العمارة الطينية
يأتي التركيز المتزايد على ابراز ملامح وهوية العمارة الوطنية والمحلية في العالم كرد فعل عفوي على العمارة المتعددة الجنسيات والطراز العالمي للعمارة والحركة المعمارية الحديثة، وهو يساعد في الوقت نفسه على الوقوف بوجه الأنظمة التخطيطية والعمرانية الحديثة والانماط السكنية المستوردة التي تحتاج الى مفهوم واضح حول البيئة العمرانية وما يرتبط بها.
فقد أغفلت هذه الافكار والأنماط المعمارية أهمية الجوانب البيئية والاجتماعية وابتعدت عن التعبير المحلي والانساني.
كما ويتجلى رد الفعل هذا من خلال انتشار استخدام الرموز والأشكال الدلالية التي ترتبط بذاكرة الشعوب عن عماراتهم الوطنية والمحلية والطابع المعماري المألوف بالنسبة اليهم ,فبدأ موضوع العمارة الطينية وتطويرها يلقى الاهتمام المتزايد.
لمحة تاريخية:
منذ عشرة آلاف سنة استخدم الانسان التراب والطين فى بناء مساكنه ومعابده وقصوره ، فمعظم سور الصين العظيم شيد من الطين والتراب الخام، وتطورت هذه المادة في القرن السابع قبل الميلاد على يد الآشوريين فاستخدمت ببناء برج بابل بارتفاع يصل الى ( 90 متراً) الذي كان أول ناطحة سحاب بناها الانسان, و انتشر استعمال الطين في العديد من الحضارات: كبلاد الرافدين ووادي النيل والحضارة الاسلامية والرومانية والهندية وحضارة الهنود الحمر والمكسيك.
ونلاحظ استمرار العمارة الطينية في اليمن والتي تميزت عماراتها بالارتفاعات الشاقولية لعدة طوابق، و الكثير من المنازل الريفية والمحطات والمدارس ودور البلديات في انكلترا وألمانيا كانت مبنية من الطين. كما نلاحظ ان ثلث سكان العالم يعيشون بمنازل من الطين.
اما الان، فان جميع المحاولات المعمارية تحاول ألا تهمل التوازن بين «انسان - جماعة» وبين «انسان - بيئة» .
لذلك نحن بحاجة الى الكثير من الجهد والعمل لاقناع افراد المجتمعات الفقيرة باعادة النظر في التراث وفى العمارة الطينية لايجاد حلول للكثير من المشكلات التي يعانونها..
يقول المعمار جان دويتر: «إن الدافع الرئيسي لاقامة معرض المعمار الطيني لم يأت بسبب نزوة حنين عاطفي الى الماضي بل بسبب ما نعانيه من أزمة في الطاقة وارتفاع تكاليفها». فالهدف من العمارة الطينية هو الاستفادة من العمارة التقليدية ومساعدة الانسان ليعود لمحيطه الطبيعي.
اللِبن:
له عدة قياسات وسماكات, ولكن اعدت له قياسان خاصة لتثبيت العقود والقبوات و ذلك بجعل احد الجانبين بطول 8 سم مثلا والاخر 10 سم لتشكيل العقد مع فواصل نظامية.
يتم تحضيره بخلط الطين بالقش او التبن باحدى الطريقتين:
1-صب الخليط بقوالب لها عدة قياسات :
8x15x15, 8x30x30, 8x38x38.
2-صب الخليط في مساكب ذات شكل متوازي الأضلاع ,تسوية الخليط في مكانه ثم تقطيعه للابعاد المطلوبة , يتم تجفيفه تحت الشمس ومن ثم تسوية الوجه المقابل للارض.
طرق التشكيل:
ان تنفيذ المباني الطينية يتم بطرق مختلفة منها:
«التشكيل المباشر» وهذه الطريقة منتشرة في مناطق عدة مثل افريقيا واليمن وفرنسا .
وهناك طريقة اخرى شائعة وهي «الطوب الطيني».
وطريقة ثالثة وهي «التربة المطروقة بالقالب البيزة PISE »،تستخدم هذه الطريقة في الدانمارك والمغرب والبيرو، أما في سوريا فتستخدم في إقامة المزارع والبيوت فقط.
طرق الانشاء:
لها عدة طرق منها:
ا-استخدام الأساس الحجري:
يكون الاساس عادة اما دبش او عبارة عن جدار سفلي.
توضع اللبنات بحيث تمسك كل لبنة بلبنتين متواجدتين أسفلها.
يوضع الملاط وهو عبارة عن تربة مخلوطة بالماء مع او بدون تبن او قش.
الاكساء يكون عبارة عن طبقة من التراب الممزوج بالتبن (قد يكون طبقتين او اكثر).
ب-طريقة الهيكل الخشبي:
تستعمل هذه الطريقة فى البيوت ذات الطابقين عن طريق اقامة هيكل خشبي من جذوع خشب الحور بعد قشرها ويتم ملأ الفجوات باللبن الصغير.
يتم الاكساء كما ورد سابقا.
أنواع أخرى من الهيكل الخشبي:
1-طريقة الدك:
تستخدم للجدران الخارجية وفى جدران الطابق الأرضى فقط وقلما وجدت كجدران داخلية فاصلة.
تفصل جدران الدك شاقوليا عن بعضها بطبقة من الحجارة او صف من اللبن العريض.
2-طريقة القالب الخشبي:
ا-يتم تثبيت لوحين متوازيين من الخشب بعد ترك مسافة فاصلة بينهما.
ب-يملأ القالب بالطين المخلوط بالحصى والماء.
ج-يترك المزيج حتى يصبح كتلة واحدة متراصة.
د-يرفع القالب وتعاد العملية.
القالب:
يتألف القالب من لوحين مستطيلين من الخشب قد يصل طول الواحد حتى 150 سم ويصل الارتفاع الى 100 سم.
يثبت اللوحان بعيدا عن بعضهما بشكل شاقولي مما يعطى سماكة الجدار التى تبلغ 45 -60 سم.
الأقواس والعقود:
يتم بنائها بالطين بكافة الاشكال حيث تكون دائرية اونصف دائرية اومدببة.
يمكن ان تكون قاطعة لمجاز البيت الوسطي او تشكل فصلا بين الليوان والباحة الداخلية .
وتستطيع حمل القباب او القبوات او عتبات النوافذ.
الأسقف:
يتألف من الجوائز الرئيسية و الثانوية التى يتوضع فوقها الدفوف الخشبية او القصب ثم العزل فالطين الذي يتكون عادة من تراب خشن مبلول يرفع لأعلى السقف بسماكة تتراوح بين 15-20 سم و تكسى بعد أن تجف بطبقة طينية لزجة متجانسة تتألف من تراب وقش يتم تشكيل عدة ميولات من هذه الطبقة لتسهيل تصريف المياه .
قد يمتد السقف نحو الخارج بمقدار 40-50 سم لتأمين حماية الجدار من الأمطار.
أنواع الأسقف الطينية:
لها عدة أشكال فقد تكون : مستوية ,مائلة ( قباب وقبوات).
مزايا العمارة الطينية:
ان استعمال الطين في العمارة له العديد من الايجابيات وهي:
1- ان الطين مادة طبيعية ومتوافرة في معظم المناطق مما جعل السكان المحليين يعتمدون على استخدامها لان تقنياتها بسيطة وسهلة التصنيع و لما لها من فوائد فالمساكن ذات مناخ صحي معتدل, باردة صيفاً ودافئة شتاء.
2 - ان غلاء المواد الحديثة المصنعة ادى لضرورة البحث عن مواد طبيعية رخيصة التكاليف كمواد بديلة في عملية البناء.
3 - ان مادة الطين من افضل المواد البيئية فهي لا تشكل اي تلوث للبيئة اثناء التصنيع او التنفيذ او التعديل أو في حالة هدم المبنى واعادة بنائه او حتى في حال هجره وتداعيه فهي آتية من الأرض وتعود إليها.
4 - اضافة الى ان الطين يخزن الحرارة والبرودة والرطوبة ويؤثر ذلك في تحسين المناخ، ويمكن باضافة مواد رابطة وبنسب مدروسة الوصول الى تحقيق المتانة والعزل اللازمين في البناء.
5- الطين يوفر الطاقة المستخدمة في التصنيع حيث يحتاج الطين الى 1% فقط من الطاقة اللازمة للبيتون وعند انتاج هذه الطاقة تحتاج للأوكسجين وتنتج مواد مضرة.
6 - لوحظ بالتجربة ان الجدران المصمتة الخارجية السميكة تحقق اكبر قدر من التأخير الزمني في الناقلية الحرارية وأن جدران الطين بسماكة 40 سم تؤخر الحرارة 15 ساعة. وبالمقابل نجد ان جدران البلوك الأسمنتي بسماكة 20 سم لا تؤخر الحرارة سوى خمس ساعات وست دقائق فقط مما يوفر الكثير من الطاقة التى تصرف للتكييف أو للتدفئة.
7- من خلال تجربة في ريف دمشق وبمقارنة المبنى الطيني بمبنى بيتوني تحققت نسبة توفير اقتصادية تصل الى 36% عما يحتاج اليه المبنى البيتوني.
8 - ان هذه المادة متوافرة و رخيصة كما تستطيع ان تقدم انتاجاً مباشراً وسريعاً.
9-امكانية اكساء الجدران باللون الابيض مما يعكس اشعة الشمس.
10-ان الانشاء لايحتاج الا لبعض القوالب والادوات .
11-الأبنية الناتجة مأمونة ,غير قابلة للاحتراق ,متلائمة مع المناخ ,غير ضارة للبيئة.
12- ان العمارة الطينية تستطيع التحرر من قيود المركزية والبيروقراطية والاحتكار.
13- ان العمارة الطين تعيد العلاقة الحميمة بين الانسان والعمارة التى تتمثل في حجوم واشكال وفنون وتراث نابع من الانسان ويتناغم مع مقياسه الانساني الذي يتناساه غالباً اصحاب ما يسمى بالطراز العالمي.
سلبيات الانشاء الطيني:
1-يحتاج البناء بهبذه المادة الى أيدي عاملة خبيرة ويحتاج لمجهود كبير
يمكن تجاوز ذلك باستخدام الأدوات والقوالب الخاصة بصنع اللبن.
2-اذا لم تتم الصيانة بشكل دائم فان مياه الامطار تملأ الأجزاء الحاوية على اللبن والهيكل مما يؤدي لانفصالها عن بعضها البعض.
3-في الانشاء الهيكلي المكثف فان الأوزان الكبيرة الناتجة عن عناصر البناء من جدران واسقف بسبب سماكتها تؤدي لهبوطات وخاصة في الفصل الماطرمما يؤدي الى التشقق و الانهيار أحيانا.
الخصائص الجمالية:
1-امكانية تزيين الجدران الطينية فازدانت بالرسوم والنقوش والألوان والخزف والزجاج.
2-طريقة تراكب القطع الطينية أعطت أشكال مختلفة من الظلال مما أضفى على الواجهة جمالا معماريا.
3-البروزات الناجمة عن طريق البلاكين والدعامات الخشبية.
4-تعدد الأشكال الناتجة عن البناء والانشاء الطيني كالاسقف المستوية والقباب والقبوات والأقواس.
ومن أشهر المعماريين في هذا المجال (العمارة الطينية):
المهندسان «آلان ماسون» و«جان هانس» والاثنان نفذا حوالى 2900 مسكن عام 1968 في المغرب.
ومن الأعمال الناجحة:
مركز التربية الزراعية في نيانيغ (Nianig ) في السنغال الذي نال العام 1980جائزة وهو من تصميم المهندس البلجيكي «اوسوالد دي ليكور» ونفذ بمساعدة مجموعة من المهندسين بالتعاون مع اليونسكو والمسؤولين في السنغال.
--------------------------------------------