ما حقيقة مسلسل سامكو؟
عُرض مسلسل سامكو على قناة العراقية، وكان من تأليف ضياء سالم وإخراج السوري أيمن ناصر الدين. وتدور أحداث المسلسل في فترة نظام صدام، وبالتحديد فترة الحصار، وحصراً فترة ظاهرة سامكو.وقد تحدث مؤلف العمل لمجلة الشبكة العراقية قائلا إن المسلسل يروي أحداثا حدثت بين الفترة الواقعة بين 1992م و2003م. وبعد متابعة الجمهور العراقي للعمل، والكثير منهم عاصروا أحداث تلك الحقبة من الزمن وبعضهم نصبت عليه ما تسمى شركة سامكو، صدر عنهم استغراب تجاه الأحداث. فالعمل يحكي عن إنسان بسيط ووديع يحب الناس ويساعد المساكين منهم، وقد قام بتبليط شارع كامل، كما أعطى المساعدات المالية إلى عمال عند مساطر انتظار العمل،
وليس لدى سامكو عمل يقوم به إلا أنهُ يقوم بتدوير الأموال عند أخذها من الناس بقصد تشغيلها وإرجاعها إليهم مع فائدة شهرية قد تصل إلى 30%، وبدون أي مشكلة اقتصادية يعاني منها، وبدون تشغيل تلك الأموال، كما أنهُ كان محبوبا، وقد اعتقله النظام ليس لسبب أو آخر، ولا حتى لعجزه عن سداد أصول تلك
الأموال أو فوائدها، إلا لأنهُ رضي أن يلقبهُ الفقراء بيد الخير وهي نفس الكنية التي كُني بهاء صدام حسين من قبل أزلام النظام.. هذهِ الشخصية هي سامكو؟؟ كما يحكي المسلسل عن بعض يوميات الحصار وحالة الضنك التي عانى منها العراقيون في ذلك الزمان.وبعد هذهِ المقدمة أضع عند يد القارئ الكريم مجموعة من التناقضات التاريخية والاقتصادية لهذا المسلسل:أولا: أحداث المسلسل وقعت بين سنة 1992 وسنة 2003. وهنا نذكر أن فترة ما يسُمى بشركة سامكو كانت سنة 1995 تحديداً، ولم تظهر هذهِ الشركة سنة 1992، وقد دارت أحداث المسلسل خلاف التاريخ الحقيقي.ثانيا: تطرق المسلسل إلى أحداث إعدام التجار العراقيين على يد نظام صدام على أنها أحداث وقعت بعد انتهاء ظاهرة شركة سامكو، وتحديداً بعد دخول سامكو السجن، إلا أن الحقيقة أن إعدام التجار كان عام 1992 أي قبل ما يسمى بشركة سامكو بثلاثة سنوات.ثالثا: القصة الحقيقية، وبعيدا عن أحداث المسلسل، تؤكد أن الاحتيال كان حكومياً وليس من شخص واحد من خلال شركة سامكو في تلك الفترة. ولتوضيح هذا الاحتيال الحكومي في تلك الفترة لابد من توضيح للقارئ الكريم من خلال هذهِ المقدمة الاقتصادية التي أعرضُها:لقد تعرض العراق إلى حصار اقتصادي أدى إلى حصول مشكلة التضخم إضافة إلى المشكلات الاقتصادية الأخرى، وإنْ تعرض أي بلد إلى مشكلة اقتصادية، ومنها مشكلة التضخم، فلابد من وجود مجموعة من الحلول الاقتصادية هدفها القضاء على هذا التضخم الناتج بسبب زيادة الكتلة النقدية (السيولة النقدية) في السوق والتي أدت إلى زيادة في سرعة تداول النقود وزيادة الطلب على السلع والخدمات مع وجود عرض أقل لتلك السلع والخدمات نتيجة هذا الحصار، وإن وجود هذا العرض المتدني أمام ارتفاع الطلب أدى إلى رفع الأسعار، إلى جانب وجود انخفاض في سعر صرف الدينار العراقي أمام العملات الصعبة، ومنها الدولار الأمريكي إذ وصل سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد ألفي دينار. وكانت الحلول الاقتصادية هي تقليل النفقات بأنواعها المتعددة، وإيقاف الإصدار النقدي الجديد (طبع العملة الوهمية الخالية من الغطاء الذهبي أو غطاء العملة الصعبة)، ورفع سعر الفائدة للمصارف الحكومية، وطرح سندات الخزينة والأذونات المصرفية من أجل اقناع المواطنين أصحاب الدخول العالية بتوفير أموالهم وتحويل تلك السيولة الموجودة في الأسواق إلى مصارف الدولة. إلا أن نظام صدام، وبعد مجموعة من الإجراءات الشرعية اتخذ إجراءات اقتصادية غير شرعية، وذلك لسحب تلك السيولة من الأسواق عبر شركة سامكو، تلك
الظاهرة التي تعني النصب على الناس بعد إروائهم بالفائدة التي وصلت شهرياً إلى 30% وإعطائها لهم ما يزيد عدد الراغبين من الناس بدفع أموالهم لتلك الشركة المزعومة، ثم تقوم الدولة بحجب تلك الأموال من الناس، بعد أن وصلت إلى أرقام مرعبة من المليارات، عن طريق ما يسمى بشركة سامكو وشركائه، ما يؤدي إلى امتصاص السيولة من الأسواق العراقية، حيث أن عملية سامكو لم تكن بسيطة ومحدودة وإنما اتسعت إلى مختلف المحافظات العراقية بما فيها النواحي والأرياف من خلال وكلاء لكل منطقة، والأمر الذي أدى إلى شيوع هذهِ الظاهرة هو تأكيد بعض وكلاء سامكو أن الشركة عائدة للحكومة نفسها ولا داعي لتخوف الناس على أموالهم المودعة، وهذا الامر أدى إلى تقليل التضخم بنسبة قليلة اثر سحب السيولة من أصحاب الدخول العالية، كما سهل على الحكومة الإبقاء على المُرتبات المُتدنية لكي يواجه موظفو الدولة الأسواق بعد أحداث سامكو بطلب أقل من الطلب الحقيقي بعض الشيء الذي كان مع وجود تلك السيولة المالية الأكبر.وقد كان هذا نصبا على الناس بمختلف طبقاتهم الاجتماعية، وهذا محور القصة الذي لم يتكلم عنها المؤلف بل تكلم عن قصة ليست لها علاقة بقصة سامكو الحقيقية من خلال جعل سامكو في المسلسل مواطنا صالحا. ولا يسع المتلقي لهذا المسلسل، بالعرض الذي ظهر، إلا أن يجعل من شخصية سامكو رمزاً وطنياً.والمضحك في ذلك تناول المسلسل لعمل سامكو وهو بإمكانية مالية بسيطة؛ والسؤال الذي يطرح نفسه من أين سيأتي بالمال ليسد عجز الفوائد التي تزداد شهرياً خصوصاً وأنهُ من طبقة بسيطة في منطقة شعبية ويعمل حلاقا؟؟ والحقيقة أن تموين شركة سامكو كان من حكومة النظام نفسه لكي تكتمل المؤامرة ويقع المواطن في فخ النصب المالي.ومن الجدير أن نذكر بعض الأمثلة عن الإجراءات المالية غير الشرعية التي اتخذتها حكومة نظام صدام، وذلك لتوضيح خطة الاستغلال المالي والنقدي التي اتبعها ذلك النظام لكي تكتمل الفكرة عند القارئ الكريم. ومن تلك الإجراءات؛ رسوم خروج الفرد من البلاد التي وصلت إلى أربعمائة ألف دينار، ورسوم يدفعها المواطن بحجة بناء وترميم صرح الملوية وغيرها من الأبنية، وإلغاء فئة الخمسة وعشرين ألف دينار السويسرية، وبدون سابق إنذار أو مهلة أو تعويض حائزيها. ويعود السبب في ذلك إلى أن العراق حين شهد الحصار وأصبح سعر صرف الدينار متدنيا سحب التجار الأردنيون تلك الفئة، كونهم حصلوا عليها،
وبكميات كبيرة، بسبب الفارق الكبير بين سعر صرف الدينار العراقي أمام الدينار الأردني، إذ وصل الدينار الأردني إلى ما يقارب 3 آلاف دينار عراقي. وكان المضاربون بتلك الفئة يراهنون على رفع الحصار وعودة الدينار العراقي إلى مستواه الحقيقي فيكونون قد جمعوا مبالغ لتلك الفئة تكون مقاربة للعملة الصعبة. ونتيجة سماع أحد التجار الأردنيين بذلك الخبر توفي في الحال. وتعتبر عملية تسقيط تلك الفئة سابقة خطيرة كونها تتجاوز على القوانين النقدية العالمية باعتبار أن العملة النقدية ورقة نقدية صادرة من أعلى سلطة نقدية تُلزم الدولة بالدفع لحاملها من القيمة المعادلة لقيمة غطائها الذهبي أو العملات الأخرى كونها، وتسقطيها، بدون تعويض، أدى إلى أن تفقد العملة العراقية في تلك الفترة صفات العملات الثلاث وهي الإلزامية والمقبولية والقانونية.رابعا: عرض المسلسل على أن سامكو تم القبض عليه ليس بسبب عجزهِ عن دفع الفوائد وإنما لاتهامه بأنهُ رضي أن يكنيه الناس بيد الخير لمساعدته لهم، وتلك الكنية خاصة بـ(القائد الضرورة)، وعندما تم القبض عليه حُجزت الدولة الأموال ما اضطر الناس إلى المطالبة بحقوقهم، وليس لتوقف سامكو عن سداد الأموال بفوائدها. وهذهِ الأحداث خلاف الحقيقة، إذ أن الحقيقة هي ان النظام حجز الأموال عن الناس بعد أن نصب عليهم من خلال سامكو.خامسا: لقد كان من الأجدر بالقائمين على المسلسل أن يبحثوا في أرشيفات تلفزيون الشباب، فقد تم تقديم سامكو بعد انتهاء تلك العملية في التلفزيون سنة 1995، وذلك لامتصاص غضب الناس، على أنه متهم، وأُكرر بين قوسين على أنه (متهم) لكن أي متهم يقدم إلى الناس؟ فقد تم تقديمه بكل أريحية، وقد ظهر وهو بكامل أناقته وبدون أي آثار تعذيب، وقد وضع قدمه اليُمنى على اليُسرى ويتلكم، مبتسما، عن تلك العملية، وحينها قال الناس إنهُ وشركاؤه من رجالات
عدي. كان أجدر على المسلسل أن يتذكر برنامجا آخر لتلفزيون الشباب سنة 1995 قدمه المُخرج العراقي القدير فيصل الياسري. وقد وعدت السلطات الناس حينها بأنها سوف تعيد الأموال إليهم بعد تدقيق سجلات سامكو، على أن يقوم كل فرد نصب عليه سامكو برفع شكوى إلى الشرطة، إلا أن نظام صدام أغلق القضية بعد عدة أشهر، وبدون أن يحصل الناس على أموالهم، وهذا أكبر دليل على تورط نظام صدام بقضية سامكو. وبدل أن يفضح المسلسل نظام صدام أظهره حريصا على اقتصاد البلد من خلال ملاحقة سامكو واتهامه بأنه يعمل على تخريب اقتصاد البلد واشتباههم بأنهُ عميل لدولة اخرى كإيران.شخصية سامكو بقيت غامضة، وكان بإمكان العاملين على هذا المسلسل أن يبحثوا أكثر عن تفاصيل تلك القصة من خلال ما يستعينون به من أرشيفات تلفزيونية تتعلق بهذا الحدث، وخاصة تلفزيون الشباب، وكذلك كان بإمكانهم الاعتماد على الاستشارات الاقتصادية والتاريخية عن هذا الحدث، وعن مقابلة الناس المُقربين مثلا من هذا الحدث، إذ لم نعرف لسامكو حديثا في المسلسل إلا عبارة (شوكت تخلص) ولم يظهر المُسلسل أي عملية اقتصادية يمكن إقناع المتلقي عبرها بطريقة عمل سامكو ونجاحه، كما لا يسعني، في الوقت نفسه، إلا أن أحيي جميع الممثلين في هذا العمل كونهم قد سلطوا الضوء في أدوارهم
عن مكافحة العراقيين أيام الحصار وعن طيبتهم، فكان بإمكان المؤلف طرح تلك اليوميات وطرح هموم العراقيين بعيداً عن ظاهرة سامكو لأن معلومات المؤلف قليلة عن تلك الشخصية. غير أني أشيد بالمؤلف من ناحية عرضه طيبة شعبنا، خصوصا ونحن نمر بمرحلة وجود قنوات عراقية مغرضة شوهت حب العراقيين لبعضهم وابتعدت عن نهج القناة العراقية المُبدعة في أعمالها الدرامية التي رسمت البسمة وأعادت ذكريات العراقيين من خلال مجموعة أعمال خلدت الفلكلور العراقي وصمود العراقيين أيام الحصار وأيام الانتفاضة الشعبانية، وأدعو إلى مزيد من الأعمال الدرامية العراقية التي توثق تاريخ تلك المرحلة الصعبة، ومن الله التوفيق.