كيف يؤثر البرد القارس على أجسادنا؟
يستعد الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية لطقس أكثر برودة بعد عام من الدوامة القطبية التي حدثت في يناير/كانون الثاني عام 2014، والتي خفضت درجات الحرارة إلى أقل من 50 درجة تحت الصفر (58 فهرنهايت تحت الصفر).
في هذه المقالة المقتبسة من أرشيف موقع بي بي سي فيوتشر، نسأل عن مدى تأثير هذه البرودة الشديدة على الجسد البشري؟
تجلب الدوامة القطبية الحالية التي تضرب قارة أمريكا الشمالية مشاهد ترتبط إما بالقطب الشمالي أو القطب الجنوبي، إذ يتسبب تساقط الثلج المكثف والرياح العاتية في انخفاض درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة.
وفي بعض مناطق الولايات المتحدة، مثل ولاية إنديانا، تمنع جميع المركبات، ما عدا مركبات الطوارئ، من السير في الطرقات، وعادة ما تحث السلطات الجمهور على البقاء في المنازل حيث الطقس الدافئ.
لم يخلق الجسد البشري على نحو يتكيف مع البرودة القطبية الشديدة– إذ يعيش معظمنا في المناخات المعتدلة أوالاستوائية التي قلما تنخفض فيها درجات الحرارة دون درجة التجمد. لكن هناك سكانا تأقلموا مع الظروف القطبية غير العادية، ومنها سكان "الإنويت" المقيمين في المنطقة القطبية الشمالية الكندية، وكذا بعض القبائل، مثل قبيلة نينيتس التي تعيش في شمال روسيا.
لكن الغالبية العظمى من البشر لم يسبق لها أن عاشت في درجات حرارة دون الصفر، وفي الوقت الذي تسمح لنا براعتنا وخبرتنا في صناعة الملابس لتقينا برودة العواصف الثلجية القطبية العنيفة، تتمثل النجاة في المنطقة القطبية في الابتعاد عن البرد القارس، إلا في حالة الضرورة القصوى.
فماذا يحدث عندما نشعر بالبرودة؟ يتمتع الجسد البشري بآليات حماية متعددة في محاولة لزيادة درجة حرارتنا الأساسية عند تعرضنا للبرودة، وتأخذ العضلات في الارتجاف، والأسنان في الرعشة، ويقف الشعر، وتبدأ أجسادنا في "القشعريرة" وهي نوع من الصدى التطوري للعصور التي كان فيها أجدادنا يرتدون الفراء.
وتعمل غدة الهايبوتلاموس في الدماغ كمنظم لحرارة الجسم، وتحفز هذه التفاعلات مع درجات الحرارة للحفاظ على درجة حرارة الأعضاء الحيوية بالجسم معتدلة حتى يتمكن الجسم من إيجاد نوع من الدفء، والمأوى على الأقل.
وتكمن مهمة الهايبوتلاموس في الحفاظ على درجة الحرارة الأساسية بأي شكل من الأشكال- وذلك بالتضحية القصوى إذا لزم الأمر، ولهذا نشعر بوخذات في الأنامل عند البرد القارس– حيث يعمل الجسم على إبقاء الدم الدافئ في القلب، ويمنع تدفقه إلى الأطراف الخارجية، لأنه في البرد القارس، وخاصة إذا كان الجلد مكشوفًا للبرودة، قد ينتهي المطاف بالدم إلى الصقيع ومن ثم يقل تدفقه، ويؤدي ذلك بدوره إلى تجميد الأنسجة وتمزقها.
إذن فكيف يمكن للحيوانات ذوات الدم الحار العيش في مثل هذه الأجواء، ولا يمكننا نحن التكيف معها؟ هذا لأن الحيوانات القطبية إما أنها مغطاة بفراء شتوي– الذي يمتص الهواء الدافئ حول الجسم– أو بها قشرة دهنية بكميات كبيرة، والتي يبلغ سمكها بوصة أحيانًا، ولا تنقل هذه القشرة الدهنية الحرارة بشكل جيد جدًا، وبهذا يحتفظ الجسم بدرجة حرارته.
أما البشر فلديهم بشرة غير سميكة، وتحتوي على دهون قليلة نسبيًا، لأنها لم تخلق لمثل هذه البيئات.
ولكننا تعلمنا تقليد هذه الصفات، حيث يرتدي العلماء في محطات القطب الجنوبي،على سبيل المثال، الملابس الكثيفة، مما يعمل على استقطاب الهواء الدافئ حول الجسم كما يفعل الفراء.
وتتمثل المشكلة الأخرى لهذا النوع من ا لطقس الذي يؤثرحاليًا على الولايات المتحدة في إمكانية تسببه في مشاكل مع بعض الأشياء التي يعتمد عليها الجنس البشري، إذ قد يتسبب البرد الشديد في إسقاط خطوط الكهرباء بسبب ثقل الجليد، وقطع إمدادات الطاقة، بل وتجميد الأنابيب التي لم يتم عزلها وانفجارها، ناهيك عن مشكلة تعطل السيارات؟ إذ يتجمد البنزين عند درجة حرارة 60 تحت الصفر، ويتجمد النفط عند درجة حرارة 40 تحت الصفر.
بل ويمكن أن تتجمد مواد التشحيم الأخرى في درجة حرارة أقل من ذلك. وعادة ما يتجمد السولار عند درجة حرارة 10 تحت الصفر، إلا إذا كانت به إضافات خاصة لبقاء لزوجته في درجات الحرارة الباردة.
هناك بعض القصص الواقعية عبر التاريخ التى تحذرنا من الآثار المروعة لهذا البرد القارس، فعندما غزت جيوش هتلر روسيا في عام 1941، شهد أوائل الشتاء انخفاضا في درجات الحرارة إلى مستويات مماثلة لما نشهده في الولايات المتحدة حاليًا.
فكانت النتيجة تجمد بضع آلاف من الجنود حتى الموت، وذلك لارتدائهم الزي الصيفي، ظنًا منهم أن مدة الحملة العسكرية قصيرة، بل وتجمدت شاحنة خزان المحركات الصلبة، وكان السبيل الوحيد للخروج هو إشعال النار أسفل المركبة.
ولم يتمكن الجنود من إطلاق المدافع لأن الشحوم تجمدت، فضلاً عن تجمد المياه الساخنة التي كانت تستخدم لإذابة الشحوم في غضون دقائق. ويشير الصحفي الإيطالي، كورزيو مالابارت فيروايت هكابوتا، إلى أنه رأى محاربين الجبهة الشرقية القدامى عند نزولهم في وارسو التي أحتلت فيما بعد؛ وكان الجليد يغطي أعينهم وجفونهم بسبب البرد القارس.
وقد أدت درجات الحرارة المنخفضة حتى درجة التجمد مؤخرا إلى أن يستغرق الناس في إحدى ظواهر الهوس العلمي في الفترة الأخيرة: تأثير "مبيمبا"، وهي ظاهرة تحمل اسم تلميذ تنزاني (إراستو مبيمبا) الذي كان أول من طرح فكرة أن الماء المغلي يتجمد في الواقع أسرع من الماء البارد، وقد يكون لهذا الاكتشاف بعض الآثار المذهلة جدًا في المستقبل.