هذا الذي بين يديك أيها القارئ الكريم هو ملخص محاضرة سماحة الأستاذ بناهيان حول عموميّة الشعائر الإسلاميّة و عدم اختصاصها بالشيعة، ألقاها في ليلة محرم عام 1436ق. في هيئة «ميثاق مع الشهداء» في جامعة الإمام الصادق عليه السلام في مدينة طهران.
لا ينبغي أن نعتبر إقامة العزاء على أبي عبد الله الحسين(ع) شعائر شيعيّة فقط
قبل أن نبدأ بموضوعنا الأصلي في هذه العشرة، نخصّص هذه الجلسة بالحديث عن مجالس عزاء أبي عبد الله الحسين(ع)، لكي نجدد التفاتنا إلى بعض المواضيع التي لعلها قد أصبحت عادية لنا، أو نتذاكر بعض المعلومات التي قد تنسى في زخم مجالس عزاء الحسين(ع).
أولا في مناخنا اليوم، لا ينبغي أن نعتبر إقامة العزاء على أبي عبد الله الحسين(ع) شعيرة شيعية. فأين ما جرى الحديث عن هذه الشعائر بأدبيات شيعية صرفة، لابدّ أن تقوموا بتوعية وتلفتوا أفكار جميع المسلمين إلى هذه الشعائر الممتازة يعني إقامة العزاء على الشهداء وسيد الشهداء الإمام الحسين(ع).
إن عدو الإمام الحسين(ع) قد مارس العداء تجاه السنّة أكثر من الشيعة/ لقد قتل يزيد من السنّة أكثر من الشيعة
أساسا إنّ أبا عبد الله الحسين(ع) لم يخض معركة كربلاء كملحمة شيعيّة، وكان عدوّه يزيد عدوا للسنّة أكثر من أن يكون عدوّا للشيعة، إذ باشر بقتل السنّة أكثر من قتل الشيعة.
إن كنّا نقصد من الشيعة، أولئك الذين يؤمنون بولاية علي بن أبيطالب(ع) ويرونه خليفة رسول الله(ص) بلا فصل، فأمثال هؤلاء كانوا قليلين جدا يومذاك وقد استشهد كثير منهم في واقعة كربلاء، فلماذا هجم يزيد على المدينة وأحدث جريمة واقعة الحرّة هناك؟!
إن جلاوزة يزيد قد أبادوا أهل السنّة لا الشيعة في مجزرة الحرّة
لقد قام جلاوزة يزيد في معركة الحرّة بقتل ذريع في المدينة، فإذا أردنا أن نتحدث بأدبيات اليوم، لابدّ أن نقول بأنهم أبادوا أهل السنّة، أي نفس هؤلاء الذين لم ينصروا الإمام الحسين(ع). إن جلاوزة يزيد في واقعة الحرّة، قد استباحوا أموال أهل المدينة ونفوسهم وأعراضهم ثلاثة أيام، من قبيل ما يمارسه التكفيريون اليوم.
إذا رأينا الحسين(ع) قد ثار ضدّ يزيد، فلأنّه كانت حقيقة يزيد هي ما عبّر عنها في شعره المعروف: «لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالْمُلْکِ فَلا خَبَرٌ جَاءَ وَ لَا وَحْیٌ نَزَل»[الاحتجاج/307/2] فيا ترى أيّ سنّي بصير يستطيع أن يتقبل مثل هذا الكلام من يزيد، ويعتبره مسلما بعد هذا؟!
إن قضية كربلاء لم تكن قضية شيعية ـ سنية. إن كان يزيد عدوّا للحسين(ع) فإنه جنى في حق أهل السنّة أكثر من الشيعة. وإذا كان جلاوزة يزيد بالواسطة قد قتلوا الحسين(ع) في كربلاء، ارتكب جلاوزته المباشرون في المدينة جرائم أكثر. يعني إذا أردنا أن نقارن بين نوعية الجرائم، نجد جرائمهم أبشع مما ارتكبه عمر بن سعد وجنوده في كربلاء.
عاشوراء محطّ اتحاد الشيعة والسنّة
النقطة الأخرى هي أن الإمام الحسين(ع) قد فدى نفسه من أجل الإسلام ليبقى أصل الإسلام. ومن جانب آخر نجد في أصحاب الإمام الحسين(ع) من لم يكن شيعيا بالمعنى المتداول عليه اليوم، فضلا عن بعض أصحابه مثل «وهب» الذي لم يكن مسلما أصلا ولكنه نصر الإمام الحسين(ع) وأسلم في هذا الطريق. إن بعض أصحاب الإمام الحسين(ع) من قبيل زهير أو الحرّ وبغضّ النظر عن عقيدتهم في آخر ساعات عمرهم وحين الشهادة، لم يكونوا شيعة بالمعنى الذي نقصده اليوم ولم يكونوا مؤمنين بخلافة أمير المؤمنين(ع) بلا فصل.
فلا نحن الشيعة من حقّنا أن نحتكر الحسين(ع) لأنفسنا وحسب، ولا إخواننا من أهل السنّة ينبغي لهم أن يتناسوا قضية الحسين(ع) ولا يعتبروها قضيتهم. طبعا هذا ما يتعلّق بسلوكنا أيضا. إن عاشوراء هي محور الاتحاد بين الشيعة والسنّة فلابدّ أن نقيم عزاء الحسين(ع) في أجواء مفعمة بالأخوّة الإسلاميّة.
طبعا لا شك في أنّ الشيعة يفتخرون بإمامهم الثالث، ولكن ليس الشيعة هم الوحيدين الذين يفتخرون بالحسين(ع)، فإن الشافعي أحد فقهاء المذاهب الأربعة السنيّة له كلمات راقية جدّا في رثاء أبي عبد الله الحسين(ع). حتى أنه كان يندب للإمام الحسين(ع) بحرارة وحماس أكثر من بعض مراثينا وتعزياتنا.
ما زالت إقامة العزاء على الحسين(ع) شعيرة متعارفة بين الكثير من أهل السنّة
إن أيادي الصهاينة والاستكبار هي التي جاءت تبحث عن نقاط الضعف في الأمّة الإسلاميّة لتقوّيها. فربّوا مدارس وتيّارات فكرية وعقائديّة تقتل مقيمي عزاء الحسين(ع). وإلّا فإلى يومنا هذا ما زالت إقامة العزاء على الحسين(ع) شعيرة متعارفة في كثير من أوساطنا السنّية في داخل البلد وخارجه.
ليس من الذوق السليم أن نعكس احتفالات أهالي كردستان السنّة في مناسبة ميلاد النبي الأعظم(ص)، أما لا نبث مجالسهم الحسينيّة في يوم عاشوراء. في هذه الظروف التي نعيشها لابدّ أن ننظر إلى مجالس عزاء الإمام الحسين(ع) وشعارات الحسين(ع) وخطبه بدقّة عالية جدّا. تقريبا لا تجدون كلمة للإمام الحسين(ع) في ثورته، بحيث يشير فيها إلى الحقائق والعقائد الخاصة بالشيعة. إن الإمام الحسين(ع) قد ناشد القوم في كربلاء كرارا أن: «أَ لَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِیِّکُم» [اعلام الوری/ص241] ولم يقل مرة ألست إمامكم الثالث! حتى لم يستشهد الإمام(ع) بقضيّة الغدير.
كانت عاشوراء ملحمة إسلامية، لا شيعيّة محضة. وكذلك في يومنا هذا عندما تتحدثون عن هذه الملحمة مع الصالحين والمنصفين من أهل العالم ومن جملتهم إخواننا أهل السنة، ستجدون تقبلهم وتفاعلهم معها. لذلك أنتم معنيّون في أن تعطوا لمراسيمكم ومجالسكم الحسينية صبغة ونكهة جديدة.
يتبع إن شاء الله...