(إفي)
أكمل المدير الفني لتشيلسي الإنجليزي، البرتغالي جوزيه مورينيو، يوم الإثنين 26 كانون الثاني (يناير) 2015 ، عامه الـ52 وهو لا يزال يحمل في جعبته الكثير من المفاجآت سواء لمحبيه أو كارهيه، بفضل شخصيته الفريدة والمعقدة وتكتيكاته التي قادته في أحيان كثيرة للنجاح.
ويعد مورينيو حالة خاصة جداً في عالم كرة القدم بفضل مقوماته الاستثنائية، إنه أشبه بشخصية "الجوكر".. أحد أشهر أشرار عالم الكوميكس والسينما، الذي يتمتع بإعجاب الكثيرين، ربما بصورة أكبر من باتمان نفسه.
يؤمن "الداهية البرتغالي" دائما بوجود خطأ في النظام: سواء الحكام أو الإعلام أو (فيفا) أو (ويفا)، ولديه قناعة بأن الجميع لديه قابلية للفساد، وحتى لاعبيه ذات أنفسهم الذي لا يتوان عن الدخول في معارك معهم مهما كان حجم نجوميته، كما أنه ملك التكتيكات، الذي يبني تصرفاته دائماً على أساس رد الفعل وإفساد خطة الطرف الآخر، تماما مثل "الجوكر".
خلال مسيرة مورينيو التدريبية تمكن من التتويج بـ20 لقباً مع ثلاثة فرق مختلفة من ضمنها دوري الأبطال الأوروبي مرتين والليجا والدوري الإيطالي ونظيراه البرتغالي والإنجليزي، حيث لم يغب الجدل ولو لأسبوع واحد عن تصرفات "ذا سبيشال وان" ليترك مجموعة من المواقف والتصريحات التي لا تنسى.
- احتفال الكامب نو:
يسير الجوكر بغير مبالاة وثقة في مشهد المستشفى الشهير بفيلم (فارس الظلام) بعد تأكده من حرمان مدينة جوثام من بطلها الجديد هارفي دينت وبيده مفجر يضغط على الزر عدة مرات حتى تتفجر البناية ثم يعدو كالمجنون من بعدها وخلفه كل شيء يتداعى.
فعل مورينيو شيئاً مشابها في موسم 2009-2010 حيث كان فريقه إنتر ميلان الإيطالي فاز ذهاباً في نصف نهائي دوري الأبطال بنتيجة 3-1 ومباراة العودة كانت على ملعب كامب نو، معقل "فارس إقليم كتالونيا والكرة الأوروبية" حينها، برشلونة ولكن المدرب البرتغالي تمكن من قيادة فريقه للنهائي بفضل تكتيك دفاعي محكم جعله يخسر مباراة الإياب بهدف واحد فقط.
يتذكر الكثيرون طريقة احتفال مورينيو في هذا الوقت بعد انطلاق صافرة الحكم حيث انطلق يعدو في ملعب كامب نو، وهو يشير لجماهير فريقه الحاضرة، وأيضا جماهير برشلونة بطريقة استفزازية ومن بعدها لنفسه.. لقد حقق مراده حينها مثل الجوكر وجعل كل شيء ينهار من حوله، وأثبت أنه يمكن هزيمة "مثالية" برشلونة، لا يهم أن فيكتور فالديس دخل بعدها في نقاش معه، أو أن إدارة الملعب فتحت رشاشات المياه لإجباره على التوقف عن الاحتفال، بل نجاحه في تحقيق هدفه بالتأهل والأهم بعد ذلك الحصول على اللقب في المباراة النهائية أمام بايرن ميونخ الألماني.
- الإصبع الشهير:
"الجنون مثل الجاذبية.. كل ما يحتاجه هو دفعة صغيرة".. عبارة قالها الجوكر في فيلم (فارس الظلام) حينما كان متدلياً من طابق علوي لبناية شاهقة بعد أن تمكن باتمان من هزيمته.. هذه العبارة نفذها مورينيو حرفياً في افتتاح موسم 2011-2012 بإياب كأس السوبر أمام برشلونة.
ولم يكن مورينيو تلقى دفعة صغيرة بل كانت ضربة قوية للغاية تمثلت في الخروج الموسم السابق من نصف نهائي دوري الأبطال أمام النادي الكتالوني، لذا فإن الشجار الذي بدأ بين لاعبي الفريقين قبل نهاية المباراة التي خسرها الريال بنتيجة 2-3 كان بمثابة الشرارة التي دفعته لـ"الجنون".
حينها تقدم مورينيو دون أي داع نحو تيتو فيلانوفا، مساعد المدير الفني لبرشلونة، حينها بيب جوارديولا ليضع إصبعه في عينيه، وذلك في تصرف غير رياضي بالمرة، ثم يسير بعد ذلك كأنه لم يفعل شيئاً..الفارق الوحيد بينه وبين الجوكر أن الأخير لم يكن ليعتذر بعد ذلك كما فعل مورينيو، بل كان سيستمر في الضحك بلا مبالاة.
- عداوة الصحافة:
لم يغب التوتر عن علاقة مورينيو بالإعلام والصحافة، خاصة في الأندية الأربعة الكبرى التي دربها (بورتو- تشيلسي- إنتر ميلان- ريال مدريد) فهو لديه قناعات تامة بأنه حتى لو كان الإعلام موالياً للنادي الذي يدربه فإنه سيسعى دائماً نحو إثارة القلق فيه ودائماً ما سيحاول تذكيره بأنه لم يكن لاعباً لكرة القدم.
يدرك مورينيو هذا الأمر سواء مع الفرق التي دربها أو مع الإعلام الذي يضطر للتعامل معه بصورة يومية لذا فهو لا يتعامل معهم بدبلوماسية، بل بطباعه الحادة وشخصيته التي لا يرغب في تغييرها كما لو كان يسمع حرفياً حديث الجوكر، الذي يقول فيه "لا تتحدث مثل أحدهم، أنت لست كذلك، حتى لو رغبت في هذا الأمر، أنت مجرد شخص غريب، إنهم في حاجة إليك الآن، لكن حينما تغيب الحاجة سينبذونك مثل شخص مصاب بالجذام".
وتنطبق هذه المقولة حرفياً على ما حدث في حقبة مورينيو مع ريال مدريد وعلاقته مع الصحافة التي بدأت جيدة للغاية بسبب ما فعله في برشلونة مع إنتر ميلان بدوري الأبطال، لكن الأمور بدأت تتدهور تدريجياً بسبب صدامات مورينيو المتكررة مع الصحفيين خلال المواسم الثلاثة التي قضاها بالنادي الملكي، والتي وصلت لحد السب وتعرض "الداهية البرتغالي" لأحد الرموز المقدسة للإعلام الإسباني في ريال مدريد وهو الحارس إيكر كاسياس.
رحل مورينيو الآن عن الريال وعاد إلى تشيلسي ومن يتابع الإعلام الرياضي الإسباني، المدريدي قبل الكتالوني، سيرى أن هناك الكثير من "عدم صفاء النية" في أي أخبار منشورة عن المدرب البرتغالي الذي تخلى الجميع، حتى بعض لاعبيه وعلى رأسهم مواطنه بيبي، عنه في آخر أيامه مع الريال كما لو كان بالفعل مصاباً بالـ"جذام".
-ضد النظام:
يعرف الجوكر نفسه بأنه "عميل للفوضى" حيث يسعى دائماً لإثبات وجود خطأ ما في النظام، سواء كان نظاماً يحاربه أو قائماً بين رجاله أنفسهم ومورينيو نفسه يحمل صفات متقاربة للغاية.
بهذه الطريقة لا يتردد مورينيو في الهجوم على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) واتهامه بالمحسوبية لريال مدريد وبرشلونة فيما يتعلق بقواعد اللعب المالي النظيف على حساب باقي الأندية.
وبالمثل لم يجد أي مشكلة أيضاً في التغيب عن حفل الكرة الذهبية الخاص بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مرتين متتاليتين رغم ترشحه لجائزة أفضل مدرب.. إنه لا يهاب شيئاً: إذا لم يحضر تحدث ضجة إعلامية، وإذا حضر أي مؤتمر فغالباً سيكون مصحوباً بفوضى أو جدل.
يصنع مورينيو الفوضى داخل فرقه أيضاً، في بعض الأحيان ينتصر وأخرى لا: معركته ضد الإعلام الإسباني في قضية اللاعب بيدرو ليون فاز بها، لكنه خسر أمام كاسياس في معركة أدخلت النادي الملكي وكل ما هو مرتبط به في فوضى كبيرة نتيجة قيمة "القديس" بالنسبة للإسبان.
وكسب مورينيو أيضاً معركة "العجوز" مع الكاميروني صمويل إيتو، الذي رحل في النهاية عن تشيلسي، وأيضا تمكن من استقطاب أحد "خصومه" السابقين هذا الموسم لصفوفه، وهو سيسك فابريجاس، لاعب برشلونة الإسباني، عن طريق مكالمة لم تستغرق ربع ساعة كما أكد الطرفان، وهو الشيء الذي أحدث نوعاً من الفوضى والتعجب في الإقليم الكتالوني.
يقص الجوكر ألف رواية ورواية في (فارس الظلام) عن كيفية حصوله على الندوب الكثيرة، التي تصنع ابتسامته الشريرة، وبالمثل مورينيو ستُقص روايات متعددة حول أسباب تتويجه بعدد كبير من البطولات الكبرى.
سيقول البعض إنها جاءت نتيجة عبقريته، وآخرون سيرون أنها كانت بسبب أسلوبه الدفاعي، وتمتعه بجانب كبير من التوفيق، سيتهمه غيرهم بأنه "يكره الكرة ويحب الفوز" وسيدافع عنه محبوه أمام هذه الاتهامات، لكن أياً من هذه الأمور سواء كانت إيجابية أو سلبية لن تمسح من التاريخ الإنجازات التي تمكن من تحقيقها.