(د ب أ)

رصد بحث أنجزته المندوبية السامية للتخطيط (الجهة الرسمية المكلفة بالتوقعات الاقتصادية والإحصاء) جملة من الحقائق المثيرة وأحياناً الصادمة حول طريقة عيش المغاربة وكيفية قضاء لحظات من حياتهم.


البحث، الذي يدور حول طريقة استغلال المغاربة الوقت، حدد كبرى انشغالات المواطنين اليومية بما فيها العمل المهني والدراسة والتكوين إلى جانب تلك المرتبطة بالحاجيات الفيسيولوجية من نوم وتغذية وتطبيب وتنظيف.. بمعنى أن البحث سلط الضوء على تفاصيل حياة المغاربة وقدم تشريحاً فاجأ الجميع.


توقفنا عند خلاصات البحث وتسجيل ارتسامات بعض المواطنين الذين توزعوا بين من عبر عن صدمته لبعض الإحصائيات، وبين من تلقى مثل هذه النتائج بشكل طبيعي لا يدعو إلى عنصر المفاجأة.


سعاد عمراني، موظفة في القطاع العمومي، منذ ما يزيد على 20 سنة وأم لثلاثة أبناء، لم تتوان عن وصف بعض نتائج البحث بـ"الغريبة"، فهي لأول مرة تكتشف أن المغاربة ينامون أقل من الفرنسيين، بيد أن البحث خلص إلى أن المغاربة ينامون معدل 8 ساعات و20 دقيقة يومياً، وهي مدة تقل عن الفرنسيين بحوالي 52 دقيقة، وفي المقابل فإن المغاربة ينامون أكثر من التونسيين لكن بمدة لا تزيد على 20 دقيقة.


مثل هذه التفاصيل، جعلت سعاد عمراني تستفسر عن الطريقة العملية التي تعتمد للوقوف عند مثل هذه الحقائق والمعطيات الدقيقة التي ينهجها المتخصصون في الإحصاء، بحكم أن البحث المعلن عن نتائجه أخيراً لامس جوانب عديدة في حياة المواطن، وتمكن من إعطاء صورة مقربة عما يسمى "الزمن البيولوجي"، الذي يهم الوقت المخصص للنوم ولتناول الطعام بمختلف وجباته من فطور وغداء وعشاء وغيرها.


فالمغاربة يخصصون، حسب البحث، حوالي ساعة ونصف، لتناول وجبات الطعام، و6 % من المغاربة يكتفون بوجبة إلى وجبتين في اليوم، في حين أن 28 % يفضلون 3 وجبات (فطور وغذاء وعشاء) وأن 47 % يتناولون 4 وجبات و19 % 5 وجبات فأكثر.


ومن بين المعطيات التي شكلت صدمة ليس فقط لـ"سعاد" بل لعدد من النساء اللواتي اطلعن على نتائج البحث المذكور، الوقت المخصص للأعمال المنزلية من طبخ ونظافة وغسيل وترتيب البيت...إذ خلص البحث إلى أن "الزمن المنزلي" يتطلب حوالي 3 ساعات في اليوم، مع تسجيل أن هذه المدة تفوق المجال القروي مقارنة مع العيش في المدينة.


الغريب في الأمر أن البحث توصل إلى حقيقة مفادها أن الأطفال بدورهم يساهمون في هذه الأنشطة المنزلية ويتعلق الأمر بأطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و14 سنة، الذين يساعدون في أعباء المنزل بمدة تقل عن ساعة في اليوم، في حين أن الشباب الذين تزيد أعمارهم على 20 سنة، فإن لمستهم تكون أكثر حضوراً لأنهم يخصصون ما لا يقل عن ساعتين لأنشطة المنزلية.


ومن بين الخلاصات الصادمة التي توقف عندها المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي، عند تقديمه نتائج البحث حول استعمال الزمن، كون النساء يخصصن للأنشطة المنزلية زمناً يضاعف 7 مرات ما يخصصه الرجال، بيد أن المرأة تخصص يومياً حوالي 5 ساعات لأعباء المنزل، مسجلة بذلك تفوقاً كبيراً على نظيرتها الفرنسية التي لا تخصص سوى ساعة و12 دقيقة وعلى المرأة التونسية التي لا تتعدى مساهمتها في هذا المضمار نصف ساعة.


الغريب في الأمر أن المرأة المغربية لا تهتم فقط بالأعمال المنزلية المحضة من طبخ وغسيل وتنظيف، بل أيضاً تتولى مهمة التسوق وأداء فواتير الماء والكهرباء والهاتف وقضاء باقي المصالح الإدارية.


هذا في الوقت الذي لا يخصص فيه الرجل سوى 43 دقيقة من وقته لأشغال المنزل وبعض الأنشطة خارج البيت، الشيء الذي أكدته الحاجة وفاء، التي تشتغل معلمة في السلك الابتدائي، إذ أوضحت أنه إلى جانب عملها في القسم، فإنها تقوم بجميع أعباء المنزل علماً بأنها تضطر إلى جلب مساعدة لها مرة في الأسبوع لتقدم لها يد العون في بعض الأشغال، كما لا تتردد هذه المعلمة في الاضطلاع ببعض المهام خارج البيت وتذهب للتسوق مرة في الأسبوع وقضاء مآرب أخرى ذات طبيعة إدارية .


وإجمالاً، يخصص الرجل 4 مرات أكثر من الزمن للعمل المهني و7 مرات أقل للعمل المنزلي مقارنة بالمرأة. وهكذا، فإن تقسيم عبء العمل بين الرجل والمرأة يضع العلاقات الاقتصادية بينهما في النموذج التقليدي حيث يلعب الرجل دور معيل الأسرة وتلعب المرأة دور ربة بيت، يوضح المندوب السامي للتخطيط الذي أدحض بحث مؤسسته الآراء القائلة بحدوث تحول كبير في المجتمع المغربي.


وفي هذا الصدد، بينت نتائج البحث أن الرجال النشطين المشتغلين يخصصون في المتوسط حوالي 7 ساعات ونصف للنشاط المهني، فيما تخصص النساء النشيطات ما لا يتعدى 5 ساعات و45 دقيقة في النشاط المهني (6 ساعات و11 دقيقة بالوسط الحضري و3 ساعات و45 دقيقة في الوسط القروي)، وينتقل هذا الحيز الزمني من 7 ساعات بالنسبة للنساء المنتميات لفئة "العاملات والصانعات التقليديات والعاملات اليدويات" إلى 4 ساعات و47 دقيقة لدى النساء من فئة "الأطر والمهن الحرة".


ومن حيث الزمن المخصص للتربية والتكوين، يبلغ في المتوسط على الصعيد الوطني 61 دقيقة ويصل إلى 3 ساعات و45 دقيقة لدى الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 7 و14 سنة وإلى ساعة واحدة و41 دقيقة بالنسبة للشباب بين 15 و24 سنة وإلى ثلاث دقائق للبالغين 25 سنة فأكثر.


وتهم هذه الأنشطة بالأساس التلاميذ والطلبة. كما يلاحظ أن الفتيات يخصصن وقتاً أكثر للدراسة مقارنة مع الفتيان، إذ يصل الفارق بينهما إلى 22 دقيقة بالنسبة للفئة 7-14 سنة و48 دقيقة بالنسبة للفئة 15-24 سنة.


تدبير الزمن الحر كان حاضراً في هذا البحث، إذ تبين أن المغاربة يقضون ساعتين و14 دقيقة أي 6. 33% من وقتهم الحر في مشاهدة البرامج التلفزيونية، ويخصصون 59 دقيقة أي 8. 14% للممارسات الدينية، وتتوزع بقية هذا الزمن، الذي لا تشغل فيه الرياضة والقراءة سوى دقيقتين لكل منهما، بين قضاء القيلولة والتردد على المقاهي ووقت الفراغ وزيارة العائلة والأصدقاء وأنشطة أخرى.


كما يشغل اللجوء إلى الإنترنت، في المتوسط، 9 دقائق يومياً ويظل التردد على المقاهي نشاطاً ذكورياً بامتياز حيث تبلغ النسبة المعنية بهذا النشاط 1% في صفوف النساء و25 % في صفوف الرجال الذين يقضون، في المتوسط، ساعة و54 دقيقة يوميا بهذه الأماكن.


يشار إلى أن البحث المنجز من قبل المندوبية السامية للتخطيط شمل مجموع التراب الوطني وامتد على مدار سنة كاملة لرصد تأثير التقلبات الموسمية على نشاط الأسرة المغربية من خلال اعتماد عينة تتكون من 9200 أسرة.