بفستان أزرق بسيط، وسط صقيع استوكهولم الذي يبدو ميزة المشهد، وبحضور حفنة من المشجعين الذين يجاهدون برودة الطقس، تعتلي فتاة ملفتة بجمالها وحسن أدائها مسرحاً في الهواء الطلق وتغني بثقة كبيرة لماجدة الرومي «غني للحب». سريعاً، تصيدتها مواقع التواصل الاجتماعي وحولتها في ساعات معدودة إلى نجمة افتراضية. بعض تلك المواقع أشاع أنها مشردة ومرمية على الطريق. لم تذكر المواقع اسمها بل اكتفت بجملة واحدة تشرح فيها الفيديو، فتقول: «فتاة سورية تغني للحب والسلام في شوارع السويد». حتى أنّ بعض الفضائيات السورية عرضت جزءاً من الشريط ضمن فقراتها المنوعة، من دون أن تجرب اكتشاف حقيقته. لكن الواقع أن الفتاة السورية السويدية اسمها فايا يونان، كانت تشارك في وقفة تضامنية نظمها «الصليب الأحمر» لنبذ العنصرية، وقررت ألا تغيب طويلاً. عادت هذه المرة من بوابة عمل فني حمل اسم «لبلادي» أهدته المغنية الشابة للبلاد العربية ونشرته على موقع يوتيوب. قدّمت هذه الناشطة والمغنية السورية الشريط مع شقيقتها الكبرى ريحان يونان. العمل عبارة عن مناشدة تمزج بين مونولوج محكي تروي فيه الأخت الكبرى الحال المزرية التي وصلتها البلاد العربية، فترد عليها أختها الصغرى بأغنية مناسبة تختارها من أغنيات فيروز تحديداً. هكذا، تبدأ من سوريا وحرب السنوات الثلاث التي دمرت النفوس والقلوب والعقول لترد المغنية بـ «شآم أنت المجد لم يغب». تنتقل الرواية إلى العراق حيث ادعى إجرام أميركا أنه جاء محرراً فهجّر وجزّأ ونهب الحضارات، فتأتي أغنية «بغداد والشعراء والصور». ولا تغيب بيروت أمّ الحروب التي قبعت تحت نيرها أربعين عاماً، فتغني لها «لبيروت من قلبي سلام». ولأن فلسطين هي القضية المحورية والبوصلة التي تهتدي إليها كل القضايا كان لا بد لخريف الدمار العربي أن يبدأ من هناك، فتغني لها «زهرة المدائن». وربما لأن القائمة تطول، يختصر الفريق الحكاية بصوت جماعي بالقول «بلادي بلاد الحرب والآلام بلاد الحب والأحلام بلادي..» فترد المغنية بنشيد «موطني». في حديثها مع «الأخبار»، تقول صاحبة الفكرة ريحان يونان «كنا نقيم في السويد وقررنا في 2010 أن نعود إلى حلب، لكن الحرب هجرتنا من جديد. ورغم أننا مستقرون هنا، لكن بلادنا قبلتنا، ولأني أعمل صحافية وأختي ناشطة ومغنية، قررنا أن نقدم شيئاً وجدانياً لبلادنا انطلاقاً من اعتصامنا عند نشرة الأخبار اليومية، التي تبدأ بمجازر سوريا وتمر على تهجير الأزيديين في الموصل، وتتخللها فواصل من حرب غزة وآلة الدمار الصهيونية التي تعيث خراباً وتنكيلاً هناك. ثم نصل إلى طرابلس والبركان الذي يقبع على فوهته لبنان». وتضيف يونان: «اخترنا أن نقدم نشرة أخبار بطريقة فنية وإنسانية ونترك الباب مفتوحاً للحلم بأن نرى أوطاننا محررة ومطمئنة». لكن ما الجدوى من كل ذلك، فالحرب مستمرة والدم لا يتوقف عن السيلان؟ ترد: « لأننا لا نعرف أن نحمل سلاحاً، نحاول أن نقدم فكراً وفناً ليس إلا».
وسام كنعان