حاسة التذوق: كيف تخدع التوابل الحارة لسانك؟
لماذا يحرق طبق من الكاري الحار فمك؟ الصحفية في الشؤون العلمية فيرونيك غرينوود تحاول كشف السبب وراء الوخزة التي تصيب لسانك بشكل غير متوقع في بعض الأحيان.
عندما تتطرق إلى اللسان، يتبادر لذهنك مذاق معتاد: حلو، أو مالح، أو مر، أو حامض، أو لاذع. وتدرك المذاق عندما يعمل الطعام على تنشيط المستقبلات الموجودة على سطح خلايا التذوق، والتي تقوم بدورها بإرسال إشارة إلى الألياف العصبية في الدماغ وتساعد على الشعور بمذاق أكل مشوي لذيذ أو فراولة طازجة مثلا.
لكن في الحقيقة فإن لسانك يتذوق ما هو أكثر من ذلك، إذ يمكنه أن يستشعر درجة الحرارة، والضغط، والمواد الكيميائية التي تحاكي كل هذه الأشياء الموجودة في عدد من الأطعمة. ويطلق على هذه المجموعة الأخيرة من النكهات اسم "الذوق الكيميائي"، وهو الذي قد تصادف بعضه كل يوم.
ومن أغرب الأمثلة على ذلك فلفل سيشوان، الذي يعتبر المكون الأساسي في الطهي الآسيوي، فعند إضافته إلى الطعام يبدأ لسانك فجأة بالارتعاش، وهذا يثير فضولك على نحو غريب.
وهناك جزء مسؤول عن هذا التذوق يعرف باسم "سنشول" وهو مرتبط بقنوات في أغشية الخلايا العصبية، وتكمن مسؤوليته في الاستجابة لمؤشرات اللمس، كما أنه يرسل نوعا من الإشارات.
في الواقع، وفي دراسة نشرت في عام 2013، عمد الباحثون إلى فرك فلفل سيشوان على شفاه المتطوعين، وثبتوا بعد ذلك جهازا في أطراف الأصابع لتسجيل الاهتزازات بترددات متباينة، وطلبوا من المتطوعين تحديد التردد الذي يشبه غالبا الإحساس بطعم الفلفل.
وعلى نحو متواصل جاءت النتيجة بأن التردد بلغ 50 هرتز تقريبا. وأوضح هذا للباحثين أن هناك عصبا من نوع معين هو المسؤول عن ذلك الإحساس الذي يتناسب مع هذا التردد المعين.
توابل حارة
وهناك تذوق آخر من نوع آخر تحدثه حرارة مادة الفلفل الأحمر التي تعطي للفلفل نكهته. ويرتبط الفلفل الأحمر بالمستقبلات الموجودة بخلايا تكشف عن درجة الحرارة وتقوم بإرسال إشارات بمدى الألم الناتج عن تذوق الفلفل.
وتعمل مادة "البيوبرين" في التوابل على تنشيط نفس المستقبلات وما يتصل بها من خلايا، حيث يوجد البيوبرين في الفلفل الأسود الذي قد تضيفه إلى طبق البيض في الصباح، وكذلك مادة الأليل وهي المكون المسؤول عن الاحتراق في الخردل والفجل الأحمر.
قد تشعر بمدى حرارة ما تأكله من هذه الأطعمة وذلك لأن المستقبلات عادة ما تنشط عند بلوغ درجة حرارة أعلى من 42 مئوية أو ملامسة مادة حمضية. ويفترض أنها تحذرنا بذلك باعتباره شيئا غير مرغوب فيه، ومع ذلك فإن الفلفل وغيره من التوابل الحارة لا ضرر منها على لسانك، ومن ثم يمكنك أكل قدر ما تريد.
قد تلاحظ، في الواقع، بعد تناولك كمية كبيرة من الطعام الحار أنه لم يؤثر عليك كثيرا، كما أن المستقبلات تتوقف في نهاية المطاف عن الاستجابة لهذا الشعور، ويطلق على هذه الحالة اسم "عدم الاحساس بالفلفل".
وهناك الكثير من العلماء الذين يؤيدون ذلك، لأن الفلفل بإمكانه تخفيف الألم، حيث تتوفر الآن، على سبيل المثال، كريمات الفلفل لعلاج آلام التهاب المفاصل.
لكن تأثير الدواء الذي يعمل على إيقاف المستقبلات في محاولة لعلاج الألم يبلغ ستة أضعاف تأثير الفلفل، لأنه يجعل الأجزاء تشعر بحرارة على نحو غير عادي.
يمكن للإيثانول أن يقلل من درجة الحرارة التي تنشط مستقبلات الفلفل أيضا، والذي يقترح أنه السبب في أن جرعة من الكحول تحرق هذا الإحساس بالحرارة.
وقد يكون هذا هو السبب أيضا في زيادة حرارة الأطعمة الحارة عند احتساء جرعة من المشروبات، والسبب وراء أن تكون المشروبات الباردة مناسبة جدا.
وللإيثانول كذلك خصائص غريبة أخرى: فبوضعه على اللسان قد يلحق الضرر بالفم بسهولة، وقد يكون السبب في ذلك الصلة بين هذا المُستقبل والإحساس بالألم.
وعلى الجانب الآخر، قد يكون من محض الصدفة الغريبة الشعور بالقشعريرة عند تذوق المنثول الموجود في النعناع، حيث يبدأ مستقبل ما بإرسال الإشارات عند ارتفاع درجة الحرارة بسبب اقتراب المنثول من الفم.
وبطبيعة الحال، لا يقتصر كل هذا على فمك وحسب، بل إن نفس المستقبلات موجودة في بشرتك. فإن اغتسلت واستخدمت فلفل سيشوان، ستحصل على نفس التأثير، ومن التجارب التي لا يمكن نسيانها هي فرك عينيك بعد تقطيع الفلفل الحار.
لكن علينا الاهتمام بما تُحدثه المواد الغذائية من أمور غريبة وعجيبة، وفي المرة القادمة عندما تتناول وجبة صينية أو تشعر بحرقة الخردل، كل ما عليك هو أن تراقب المستقبلات غير المتعلقة بالتذوق الموجودة داخل فمك.