كَلَّفَتني أُمِّيَ اليوم بِإِصلاحِ مِذياعها الصَّغير .. صغيرُ الحَجمِ نَعَم .. لَكِنَّهُ عِندَ أُمِّي أَكبَرَ و أَعظَمَ مِمَّا تَعنِيهِ هاتانِ الكلمتان ..
أَحضَرتُ عُدَّتي المطلوبة .. وشَرَعتُ بِتفكيكه ( المذياع ) ..
اِنبَعَثَتْ مِنْ أَحشائِهِ رائحَةُ القهوة .. سُتُّونَ عاماً كاملةً مِنَ رائحةِ القهوة التي كانَتْ تَجمَعُ أُمِّي و أبي رحمه الله مع هذا المذياع ..
بَدَأتُ بِإصلاحِ مفتاح توليف المحطات .. فقد كانَت أصواتُها مُتَداخِلَة .. كما كانَ يتداخلُ صوتُ أبي و أمي وصوتُ المذيع .. لِتَعلوَ الأصواتُ مع دُخانِ سيجارةِ أبي و قهوةِ أمِّي .. وضَحِكَاتِنا المكتومَة أنا و أخوتي ..
سُتُّونَ عاماً .. كانَ هذا المذياعُ الفِتنةَ الصَّباحِيَّةَ اليوميَّة بينَ والِدَيّ ..
سُتُّونَ عاماً .. مُخَزَّنَةٌ داخِلَ هَذهِ العلبة الصَّغيرة ..
هذه العلبة الممنوعُ لمسُها الآنَ .. فهي مُلكٌ لأمِّي .. وروحُ أبي .. فقط ..
أَصلَحتُ المذياع .. وأَعَدتُهُ لأمِّي .. عَادَتْ ابتسامتها .. عادَ صَوتُ أبي ..
لَكِنْ .. هذه المرَّة .. صوتُ المذيعِ فقط هو المسموع .. و دَمعُ ابتسامةِ أُمِّي ..