لأول مرة، استطاع علماء قراءة كلمات من صحائف ملفوفة ومحروقة، دفنت في جبل فيزوف عام 79 ميلاديا.
الصحائف، المعروفة بـ "صحائف هيركولانيوم"، هي أقدم مكتبة كلاسيكية موجودة في العالم، وأحرقت بفعل غازات بركانية تفوق حرارتها 300 درجة مئوية. وهي صحائف شديدة الضعف.
واستطاع علماء الفيزياء التعرف على الحبر داخل لفافات الصحائف، باستخدام تقنيات الأشعة السينية ثلاثية الأبعاد، والتي تستخدم في مسح أمراض سرطان الثدي.
ويعتقد العلماء أنه يمكن قراءة صحائف أخرى دون الحاجة لفردها.
ونشرت نتيجة هذا البحث في مجلة "الاتصالات الطبيعية".
ويشار إلى مدينة هيركولانيوم بـ "بومبي الثانية". وبومبي هي مدينة إيطالية أخرى، دفنت تحت الرماد البركاني الذي أطلقه جبل فيزوف. وفي القرن 18، عثر على صحائف داخل أحد المنازل أثناء عمليات الحفائر لاكتشاف المدينة.
وبذلت جهود كثيرة طوال هذه الفترة لقراءة الصحائف، من بينها محاولات لفرد الصحائف بأكبر قدر ممكن من الحرص.
ورغم نجاح بعض محاولات قراءة هذه الصحائف عن طريق كاميرات التصوير بالأشعة تحت الحمراء، إلا أن عملية فردها توقفت لتسببها في دمار عدد كبير من الصحائف.
ونجحت بعض محاولات المسح بالأشعة في الكشف عن شكل لفائف الصحائف، لكنها لم تنجح أبدا في الكشف عن محتواها.
ويقوم حاليا فريق بقيادة الدكتور فيتو موتشيلا، من معهد الإلكترونيات والأنظمة الدقيقة في نابولي، بإيطاليا، بالتعرف على مجموعة من الحروف اليونانية في الصحائف الملفوفة.
"تطبيقات غير معتادة"
وأمكن قراءة الصحائف باستخدام أحد تطبيقات الأشعة السينية، وهو أكثر شيوعا في الطب. ويقول موتشيلا أن الفكرة خطرت بباله أثناء زيارته للسنكروترون الأوروبي في مدينة غرينوبل الفرنسية.
ويقول موتشيلا: "كنت في غرينوبل في إحدى الزيارات التعاونية، وشرحوا لي بعض التطورات في مجال استخدام تطبيقات الأشعة السينية في العلوم. وبدت أنها تطبيقات غير معتادة. وهنا، خطرت لي الفكرة".
وتعتمد تقنية الأشعة السينية التقليدية على قياس كمية الأشعة التي تخترق الأنسجة المختلفة. وتعتمد التقنية الجديدة على قياس تباطؤ أو تشوش الأشعة عند مرورها بالأجسام المختلفة (الحبر في حالة الصحائف).
ويمكن عن طريق القياس الدقيق لكل الذبذبات التي يحدثها التشويش، التوصل إلى صورة مفصلة وثلاثية الأبعاد للتكوين الداخلي للصحائف.
النتوءات أكثر وضوحا
وتقول الدكتورة سيلفيا باني، فيزيائية متخصصة بمجال الأشعة السينية بجامعة سوري، إن هذه التقنية "تعمل بشكل جيد في بعض التطبيقات الطبية، خاصة في أشعة فحص سرطان الثدي، لأنها تبحث في التفاصيل ذات التركيب شديد الشبه بالخلفية الموجودة عليها هذه التفاصيل".
وأضافت: "وعادة ما تفشل التقنيات التقليدية في رصد هذه التفاصيل. وما رآه الباحثون في الصحائف كان من المستحيل الكشف عنه بالتقنيات التقليدية".
ووضع الفريق الصحائف بشكل دقيق في مواجهة أشعة سينية ساطعة. وظهرت الحقوق بشكل أبرز على النتوءات في الصحائف، أكثر منها في المواد الكيميائية الموجودة في الأحبار.
ويقول موتشيلا عن هذا الاكتشاف إن "الحبر، المكون أساسا من الكربون، لا يختلف كثيرا عن ورق البردي المكربن"، لكنه لم يخترق أنسجة الورق، "لذا، بقيت الحروف لأن الحبر ما زال على سطح الورق".
وتسبب السمك الزائد للصحائف، والذي بلغ عشر ميلليمتر، في إظهار الخطوط الخاصة بالحروف، حتى بعد الثورة البركانية ودفن الصحائف لمدة قرنين.
واستغرق العمل في هذه الصحائف الكثير من الوقف، والتخمين، خاصة وأن طبقات الورق لم تكن ملفوفة فقط، لكنها سحقت وتشابكت بفعل ثورة فيزوف.
كذلك كانت طبقات الورق أحد الصعوبات التي واجهت البحث، إذ أخفت الكثير من الخطوط الرأسية والأفقية في الأحرف. لذا، كانت الأحرف ذات الخطوط المنحنية أسهل في التعرف عليها.
ويقول موتشيلا: "لا أعتقد أن هذه التقنية مثالية"، ويخطط للقيام بالمزيد من التجارب لتحسينها.