* مُقتطفات - رواية " الغريب " ألبير كامي
" بينَ الحصيرةِ التي أنامُ عليها وظهر السّرير ، كنتُ قد حصلتُ على قطعةٍ رقيقةٍ صفراءَ اللون من ورق الصحُف ، وكانَ مكتوبٌ عليها قصّة حادثة ضاعت بدايتها ، و لكنّها قد حدثت في تشيكو سلوفاكيا . و فحواها أنّ رجلاً كانَ قد غادر قريته بحثاً عن الثروة ، وبعدَ خمسةٍ وعشرين عاماً عادَ الى قريته بالثروة وبزوجةٍ وأطفال ، وكانت أمّه تُدير - برفقةِ أخته - فندقاً صغيراً في تلك القرية .
فأرادَ الرّجل أن يدبّر لهما مُفاجأة ، فتركَ زوجته وولده في مكانٍ آخر ، وذهبَ الى أمّه ولم تتعرّف عليه عند دخوله عليها ، وكذلك لم تتعرّف عليهِ أخته ؛ ولذا فقد راودته فكرة مداعبتهما ، فاستأجرَ أحدى الغرف،وكانَ قبلَ ذلك قد أراهُم ثروته ، وفي الليل قامت الأمّ والأختُ بقتل الرجل و سرقة ثروته ، ثمّ ألقتا بجثته في ماء النّهر ، وفي الصّباح أقبلت الزوجة دونَ أن تعلم بما حدَثَ ، كشفت النقاب عن الدعابة وعن شخصيّة زوجها ، وعند ذلك شنقت الأمُ نفسها وانتحرت الأختُ داخل إحدى الأبار .
ولقد قرأتُ تلكَ الحادثة آلاف المرّات ؛ لأنّها كانت مسلّية من ناحية و من ناحيةٍ أخرى كانت حقيقية .و لقد كُنت أعتقد - على كلِّ حال - أن الرّجل قد استحقّ - إلى حدٍّ ما - ذلك الذي أصابه ؛ لأنني أعتقدُ أنّه يجبُ عدم خلط الجدّ بالهزل على الإطلاق ."
" كنتُ مجهداً ، فألقيتُ بجسدي فوق مضجعي ، و أعتقدُ أنني غفوت ؛ لأنّني عندما استيقظت كانت هُناك نجومٌ فوقَ وجهي
و كانت ضوضاء الريف تتصاعدُ من الخارج لتصل اليّ ، وروائح الليل و الأرض والملح تنعُشُ رأسي . كان السلامُ الرّائع لذلك الصيف الهادئ يتخلّلني .
في تلك اللحظة على حدود الليل انطلقت بعضُ الصفّارات . إيذاناً بالرحيل الى عالم لم يعُد يهُمّني الآن في شيء . و للمرة الأولى منذُ وقتٍ طويل تذكّرتُ أمّي ، وبدا لي أنّني فهمتُ لماذا اتخذت لنفسها " صديقاً " في نهايةِ حياتها . لماذا كانت تُريدُ أن تبدأ من جديد . فهُناك ، ومع اقتراب الموت ، كانت أمّي مستعدة أن تبدأ الحياة ليس لأحدٍ قط الحقّ في أن يبكي عليها . و أنا أيضاً أحسستُ أنّني مستعدٌ في أن أبدأ الحياة من جديد ، وكأنّ تلك الغضبةُ الكُبرى قد خلّصتني من الشرّ و أفرغتني من الأمل .
في ذلك الليل الذي يفيضُ بالنجوم ، أحسستُ للمرةِ الأولى بعذوبةِ ورقّةِ اللاّمبالاة ، و أحسستُ أنّني كنتُ سعيداً في يوم من الأيام ، ولازلتُ حتى الآن ، أتمنّى أن ينتهي كلّ شيء ، و أتمنّى أن أكونَ هُناك أقلّ وحدةٍ من هُنا ، لمْ يبقى سوى أن أتمنّى أن يكونَ هُناك الكثير من المتفرجين يوم الإعدام ، و أن يستقبلوني بصرخات الحقد والغضب ."