مطعم فلافل هاشم وأخوانه (البيت الضيق الذي يتسع لكل الاصدقاء)
(Hashim and his brothers Falafel Restaurant (the narrow house that accommodates all friends
العائلة الهاشمية
اسرار قاع المدينة : البيت الضيق الذي يتسع لكل الاصدقاء
الذاهبون الى وسط البلد ,هكذا يسمي العمانيون مركز مدينتهم ، غالبا ما تقودهم اقدامهم الى ذلك الزقاق المكتظ
بالجياع , حيث يجدون في مطعم هاشم ملاذا وسبيلا .
من يعرف عمان على حقيقتها , لابد ان يتعرف على "هاشم" ويتردد عليه , فالمطعم الصغير لا يشبه المطاعم الاخرى
, وله" حبل سري " خفي يربطه بزبائنه الذين يترددون عليه على مدار ساعات الليل والنهار .
ترى , لو كان المطعم في غير مكانه , هل اكتسب مثل هذه الشهرة , ومثل هذه الحميمة مع الناس ؟ ولو كان يقدم
طعاما مختلفا هل قصده الزبائن بهذا الحجم ؟
هي اسئلة مفترضة , لكن " هاشم " يتسع لاكثر من مئة صديق , وهو لا يعترف بالضيق , حيث تمدد طولا وعرضا ,
لكسب مساحة اضافية لايواء زبائنه , الذين يشعرون بالالفة , ويرتبطون مع المكان بعلاقة من نوع خاص .
واحدة من سمات الاطمئنان التي يحس بها الزبائن مع هذا المطعم , انهم لا يشعرون بالخيبة , فهو جاهز لتقديم وجبته
في كل الظروف والاوقات , مطعم لا يحتاج الى باب وقفل ومفتاح , فهو مشرع على مدار الساعة , وفاتح ذراعيه للناس
في الاوقات كلها .
الحمص والفول والمسبحة والقدسية والفلافل , وزبائن اول النهار واخر الليل , ولا تكتمل طقوس "الاحتفال" الا مع
"فحل" البصل الذي صار لازمة من لوازم المكان .
ليس الفقراء وحدهم من يطرقون ابواب هذا المكان , فقد يلتقي الذاهبون اليه , وعلى غير موعد , مع مسؤول او
شخصية عامة , جاء يأكل ما تجود به مائدة المطعم المعروفة سلفا .
وليس الاردنيون وحدهم من يرتبطون بعلاقة خاصة مع هذا المطعم الاستثنائي , فالاجانب والسياح يقصدون كراسيه
الصغيرة , ربما ليتعرفوا على قاع المدينة , او ليتذوقوا الاكلة الاكثر شعبية في البلاد (الفلافل) , والسائح الذي
تقوده قدماه بالصدفة , سيعود حتما , لانه اكتشف عند "هاشم" ما لايعرفه في بلده البعيدة .
سيرة المطعم , جزء من سيرة عمان المعاصرة , والمدينة التي تضم بين جبالها عشرات المطاعم الراقية , من كل
صنف ونوع , حافظت على هوية "المطعم " وساهمت في مده باكسير الحياة , كي لا تختل المعادلة , وكي لا تقف
المدينة على رجل واحدة , وكي لا تنظر للمستقبل بعين واحدة ايضا .
هل فكر "هاشم" عند افتتاح مطعمه الصغير ذات نهار قبل سنوات بعيدة جدا ، ان مطعمه سيصبح ظاهرة شعبية من
ظواهر العاصمة , رغم كل وسائل التكنولوجيا التي تجتاح العالم؟
واذا كان المطعم يحمل اسم "هاشم واخوانه " فان هؤلاء الاخوان قبلوا طائعين ان تظل اسماؤهم مجهولة . ليتمدد
الاسم ويأخذ مساحته وشهرته التي تتجاوز حدود العاصمة .
"الاشقاء الوافدون" صار لهم علاقتهم كذلك مع المطعم , فالمصريون والسوريون والعراقيون والسودانيون وغيرهم ,
سجلوا اسماءهم في قوائم الزبائن , وجلسوا تحت مظلته , تماما مثلما يجلس ابناء المدينة القدماء .
"هاشم" قد يكون المطعم الاكثر شهرة ليس في قاع المدينة فقط , بل في احياء العاصمة كلها , لذلك ليس غريبا ان
يكون ملاذا في كثير من الاوقات للادباء والمثقفين والصحفيين, وهو الاقرب الى نبض هؤلاء , وربما جيوبهم ايضا , وعليه
فان الزائر للمطعم سيرى كثيرا من "قصاصات الجرائد" معلقة على جدرانه .. وهي ما كتبه المثقفون عن هذه الظاهرة
العمانية التي لا تشبه غيرها .
في الطريق الى "هاشم" تشعر بدفء المدينة , الذي لا يتكرر في اي مكان اخر , وفي المطعم تشعر انك في مكان لك
فيه حصة , ولك فيه نصيب من الاحتفال , لذلك قد تقودك قدماك دون ان تدري , ودون استئذان من عصافير بطنك ,
لتمنح نفسك لحظة من الدهشة , ولحظات من الهروب من الاسئلة والاجابات .
تقول الرواية العمانية , من لايعرف مطعم هاشم , قد لا يعرف الكثير من اسرار المدينة , فهذا المطعم لا يقدم الحمص
والفول ومشتقاتهما فقط , بل يقدم صورة لم تغادر ذاكرة المكان , عن عمان التي كانت , وعمان الذاهبة باندفاع بارع ,
الى تقديم نفسها عاصمة تضج بالحياة في كل الاتجاهات .
ولقد تاسس المطعم في عام 1956