيع الروس أن يستمروا في تشغيل المحطة الفضائية العالمية بمفردهم، لأنها ليست ملكهم. أظن أنها سوف تُخرج من مسارها. عندما نصل إلى حدود عام 2020، سيكون قد مرّ أكثر من 20 عاماً على إطلاق العناصر الأولية للمحطة.
سكوت بَيس: يعتمد مستقبل المحطة الفضائية على مستقبل العلاقات الدولية. وإذا لم يكن أمامنا مسار واضح عما سنقوم به كخطوة تالية بعد المحطة الفضائية، فالرد الحقيقي سيكون فقدانها. من المؤكد أن الرحلات الفضائية المأهولة بالبشر ستستمر، إلا أن الغرب لن يقود تلك العملية.
ديفيد بيكر: نشهد عدداً مهماً من المخاوف حول استمرار هذه المحطة. خلال السنة الماضية، رأينا زيادة في عدد ساعات الصيانة.
سكوت بَيس: في أواسط عقد 2020، سنرى المحطة الفضائية الصينية وهي تدور في فلكها. أما أوروبا فهي تتحاور مع الصين لكي ترسل رواد فضائها على متن مركباتهم الفضائية.
5- يمكن للشركات والمشاريع الخاصة أن تطغى على وكالات الفضاء الدولية
ديفيد بيكر: أظن أننا سنرى شركة "إكس سي أو آر" و "فيرجن غالاكتك" وهما يسيّران رحلات فضائية مأهولة. سيكون من بينهم أولئك الذين يقومون بذلك للمتعة فقط، ولكني أعتقد أن ما يبشّر بالخير حقاً هو إرسال علماء، وإجراء تجارب على متن رحلات ذات مسار دون مداري.
مونيكا غرادي: سيكون أوائل المسافرين من بين أصحاب الثروة الضخمة أو المهووسين بالتكنولوجيا (أو من يجمع الصفتين). للتذكير فقط، يعد الأثرياء جدا هم أول من قاد أولى الطائرات.
عندما إزداد عدد خطوط الطيران، نسينا أن أكثرها– مثل الخطوط الجوية البريطانية- كانت مملوكة للدولة. سيتكرر نفس الشيء بالنسبة للرحلات الصاروخية إلى القمر. حالياً، تقوم بذلك وكالات الفضاء، لكن في نهاية المطاف ستقوم بذلك شركات خاصة مثل "سبيس-إكس"، و"فيرجن غالاكتك" أو من سيخلفهما.
سكوت بَيس: إن نقص الخطط الحكومية (الأمريكية) المستقبلية لما بعد المحطة الفضائية الدولية أمر خطير جداً بالنسبة لقطاع التجارة الفضائية الناشئة.
إذا ألقيت نظرة على تطور قدرات شركتي "سبيس-إكس" و "أوربيتال" فستجد أن مليارات الدولارات من تمويل وكالة "ناسا" قد صُرفت لتلبية احتياجاتها.
ديفيد بيكر: لا يتحقق المستقبل برؤى حالمة عظيمة من عهد فون برون، بل عن طريق التماسك الصلب لشركات خاصة تنتزعها بعيداً عن الحكومات. عندها، أعتقد أننا سنحصل على أداء أفضل.
6- سيمضي البشر قُدُماً وبشجاعة
سكوت بَيس: إن تعريف ماذا يعني أن تكون إنسانا يتضمن الجواب عن أسئلة مثل: "أين يمكننا أن نذهب؟ ماذا يمكننا أن نرى؟ ماذا يمكن أن نتعلم ونجلب معنا؟" وباستخدام أنظمة الروبوت الحديثة، نريد أن نصل إلى أكثر الأماكن التي باستطاعتنا أن نصل إليها. وعلينا القيام بذلك.
مونيكا غرادي: لا شك أن أنظمة الروبوت ستكون قادرة على القيام بكل ما يمكن للإنسان أن يقوم به. لن تكون هناك حاجة، سواء لغايات علمية أو تقنية، لإرسال البشر إلى الفضاء. رغم ذلك، هناك الفضول، والطموح والإلهام. سيظل الناس يرغبون في الوصول إلى الفضاء بعد أن توضح لنا أجهزة الروبوت كيفية القيام بذلك.
ديفيد بيكر: مع كل هذه المشاريع الضخمة – وأنا أود أن أراها تتحقق، لا أعتقد أن مستقبل الفضاء سيتكشف بهذا الشكل. سيتجه الأمر فيما يتعلق بالفضاء نحو متطلبات السوق، ومتطلبات الناس أيضا. نحن نشهد تطبيق الديمقراطية على برامج الفضاء أيضا.
مونيكا غرادي: نحن نشهد المنافع التقنية التي تحدثها برامج الفضاء. هناك وظائف تُملأ. وعلى سبيل المثال، تعد الصناعات الفضائية البريطانية واحدة من أكبر مصادر الدخل للحكومة. أنا متفائلة لأنني لا أعتقد تغير القيمة والمعنى الملهم لاستكشاف الفضاء.
المصدر
http://www.bbc.co.uk/arabic/sciencea...0_what_is_next