كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يُعْلِن شهادة التوحيد في كل يوم أكثر من مرَّة، وفي أكثر من مناسبة؛ وهذا لأن الغرض الرئيسي من بعثته صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنبياء من قبله، هو توحيد الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]؛ لذلك سنجد أن كثيرًا من أذكاره وأدعيته صلى الله عليه وسلم كانت مهتمَّة بإبراز مسألة التوحيد وإعلانها، ومن ذلك أذكار الصباح والمساء؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. كَانَ لَهُ عِدْلَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ".


والواقع أن العطاء الربَّاني لمن قال هذا النصَّ القصير غير مُتَخَيَّل! فسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم هو قول هذه الكلمات مرَّة واحدة في الصباح، وأخرى في المساء، وهذا يحتاج إلى أقلِّ من دقيقة؛ ومع ذلك فأجره عظيم للغاية، ويكفي أنه يعدل عتق رقبة، ولم يكتفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أنما ذكر أنها ليست مجرَّد رقبة عادية، وإنما من ولد إسماعيل عليه السلام، وهذا يدلُّ على زيادة شرفها، وبالتالي زيادة ثمنها؛ ومن ثَمَّ أجرها، وأضاف إلى ذلك أجورًا أخرى كما جاء في الحديث، وكلُّ ذلك ليُشَجِّع المسلمين على ترديد شهادة التوحيد يوميًّا، وقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ". فلعلَّ هذه الشهادة التي نُعلنها صباحًا ومساءً تكون آخر كلماتنا في الدنيا؛ فنُفلح فَلاَحًا لا شقاء بعده!
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].


د.راغب السرجاني